ان احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمرعام 2002 كانت ضربة عنيفة للعقل المفكر في كل مكان دفعها لدراسة اسباب ما جرى وما يجري اليوم على الساحة الدولية من اعمال ارهابية. ونتيجة لذلك اعلنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب وباشرت في مراجعة شاملة لإستراتيجياتها في التعامل مع الأنظمة الشمولية التي دعمتها ومولتها سابقاً وغضت الطرف عن جرائمها بحق مواطنيها. قال الرئيس بوش في خطابه الشهير عن الديمقراطية في الشرق الأوسط " إن الولايات المتحدة إرتكبت الأخطاء في الماضي عندما وضعت ثقتها في أنظمة ديكتاتورية تضطهد شعوبها. واصبح واجبا سد الطريق أمام تمدد الفكر الإرهابي وتصدير النماذج الإرهابية لبقية أنحاء العالم، بعد تهيئتها موضوعياً وإشباعها بأفكار الإصولية الدينية و كره الآخروالرغبةفي تدميره. وقد ذهب عدد من الإستراتيجيين والصحفيين الأميركيين بضرورة تغيير المناهج التعليمية للدول المصدرة للإرهاب في العالم، لأنها القاعدة لتأسيس أجيال تتربى على أفكار عدوانية تنفي الآخر وتعاديه من منطلق ديني وعقدي.
فالاعمال الإرهابية التي تجري في اكثر من مكان ومنها العراق والمملكة العربية السعودية تلقى تشجيعا من قبل وسائل الإعلام العربية على انها اعمال وطنية من جانب، ومن جانب آخر تمثل الفكر الإسلامي، يتقبلها الناس على انها عمل بطولي حتى اصبح ابن لادن إمام البطولة الإسلامية وينظر لصدام حسين على اساس انه بطل قومي عربي. ان ما يعيشه عالمنا العربي اليوم على مستوى الشارع وكذلك المنظرين من القومجين والإسلامويين ياتي من ضمنها ايضا نتيجة التخلف الذي حملته مناهج التعليم وكذلك اساليبه ونظرياته التي لم تتغير قط على الرغم من تغير البنى التحتية في اكثر من دولة عربية. ففي الوقت الذي يركب فيه المنظر التربوي ورجل الدين الطائرة والسيارة المكيفة ويستخدم كافة وسائل التقنية الحديثة التي وفرتها عقول الغرب "الكافر" يعلم الاجيال الجديدة ويغذيها بعلوم القرون الوسطى واساليبها في التفكير والممارسة. ان الجريمة التي حدثت في ايلول وغيرها من اعمال إرهابية في الرياض والدار البيضاء، في مدريد وفي المدن العراقية المختلفة جاءت نتيجة لافكار فرخت قتلة لا قيمة للإنسان لديها تستخدم اجسادهم كقنابل موقوتة، اساءت للإسلام والمسلمين ولا زالت الدماء العراقية تسيل كل يوم بيد خريجي مدرسة القرون الوسطى الدينية، النظرية منها والعملية. ان الإرهاب الإسلاموي بدأ يفرض على العالم ان يطالب العرب والمسلمين ان يعيدوا النظر في مناهجهم التربوية لكي تتماشى مع القرن الحالي ولكي تهئ بناة مستقبلها للقرون القادمة وليس ابقائهم في الغرف المظلمة للسلفية الإسلامية يتغذون من مناهجها لما في ذلك خطر على العالم اجمع وتهديد لتقدمه الحضاري. كان الاولى بالعالم العربي ان يلتفت إلى ذلك قبل احداث ايلول المشهورة ويضع نفسه على طريق التحديث وليس ان ينتظر اليوم الذي يفرض عليه. ان بعض الدول العربية كانت اول من استلمت الاشارات الواضحة من اجل القيام بعملية نهضوية في مجال التربية والتعليم عن طريق المشاريع التي نفذت فيها بمساعدة منظمات دولية متخصصة. وكان من ضمن المقترحات المهمة التي ساهم فيها كاتب هذه السطور في منتصف ثمانيات القرن الماضي، إنشاء مركز دراسات حول الاوعية التربوية في منطقة الخليج العربي، من اجل ان تكون قادرة على استيعاب المستجدات في مجمل العملية التربوية ومناهج التعليم المستحدثة.وقدم المشروع من قبل احدى وزارات التربية الخليجية ووافق عليه اجتماع وكلاء الوزرات في دول الخليج العربية وتبنته منظمة التربية لدول الخليج العربية، ولكن المشروع وكما هو حال المشاريع الاخرى المساهمة في نهضة الدول العربية قد رمي لانه تعارض مع المصالح الشخصية لمسئولين في دولها، خاصة وان المشروع كان ينشد توحيد المواصفات في منطقة الخليج العربية. وان رأى ذلك المشروع النور وغيره من المشاريع التي وضعت من اجل التغير لما كانت القوى الظلامية الآن تعيث فسادا إلى هذا الحد في المملكة العربية السعودية او في العراق وفي دول العالم الاخرى، ولما وقف العالم كله مطالبا الدول العربية والإسلامية تغير سياستها التربوية ومناهجها التعليمية. فكلما تمر في بداية تشرين اول/اكتوبر ذكرى على ما سمي في حينها "صدمة سبوتنك"، عندما اطلق الاتحاد السوفياتي في الاول منه عام 1957 اول قمر اصطناعي إلى الفضاء الخارجي والذي احدث ردة فعل عنيفة، شعر الامريكيون خاصة، في حينها عن تخلفهم في خلق القاعدة العلمية لكي تطلق جهازا إلى الفضاء الخارجي كما فعل الاتحاد السوفياتي، يراجع الكثير من المثقفين العرب اللبرالين ذلك الحدث ويسألون انفسهم الم تمر الامة العربية بتحدى اكبر من ذلك ولم يفيقها من سباتها؟ وعلى اثر النجاح السوفيتي ذلك قامت الادارة الادارة الامريكية بمراجعة جميع سياساتها ووجدت ان في طليعة اسباب تخلفها هو النظام التربوي و مجمل العملية التعليمية وما يرتبط بهما من اوعية مادية كالمباني المدرسية ومعايرها ونظامها الداخلي...الخ وبدأت بعملية تغير واسعة استطاعت بعدها وخلال عقد من الزمان من تحقيق نجاحات كبيرة في الفضاء الخارجي وبعد ذلك استطاعت ان ترسل اول إنسان إلى القمر. وتوالت نجاحتها في مجالات العلوم والتقنية، مع استمرار التطور الاقتصادي، حتى استطاعت إنهاء المنظومة الاشتراكية بمجملها دون اطلاقة رصاصة واحدة في اقل من ثلاثة عقود منذ اعلان تخلفها عن الاتحاد السوفيتي والسعي لتغير ذلك.
ففي الوقت الذي كانت حرب حزيران عام 1967 صدمة كبيرة للامة العربية التي اظهرت تخلفها عن إسرائيل، لم تضع يدها على اسباب ذلك بصورة علمية بعيدا عن العواطف، سوى ما ذهب اليه بعض من المفكرين العرب في تشخيص اسباب الهزيمة التي وجدوا في مقدمتها ايظا النظم التعليمية والسياسة التربوية واوعيتها المادية المساعدة للوصول إلى اهدافها في تهيئة جيل قادر على التحدي الحضاري، في استيعاب تقنيات العصر والتعامل مع منجزاته واستغلالها في بناء خطوط دفاعه المادية منها والفكرية. فكل اخفاقات العالم العربي وتخلفه عن الدول المتقدمة، الصديقة منها والعدوة تصب في مدى استيعابها لتطورات العصر المختلفة وانتاجاته المتعددة في ميادين السلم والحرب على حد سواء، لان الفرق في الاستخدام يفصله خيط رفيع جدا، كما هي ضرورة التعامل معها بشكل فعال من اجل تهيئة الاجيال منذ مرحلة الطفولة المبكرة لعالم جديد سيكون اكثر تطورا وتعقيدا ايضا، وتنشيئته كي يعرف الحب للإنسان والتعايش مع الآخر وليس جيل يرفع في يده السيف لحز الرقاب واليد الاخرى القرآن دون ان يعرف مضامينه الحقة. ففي هذه المرحلة من الصراع الشرس الذي يخوضه العرب بين الماضويين والمحدثين قد وصل اعلى مستويات التحدي لارتباطه اساسا في اعطاء الحرية الشخصية وحقوق الإنسان وامكانية الابداع الذاتي دون تسلط الانظمة. ان نجاح العالم المتقدم ليس فقط في ابداع تقنية متطورة والتعامل معها بشكل سليم عن طريق قاعدة اساسها تهيئة المسلتزمات المادية لاستيعابها واستيعاب المستجدات في مجالها والمساهمة في ابداعها او انتاجها من جانب، وإنما ايضا في دموقراطية النظام السياسي والحرية الفكرية والسلم الاجتماعي واستقرار المجتمع المدني. فثورة المعلوماتية التي تفجرت بزخم كاسح بعد التقدم العلمي والتقني الحالي، احدثت تغيرات عميقة وواسعة في المجتمعات المعاصرة، لا زلت الكثير من بلداننا تتعامل معها بحذر وببطئ. فبعض الدول العربية تحرم مواطنيها من استخدام الانترنيت او تحجب بعض المواقع لانها تنقل الفكر اللبرالي، كما هو الحال من "إيلاف". ومن اجل التنبيه إلى واقعنا والدعوة لتقليل الهوة بين العالم المتقدم والبلدان العربية الذي نعيش اسبابه، لا يكفي رفع اصوات بعض المفكرين العرب بالمطالبة في تحديث المناهج ووضع سياسة تربوية جديدة مع اصوات الدول التي اكتوت بنار الارهاب، لانها تبقى غير كافية. ان عملية التغير تهم امة تعداد سكانها اكثر من 300 مليون نسمة موزعة على قارتين و 22 دولة عليها القيام بخطوات واسعة وكبيرة في عصرنة نظمها السياسية اولا ومن ثم قطاع التربية والتعليم فيها ابتداء من مرحلة الطفولة المبكرة وانتهاء بالتعليم المتخصص والعالي وما يرتبط بهما من بنى وتجهيزات ومعايير على حد سواء. ان العالم سوف لن يبقى يراقب السيارات المفخخة والاجساد الرخيصة تغتال النفوس وتحطم البنى التحتية في مدنه والقادمة من الدول العربية دون ان يحرك ساكنا، لانه يهتم بسلامة مواطنيه ومستقبل اجياله. ان مسألة الإرهاب الإسلاموي تهم العالم كله، لانها قضية إنسانية واخلاقية اساسا. فالمطالبة بتغير المناهج وتحديث السياسة التربوية في الدول العربية تنطلق من اجل بناء انسان على اسس عقلانية بعيدا عن العاطفة الكاذبة مصحوبا بالتأمل الرصين للعالم المحيط. فهل يكفي استخدام اجهزة الحاسوب في بعض المدارس او بناء مدارس ذات كلف عالية مثلا، لكي تكون مؤشرا على التقدم الذي يتمناه العالم والمواطن العربي تحديدا ؟
فالتربية والتعليم تعتبران في عصرنا الحاضر الطريق الامثل لتقدم اي شعب من الشعوب وحصانة لنبذ الفكر المتطرف والدعوة إلى التآخي والسلم الاجتماعي.فعن طريق التربية والتعليم ذات الاسس الصائبة يصنع المفكرون والمخترعون، الكتاب والفنانون، رجال السياسة والاقتصاد،او ذوي الحرف المتخصصة.... الخ وهم جميعا الطاقه البشرية التي تدفع إلى الرقي والازدهار والامان وليس تخريج قنابل موقوتة وايدي تحمل السيوف لقطع الرقاب وتفجير المباني.فنظم التربيه والتعليم تمخضت عنها الثقافات التي تنطوي عليها فلسفه آخذة بالحسبان الاهداف الوطنية " لأن كل قوميه او شعب من الشعوب يضع اساس معين تقوم عليه سياسته التعليميه وما يرافقها من متطلبات، منطلقا من فهمه لضروفه الاجتماعية والاقتصادية والامنية وارثه الحضاري دون البقاء في تلافيف طياته البالية ". كتب مارك أنطوان جوليان دي باري (Marc-A.J. de Paris) احد العلماء الفرنسين في بدايه القرن الثامن عشر بان التربية ينبغي أن تكون علما ايجابيا مرنا، وليست علما تتحكم فيه الافكار الضيقة المحددة، او الافكار الفردية التي يسيطر عليها التعصب والجمود. ان النظام الشمولي في العراق الذي اسقط في التاسع من نيسان 2003 وضع اساس الفكر المتعصب والتطرف الديني والقومي الذي يحصد العراقيون نتائجه اليوم. لدور التربية والتعليم القدح المعلى في تقدم اي بلاد بما فيها مؤسساتها العلمية ومراكز بحوثها، في كونها اداة للتحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية فيها. ان سياسة واضحة موحدة كفيلة لتحقيق ذلك وليس سياستين واحدة في المدارس واخرى في المساجد والاقبية المظلمة. واحدة تدعو إلى الاخاء الاجتماعي والثانية تدعو إلى اجتثاث الآخر وقتل الغريب بحجة انه كافر وتحث ليل نهار على العنف وجز الرقاب. ووصلت تربية النشأ على الإرهاب إلى الدول التي آوت الإسلامويين وانقذتهم من حكامهم ففي مسجد التقوى في فرانكفورت، بناء على أقوال تلميذة تواظب على الذهاب لتعلم اللغة العربية والقرآن أكدت أنها شاهدت أفلاما تحث من يتعلم معها على كراهية الكفار وعرضت أفلام فيديو لتحقير الإنسان وأحدها عن قطع رأس رجل. والمدرسة مثلا، بجميع انواعها هي احدى الوسائل الاساسيه التي تحفز عن طريقها الرغبة على التعليم ومن ثم نهل العلم، وهي اداة التربية التي لم تعد مكانا فقط لمحو الامية، وانما مركز تقدم للمجتمع ما تستطيع بما تملكه من امكانيات صممت بدقة وكفاءة وعناية. كما اصبح التلميذ في الوقت الحاضر يحصل على المعارف ليس فقط من معلميه وانما بطريقة شخصية، والمعلم يساعده على ذلك بالنصيحة والارشاد. ان التقنية الحديثة ووصول الانترنيت إلى اكثر من اربعين في المائة من البيوت في اوربا وامريكا هو واحد من المصادر المهمة في هذا المجال. ولم تعد المدرسة مكان لمعاقبة التلميذ المتخلف او مكافئة المجد كما هو متعارف عليه منذ قديم الزمان، وانما ورشة عمل يساهم في نشاطاتها المتعلمين والمعلمين، والمبنى المدرسي ووحداته المختلفة الوعاء المساعد على ذلك. فالمكتبة المدرسية مثلا اصبحت مركزا " للتعليم الذاتي" وليست مراكز لتفريخ إرهابين وتوزيع كتب تحث على العنف.
فالمعرفة وتطوير المقدرة الإنسانية في الحصول عليها بإستمرار غدت من المهام الاساسية للدول وكذلك اولى نقاط خططها التربوية. فالمشكلات التربوية واحدة في البلاد المختلفة، ولكن مختلفة الحلول ولا يمكن ان يصلح حل لمكان ما ان يكون صالح لمكان آخر بالضرورة. وليس معنى ذلك أن يلتزم كل بلد، بما تضعه او يضعه لنفسه من نظم تربوية وتعليمية وما يرتبط بهما من اوعية ثابتة ومتحركة ومن وسائل تعليمية دون الاستفادة من نظم غيرها من البلدان وخبراتها وتجاربها، او ان ترسم خططها بمعزل عما ترسمه وتخطط له الامم الاخرى لنفسها، وخاصة تلك التي وصلت إلى مراحل متطورة من التقدم العلمي والتقني. اما في مناطق فيها دول متجانسة كمنطقة الخليج العربي مثلا، لها طموحاتها المشتركة حتى في مجال التربية.فاهدافها واحدة وكذلك المشاكل التي تعترضها واحدة ايظا ووضع الحلول لها ومعالجتها ذات هدف واحد ظمن رؤية منظمة تحت مظلة علمية بحثية. وشعورا بذلك اسست مكتبا خاصا لذلك الغرض، كما صدر قرار عن اجتماع قادة مجلس التعاون الخليجي في اجتماع له بالبحرين على توحيد المناهج في دوله، ولكن هل ذلك كان كافيا؟
ان نجاح العمليه التعليميه والوصول إلى اهداف السياسة التربوية تحتاج ايضا الاهتمام بكل عناصر العملية التعليمية ومنها على سبيل المثال المباني التعليمية في وضع المعايير والمواصفات لها وحشد اغلب الطاقات المهنية في البلاد كي تساهم ليكون المبنى عصريا متجاوبا مع المتطلبات التربوية الحاضرة والمستقبليه على قدم المساواة، كما تفعل اغلب البلدان المتقدمة.
فالمدرسة بجانب العائلة تعتبر المكان الثاني في حياة الطفل، وهي محطة ينطلق منها المتعلم إلى هدف ينشده، وهي التي تهئ له المسلتزمات الضرورية لذلك الانطلاق. فالمدرسة هي محور حياة التلميذ، فيها يتعلم على التركيز فيخزن في ذاكرته وشخصيته كل ما يلقى عليه من معلومات وكل ما يكتسبه من سلوكيات. فمن واجبات المدرسة إكساب المتعلم خبرات متوازنة في مجالات عدة تبدا بالمعرفة والحكمة وتنتهي بالمهارات الحرفية، مرورا بتحقيق المثل القائل "يجب ان يعرف الانسان شيئا من كل شئ"?. فهي تهيئ الناشئة لكي يكونوا اعضاء نافعين في المجتمع ومواطنين قادرين على مساعدته ذاتيا ومتفهمين للواقع الذي يحيط بهم من الناحية الاجتماعية، السياسية والعقدية، قادرين في الوقت نفسه على المساهمة في الحياة الاقتصادية والثقافية، واخيرا الدفاع عن منجزات اوطانهم بمقدرة. تلك الاهداف تترجم من النظام التربوي إلى لغة فنية وهندسية في المنشآءات والتجهيزات، بالاضافة إلى منهاج مدرسي، معلم متمكن وادارة مدرسية محنكة وغير ذلك. فالمعلم مثلا يبقى عائقا مما يقوض تلك الخطط لأن بعض الدول العربية تختار المعلم حسب التزامه بالفكر السلفي. ان مدراسنا، وان غيرت جلدها في ابنية مزوقة ذات كلف عالية لا زالت تضم جيش من دعاة العنف والتعصب تعيش بعقلية القرون الوسطى. ومثاله ما يقوله الشيخ أبو عبد الله حمود بن عقلاء، الأستاذ السابق في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود: "وإن مما حذّر منه عليه الصلاة والسلام ونهى عنه في آخر حياته وفي مرض موته إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب واستعانة المسلمين بالكفار في القتال وفي غيره، والمستقرىء لكتاب الله العزيز يجد فيه النصوص الكثيرة في تحريم الركون إلى الكفار وموالاتهم والاستعانة بهم، وكذلك في سنة النبي نصوص كثيرة متظافرة تنهى نهياً مؤكداً عن إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب، وعن الاستعانة بالكفار والركون إليهم وموالاتهم كذلك"( نقلا عن مقال للدكتور شاكر النابلسي منشور في إيلاف من مؤلف " القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار، للعلامة الشيخ أبو عبد الله حمود بن عقلاء،") او ما يقوله زميله في جامعة الازهر :" إن المسيحيين كالمرض المعدي، يجب أن يعاملهم المسلمون بكل إزدراء وتحقير حتى يجبروهم على الدخول في الإسلام"، في العالم العربي الذي يشكل المسيحيون العرب فيه نسبة غير قليلة وهم من ساهم في بناء حضارته ودافعوا عنها.
لقد حصلت تغيرات جوهرية في حياة المجتمعات ومنها العربية التي تحتم اعتماد اساليب جديدة في الدراسة تساعد على المساهمة الفعالة في تطويرها بما تزوده المدرسة، فاصبح من الضروري ايجاد انماط وبرامج حديثة تلبي تلك التغيرات عن طريق إنشاء مدارس من نمط جديد لمواجهة متطلبات العصر ولتزويد المتعلم بقدر كافي من المعلومات العلمية العامة والمهارات التي تهيئه للعمل في عصر متغير. وضع مناهج وانظمة تعليمية واساليب حديثة في مجالهما، بعد ان وجهت اغلب الدول العربية سياساتها تجاه الدين من أجل خدمة شرعيتها السياسية بالصورة التي نحصد نتائجها الآن. ان تجعل احداث ايلول وما يجري من اعمال إرهابية تشوه الإسلام والعرب خلفها وكتجربة مرة قد تم اجتيازها. ان تخلف ورائها ايضا آراء مثل ما ذهب إليه سيد قطب من أن الفلسفة وتأريخ الاديان وعلم الاجتماع كلها علوم معادية للدين عامة وللإسلام خاصة. ان مناهجنا مثلا يجب ان تكون كما وصفها المفكر العفيف الاخضر في احد مقالاته في إيلاف ان تطور الفكر النقدي لتعليم ناشئتنا التسائل والشك اللذان يجعلان جميع الاطروحات تقف امام محكمة العقل لمسائلتها عن شرعيتها العقلانية. ان مناهجنا يجب ان تحوي دروس عن حقوق الإنسان، وتاريخ الاديان المقارن التي تساعد على فهم الظاهرة الدينية فهما تاريخيا عقلانيا، لانه يشكل سلاحا ضاربا ضد التعصب والإرهاب (غياب الفكر النقدي من التعليم العلمي يعطي الإرهاب، إيلاف 17 مايو / ايار 2004). ان تكون فيها علامات استفهام مقرونة بالشك كمثال لما رواه الحسن البصري عن الرسول (ص):
"لا تعصوا أولي الأمر منكم، فإن عدلوا فلهم الأجر وعليكم الشكر. وإن بغوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر، فهو امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر والأناة، لا بالثورة والغيظ". او "أطع حاكمك ولو جلد ظهرك وسرق مالك".
ان نجاح العملية التعليمية مرتبط بعدة عناصر لا يمكن التفريط في كفاءه واحدة منها مثل المنهاج والكتاب المدرسي، دفتر التلميذ وقلمه، المعلم والادارة المدرسية، المبنى وتجهيزاته وآثاثه وغيرها. ففضاءات المبنى المدرسي مثلا، عالم ترتبط وحداته مع بعض في علاقه هندسية وتربوية متميزة. كل ذلك لكي تؤدي المدرسة وظيفتها على احسن صورة في خلق جيل متكامل ثقافيا وعلميا واجتماعيا وجسمانيا، متفهم لمجتمعه وتطلعاته قادر على استيعاب كل اشكال التطور فيه وفي العالم. فالقصد من انشاء المدارس هو ايجاد الجو الملائم للمتعلم لكي يتعلم والمدرس لكي يؤدي عمله في التعليم بشكل ناجح.فمهمة المهندسين المختصين في عمارة الابنية التعليمية تصب باتجاه تلبية الاحتياجات الحقيقية لمنظري التربية في البلاد من جانب، ومن جانب آخر نحو استنباط تصاميم قادرة على تحقيق حاجات العملية التعليمية. فالعملية التعليمية هي جزء من مجمل العملية التربوية الكاملة وهي تنقسم إلى شقين، الجانب النظري بكل مشتقاته البحثية والنظرية والتطبيقية، والجانب الاخر يشمل الاوعية المادية المكملة التي بدونها لا يمكن الوصول إلى اهداف السياسة التربوية لاي بلد. فمن اجل تطوير ما هو معمول به لا بد من وجود مؤسسات بحثية متخصصة لكلا الجانبين، مراكز بحوث تربوية ومراكز بحوث في مجال الابنية التعليمية وكل ما يرتبط بها من تجهيز وتاثيث وتنظيم الفضاء الداخلي والخارجي او مراكز مشتركة للجميع التخصصات المرتبطة بمجمل النظام التعليمي والسياسة التربوية. فالمباني التعليمية مثلا تحتاج إلى تخصص في عمارتها وإلى مقدرة علمية في وضع مواصفاتها وتجهيزها وكذلك تنظيم فظاءاتها الداخلية لانها مباني ذات خاصية. فالمهندس الذي يروم تصميمها ان يكون ملما بمتطلباتها، ولان عالم المدرسة عالميين متصلين ومنفصلين في نفس الوقت وكلاهما يؤثر بشكل كبير على مستخدمي المبنى، وان يكون ملما بشكل واسع بحاجات التلاميذ والمعلمين والادارة المدرسية وان يتعامل مع تلك الحاجات بصدق ودفئ واهتمام كبير، لان البيئة المدرسية بحد ذاتها بيئة تعامل إنساني. فالقيمة الفعلية لاي تصميم هي في مقدار تلبيته لتلك الحاجات بشكل جيد في ترجمتها إلى فضاءات وتجهيزات لما يسهل على التعليم والتعلم، وقيمته في ان يكون المبنى مستعدا في نظامه الداخلي والخارجي بما يتقبله من تغيرات والتكيف معها وهذا الجانب ليس اقتصادي بحت فحسب، وانما جانب تربوي مهم. فالتصميم لا يوصف بانه ناجح لمجرد تحقيقه مستلزمات الوظائف المنوطة به، بل لا بد له من ان يساهم في تحقيق جو خاص يساعد على تلقي العلم. إن البيئة الصالحة للتعلم تتظمن العديد من الخصائص التي ينبغي أن يشتمل عليها التصميم. فالمباني المدرسية الناجحة تلك التي تستطيع بادئ ذي بدء ان تحفز المعلميـن والمتعلميـن لكي يستجيبوا للمتطلبات التربوية ويتفاعلوا معها. فالوحدات التربوية التي تصمم بشكل جيد وتجهز بكفاءة عالية تساعد على عمل الافراد والجماعات كما هو حال المنهاج المدرسي والكتاب والمعلم. فالتصاميم الجيدة مثلا لها امكانية للتعديل والموائمة مع المتطلبات المستحدثة بعد تنفيذها، حيث يمكن للمدرسة ان تقبل الزيادة في عدد الصفوف عند الحاجة او اضافة الوحدات التربوية المطلوبة،كما فيها امكانية للتغيرات الداخلية عن طريق المرونة التي تساعد على تقبل اي فكرة تربوية ونشاط تعليمي جديد مع التأكيد على الجانب الوظيفي للمبنى وليس الجانب الجمالي وحده. ان تحقيق ذلك يتم عن طريق معايير فنية وهندسية مقننة. فالتصميم المعماري يلعب دورا مهما في تهيئة الضروف الجيدة من حيث المكان وتنظيمه، وذلك من اجل ان يشعر التلميذ براحة تامة في المبنى. في تلك الضروف فقط يمكن ان تصل العلوم بشكل سليم إلى المتعلمين. ان المدرسة التي تبنى للقرن الواحد والعشرين لم تعد تلك المدرسة التقليدية في تصميمها وفي تنظيمها وفيما تقدمه من خدمات للمجتمع. لقد اصبحت مبنى متعدد الوظائف. لقد تطور المبنى المدرسي بشكل سريع في اتجاه الاستخدامات المتعددة. ان العمارة المتقدمة في مجال الابنية المدرسية والتي توفر الفضاء الرحب والمناخ الجيد للحياة الاجتماعية والفنية داخل المدرسة تعتبر الأستثمار الناجح لاي دولة في مستقبلها عبر اعدادها جيدا لناشئه البلاد، وهو خير استثمار على الاطلاق. من الواضح ان الاستخدام الناجع للموارد رهن بما ندخله من تجديدات على جوانب البناء المدرسي ويتضح ذلك على وجه الخصوص عندما تمس الحاجة إلى إصلاح جذري في النظام التعليمي. فالنزعة الحالية مثلا لصالح تعليم منوع يعطي في مدرسة واحدة، ويتطلب تجديدات عميقة، سواء من حيث التوازن الكمي ام من حيث طابع الاماكن التربوية المختلفة. فالعالم المتقدم في عملية دائمة تقوم على التغير والتطوير في جميع المجالات التربوية، وليس هناك حساسية ما ضد مصدرها. ان بعض الدول العربية لا ترغب باجراء أي تغير في سياستها التربوية ومناهجها التعليمية بحجة "احترام الخصوصية الثقافية والحضارية للشعوب".
ان التغير الذي طال المجتمع خاصة في مجال التربية والتعليم وكذلك التطور الكبير في التكنولوجيا أثرت بشكل كبير على الجانب النوعي والكمي في البناء المدرسي كذلك تركت بصماته السريعة عليه.
ان المشاكل المطروحة في العالم العربي وكذلك ما يطالبها العالم لحلها لا زلت نفسها منذ اكثر من عقد من الزمان عندما اعد كاتب هذا المقال بوصفه خبيرا لمنظمة اليونسكو في احدى الدول الخليجية برنامجا متكاملا لتأسيس مركز بحوث متخصص في مجال الابنية التعليمية لدول الخليج العربية على اساس ان المباني التعليمية هي القاسم المشترك في انجاح العملية التعليمية. دعمت المشروع وزارة التربية في الدولة المظيفة للخبير وقدمته إلى اجتماع وزارء التربية في دول الخليج عن طريق مكتب التربية لدول الخليج العربي. وقد طلب في حينها من منظمة اليونسكو تقييم المشروع ومدى اهميته. وجاء تقرير المنظمة مؤكدا على اهمية المشروع وحاجة دول المنطقة اليه. وبعد هذه السنوات لازالت الحاجة إلى تحقيق هذا المشروع لدول المنطقة، في ايجاد مباني تعليمية رياض الاطفال، مدارس ابتدائية،متوسطة، ثانوية ومدارس مهنية مختلفة، تتفق مع المتطلبات التربوية العصرية والمستقبليه، في توحيد المواصفات ووضع نماذج تلائم البيئة المحلية، وفي نفس الوقت تراعي التقدم الذي وصلت اليه العملية التعليمية بما تحتاجه من فضاءات متخصصة وتجهيزات وتاثيث بالإضافة إلى قيام " ثورة " نوعية في جميع مجالات العملية التعليمية، ابتداء من المنهاج، الكتاب المدرسي، المعلم....الخ. ففي جانب البنية التحتية فإنشاءات انواع متعددة ومختلفة من المباني التعليمية تحتاج إلى تعاون مجموعة متخصصة من المهندسين في اختصاصات متعددة بالاضافة إلى خبراء تربوين عاملين على تطوير النظام التربوي والعملية التعليمية تظمهم مراكز بحثية. ان هناك امم ودول استطاعت ان تحقق اهدافها التربوية بنجاح متفقة مع اهدافها عن طريق المراكز المتخصصة، ومثلها توجد في الولايات المتحدة وكندا، في المانيا الاتحادية وفرنسا، في روسيا الاتحادية والسويد وفي دول اخرى كثيرة منها إسرائيل.
ان نظم التربية وحاجاتها واساليب التعليم لا يمكن ان تحل من قبل فرد واحد اواثنين في دائرة ما وانما تحل عن طريق فريق عمل من تخصصات مختلفة يمكن ان يحققها مراكز بحثية متخصصة لا زالت الحاجة اليها ملحة. ان الطريق لاحداث التغير الصحيح والخروج من دوامة الإرهاب وتسلط الإرهابين لا زال طويلا، لكن من خطواته ايضا تحديث النظام التربوي والكتاب والمنهاج وتهيئة المعلم والمبنى المدرسي....الخ


مستشار وخبير سابق لدي اليونسكو في مجال الابنية التعليمية
[email protected]