كثـُرت المصائب التي تتساقط على رؤوسنا( عربا ومسلمين) من كل حدب وصوب وكأنه لا يوجد في العالم غـيرنا لتتلقى رؤوسهم مثل هـذه المصائب. وفي السابق كنا نخبئ .... ونتسـتر على ... ونتهرب من ... ونغالط في كل مصيبة تـلِمُ بنا، وإذا ظهرتللعيان غـصباً عــنا وافتضح امرنا فسرعان ما أنزلنا شماعة، الاستعمار والصهيونية و الشيوعـية وعـلقنا عليها الأمر وكأن شيئا لم يكن، وكفى الله المؤمنين القتال. وبذلك صرنا (ملطشة) لكل من هب ودب وصرنا حمالين مصائب وحتى مصائب الآخرين صارت بالنسبة لنا مصائب أكبر بدل أن تكون فوائد. أما الآن فقد أصبح كل شئ في الفضاء وليس بإمكاننا التستر على شئ أو الهروب منه وأيضا انكسرت احدى شماعاتنا،أي الشيوعية، لذلك صار لابد من قليل من التغيير، لذا ظهرت لنا فضائيات أصبحنا من خلالها نعـرف أن هـناك رأيين أو أكثر في كل شئ بعـد ان كنا ولسنين طويلة لا نعرف أن على الأرض شيئاً له وجهان . وهكذا ظهر فجأة إنه يوجـد لدينا مفكرون ومحللون ومتخصصون في كل الشئون والأمور،وكلما تدير المؤشر بين الفضائيات تجد (الخناقة) على اشدها، وكونها خنا قات لا يهم كثيرا، فنحن مازلنا في البداية، ومجرد الانتقال من معارك السيوف، والسكاكين، والعِصي إلى معارك اللسان يُعـتبر تقدما سوف ينمو مع الزمن،و بالتكرار والتجربة ليتحول إلى جد ل عقلاني و منطقي، ذلك عندما نصل إلى فهم ( ان من يجلس أمامي شخص يختلف معي في الرأي ويستخــدم عـقله ولسانه وليس عـدواً يحمل هـراوة أو يخبئ خنجرا)، وعـندما نخرج من نفق، (يا أنا يا أنت) ونعـرف حـقيقة إن الأرض يمكن ان تسعـنا الاثنين معا . وأيضا إذا لم نـفهم أي شئ بعـد متابعة إحدى هذه (الخناقات) فهذا غير مهم الآن إذ انه أمامنا طريق طويل لنتـعلم كيف نتحدث، وكيف نسمع لِنفهم ثم نرُد.
ما لفت نظري في هــذا الخضم ان كل الناس صاروا مفكرين وخبراء ومحللين واكتشفت أنني أنا الوحيد الذي لم يصبح مفكراً، أو خبيراً في شئ أو محللاً لشيء، أو مستشاراً لدى أحد، وطبعا هذا الوضع لا يرضيني (اشمعنى أنا يعني) وعليه رأيت ان لا اخرج من هذه الزفة بلا مولد، ( لأن الحمص وحده لا يكفيني ولايلحقني بالركب)، وعليه قررت أن انصب نفسي كما يلي:ـ
ــ مفكرا (وهذا يشـمـل كله).
ــ خبيراً استراتيجياً (في كل المعارك التي دارت والتي سوف تدور بما في ذلك داحس والغبراء).
ــ محللاً سياسياً واقتصادياً ورياضياً.
وبالنسبة للسياسة فأنني متخصص في شئون الشرق الأوسط وفلسطين والشرق الأقصى وأفغانستان وايرلندة والفليبين والاتحاد السوفيتي وما نتج عنه من تقاسيم وما قد ينتج لاحقا، والقرن الأفريقي (وتحوطا القرن الأوروبي والأمريكي والآسيوي والأسترالي ـ لانه قد تكون لهـذه البلاد قرون وأنا مـش عارف ـ أو قد تـنمو لها قرون في المستقبل لذا وجب التحوط.)
أما بالنسبة للرياضة فان اهتماماتي التحليلية تقـتـصر فـقط على الاتحاد الدولي والأفريقي والآسيوي وكاس العالم والدورة الأولمبية (صيفاً، وشتاءً) والدوري الأوروبي والجنوب أمريكي وبطولة آسيا وأفريقيا وكاس الخليج واخيرا اوقيانيا، والتي لا اعرف حتـى اللحظة ما إذا كانت قارة أم نادياً أو منتخباً ولكن هذا لا يهم لأن مصيري أن اعرف وخاصة كأس العالم على الأبواب وسوف ينـكشـف امرها.
وبناءً على ما سبق أهيب بكل القنوات، فضائية كانت أم أرضية بما في ذلك قناة السويس وبنما ولا مانع من استاكيوس، وأيضا الجرائد اليومية والأسبوعـية والحائطية بأن لا تستضيف أي خبير أو محلل أو مفكر غـيري في الشئون آنفة الذكر .وعلى كل قناة تود الاستفادة من خبرتي أن تـتقـدم بطلبها قبل البرنامج بوقت كافٍ لا يقل عن 3 سنوات وإلا فاتـتها الفرصة. وقبل أن أودعكم فاجأني مراسل إحدى الفضائيات بالسؤال التالي(ما رأيك في مشكلة أفغانستان ؟)
ولأنني مفكر وخبير ومحلل فيجب أن تكون إجابتي على مسـتوى الخبراء، لذلك تأملت قليلا وتنحنحت ثم أجبت قائلا:ـ
في الحـقيقة إن الملابسات التي إندغـمت في هـذا الموضوع تنبئ بانعكاسات لا يخلو منها الرمز المتجذِر في بحر تلك الظلمات (كحة،كحتين ـ عفوا)، ولا من بعـده تحريك عجلة البيروقراطية في هذا السياق منعكسا على إيديولوجية الواقع، ومترجماً ذلك بشـكل يوحي بالإفراط في التجاوب مع تلك المنطلقات التي قـد تظهـر أحيانا وكأنها عائدة على الواقع بخفي حـنين( جرعتين ماء،عفوا) . وإذا القينا النظر بعد التأمل المتواصل على نفس السياق نجد إننا في مواجهة إنكشـافية قــد تتمحور على الواقع المتأصل تراجيدياً من حيث كونه إنكفاءة سيسيولوجية تمخض عنها ابتلاع جزء من الحقيقة. وفي الآخر لا يفوتني أن أشير إلى أن تصادمات واقع الحياة المنبثقة منه تلك الحجج قد كان يتفاعل مع إنبلاجات التمحور الذي إنعكس سلباً في تورا بورا.
لم يكتفي ذلك المراسل بهذه الإجابة الشافية الوافية على سؤاله، بل سألني عن معنى تورابورا،وهذا كشف لي جهل ذلك المراسل،وعدم إلمامه بالمعلومات الكافية عن الموضوعات التي يريد طرحها، فكيف لمن يتحدث عـن أفغانستان أن لا يعرف تورابورا . ولكنني على كل حال تغاضيت عــن هذا الجهل من جانب ذلك المذيع . و أجبته على سؤاله، وقلت له:ـ تور هو خطيب البقرة، وبورا يعني احلبوه، والله أعلم.

(1)ش عارف هـو مـين (2) الظاهر والله أعلم واحد من جماعة طالبان

الرياض