قال لى: قرأت حديثا كتابا عن أنشطة المخابرات فى العالم.
قلت له: وماذا وجدت فيه، لابد وأن يكون كتابا مثيرا جدا.
قال: بالفعل، ومن أكثر الأشياء التى أثارت أنتباهى، هى أن بعض المسلمين والعرب يعتقدون بأن المخابرات المركزية الأمريكية والموساد كانا وراء طرد العرب من بلاد الأندلس!!
قلت: هذا غير معقول لقد طرد آخر العرب من الأندلس عام 1502 ميلادية وذلك بعد هزيمتهم فى غرناطة عام 1492، والولايات المتحدة تأسست بعد ذلك بمئات السنين وبالتحديد فى 4 يوليوعام 1776 بعد استقلالها عن إنجلترا، وإسرائيل تأسست فى مايوعام 1948 بموجب قرارالأمم المتحدة لتقسيم فلسطين.
قال: الحقائق التاريخية لا تهم، المهم هو أن التآمر على العرب والمسلمين قديم قدم التاريخ.


...................

رغم أنى من أكثر الرافضين لنظرية المؤامرة، إلا أننى معجب بها أشد الأعجاب لأنها فى تقديرى نظرية عبقرية لأن فيها تشخيص المشكلة والسبب التآمرى والحل القدرى الآلهى، فالمشكلة سببها الآخرون والحل بيد الله سبحانه وتعالى.

ونظرا لأن العرب عبر القرون الماضية لم يحكموا أنفسهم بأنفسهم، فقد دأبوا على إتهام محتليهم بأنهم وراء كل المصائب التى يتعرضون لها، ولم يحدث أن تخلص العرب من الحكم الأجنبى بدون مساعدة خارجية، فعلى سبيل المثال تخلصت مصر من حكم الفرس بمساعدة الأغريق، وتخلصت من حكم الأغريق بمساعدة الرومان، وتخلصت من حكم الرومان بمساعدة المسلمين، وقد تخلصت من حكم المماليك بمساعدة الفرنسيين، وتخلصت من حكم الفرنسيين بمساعدة الأنجليز، وتخلصت من حكم العثمانيين والأتراك بمساعدة الأنجليز، وتخلصت من حكم الأنجليز بمساعدة الأمريكان بعد نهاية الأمبراطورية البريطانية فى أعقاب ظهور القوى العالمية الجديدة (الولايات المتحدة والأتحاد السوفيتى).

وأيام الأستعمار البريطانى لمصر، كانت الموضة هى إتهام الأنجليز والمتعاونون معهم (عملاء الأنجليز) ومخابراتهم بأنهم السبب وراء كل مصيبة، إغتيال الزعماء الوطنيين وراءه الأنجليز، هزيمة 1948 وراءها الأسلحة الفاسدة التى باعها الأنجليز للجيوش العربية، هدنة 1948 كانت مؤامرة إنجليزية هدفها منح الفرصة للعصابات الصهيوينة لتجميع قواها، إنشاء دولة أسرائيل وراءه الأنجليز، سقوط أتوبيس بركابه فى النيل مؤامرة أنجليزية، تصادم قطارين على خط السكك الحديدية بالصعيد وراءه الأنجليز.

وبعد إنسحاب الأنجليز والفرنسيين والأيطاليين تماما من مصر والعالم العربى، وقع العرب فى حيص بيص، على من يلقون التهم التآمرية الآن، ووجدوا فى أسرائيل ومخابراتها الموساد ووراءها أمريكا والأمبريالية العالمية الحل، فهزيمة 1967 كانت مؤامرة أسرائيلية أمريكية وسوفيتية (على أساس أن السوفييت طلبوا من عبد الناصر عدم البدء بالهجوم)، ولم يحدث قط أن أعترف العرب بأن هزيمتهم كانت نتيجة لضعفهم وعدم كفاءة قواتهم ونتيجة لقوة وحسن إعداد قوات الأعداء، لم يحدث هذا أبدا ولم أقرأه فى أى كتاب تاريخ عربى، حتى أن هزيمة الأسطول المصرى فى موقعة (نافارين) البحرية أيام محمد على كانت نتيجة تآمر أنجلترا وفرنسا على مصر، ولم تكن نتيجة أن الأساطيل الأوروبية كانت أقوى من الأسطول المصرى.

حتى الهزائم فى كرة القدم لم تسلم من نظرية المؤامرة، فاذا حدثت هزيمة فهى إما بسبب تآمر الحكم الأجنبى أو سوء
حالة الملعب أوسوء الأحوال الجوية أو إهمال المدرب الأجنبى، وفى حالات نادرة يتم الإعتراف بالسبب الحقيقى للهزيمة وهو ضعف أداء اللاعبين أوقوة الفريق المنافس أو الأثنين معا.

.............


ونلاحظ أن أصحاب نظرية المؤامرة دائما يتهمون قوى عظمى بالتآمر عليهم، فلم نسمع أبدا أن المخابرات المركزية لدولة (بوركينا فاسو) كانت وراء الأعمال الإرهابية التى وقعت مؤخرا بالرياض، ولم نسمع أن المباحث الفيدرالية (الموزمبيقية) كانت وراء إغتيال عالم ذرة عربى فى باريس. لكى يكون التآمر من العيار الثقيل يجب أن تكون جهة التآمر هى (أجعص) دولة فى العالم، فكما قلت قديما كان الإتهام التآمرى ينصب على بريطانيا كدولة عظمى، وبعد أن أنتهى دور بريطانيا كدولة عظمى، لا بد أن تكون أمريكا هى المتآمرة، وبالرغم من أن كل أصحاب العقول العادية أو حتى العقول نص نص، يعرفون تماما التفوق العسكرى الإسرائيلى فى المنطقة، إلا أن أصحاب اللاعقول أو العقول ربع ربع يؤمنون بأن إسرائيل ما كان لها أن تتفوق وتتآمر وحدها بدون مساعدة أمريكا،:" آه بس لو أمريكا تسيبنا على إسرائيل كنا قطعناها حتت". ويذكروننى بالمهزوم فى خناقة وأصبح واقعاعلى الأرض وفوقه خصمه يكيل له الضربات، ورغم ذلك يستمر فى الصياح :"شيلوه من فوقى لأموته!!".
......
وكما ترون فإن أصحاب نظرية المؤامرة قد شخصوا المشاكل : التخلف، الهزائم، الفشل، البطالة، الفساد، إنعدام الحرية والديموقراطية. والسبب كما يرونه معروف : أمريكا وربيبتها أسرائيل يتآمرون على العرب والمسلمين لضمان إستمرار الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة. وطبعا عندما تسألهم : طيب يا جماعة أليس من الأجدر بالنسبة للأمريكان أن يتآمروا على دول تشكل خطورة عسكرية أو إقتصادية عليهم، مثل اليابان وألمانيا وفرنسا والصين وروسيا، بدلا من تآمرهم على الدول العربية الغلبانة والتى لو جمعتها (جمعاء) فهى لا تقوى على تصنيع (بسكليتة)، ولكن بما أن العقل (غائب فى الطراوة)، فلا تجد إجابة.

ولكى تكتمل نظرية المؤامرة عبقريتها بعد تشخيص المشكلة وأسبابها، يبقى الحل: ما هو الحل؟، الحل هو : أن ربنا على المفترى وولاد الحرام، وربنا سوف يرسل عليهم صواعق وزلازل تخسف بهم الأرض، أما نحن : فبرضه (ربنا) يتولانا برحمته!!

أترون العبقرية، يجلس (الجنرال) عبد السميع اللميع على مقهى النشاط يلعب عشرة طاولة، ويطرقع القشاط بعد أن يمسك صديقه (الجنرال) عباس أبو شفة فى خانة اليك، ويشد نفسين شيشة تفاح ويقول:
إنت عارف مين وراء سقوط بغداد، دى مؤامرة صهيونية أمريكية لإذلال العرب، ربنا ياخدهم عن آخرهم، وربنا يتولانا برحمته... أنت فاكر حتطلع من (خانة اليك)، دى نجوم السما أقرب لك.
ويرد عليه (الجنرال) عباس أبو شفة : أنا أتهيأ لى إنك مسكتنى فى (خانة اليك) بسبب تآمر المخابرات المركزية الأمريكية علىّ، لكن ربنا معايا، ومسيرى أغلبك، هات لنا باكو معسل تفاح تانى ياواد يا بلية، إلعب ياغشيم !!

[email protected]