هذه هي الحكومة التي طالما حلمت بها، أو مقدمة واعدة للحكومة التي طالما حلمت بها، حكومة جيل جمال مبارك، _الذي سبق لي ورشحته ولازلت مصراً على ترشيحه للرئاسة مع احترامي الجم للرئيس محمد حسني مبارك الذي دخل تاريخ مصر كثالث وأفضل وآخر الفراعنة بعد السادات وعبد الناصر _ حكومة خريجي كليات الهندسة، الحكومة التي ستنقل مصر ـ وعليها أن تنقل مصر ـ من عصر الثورة الزراعية الأولي، إلى عصر الثورة الصناعية الثالثة، ثورة الاتصالات ومجتمع المعلومات الذي لا حظ فيه مطلقاً لأمة يفوق عدد الأميين فيها 10% أن تدخل إليه، أما في مصر فعدد الأميين هم على الأقل نصف الشعب، وعدد خريجي تعليمنا المتخلف والظلامي الهائف 90% منهم على الأقل أميون، أفضل عندما أستمع إليهم لو أنهم لم يدخلوا المدرسة قط على الأقل لحتفظوا بسذاجته الفلاح وطيبته، أما بالتعليم الظلامي الذي غزاه الإخوان المسلمون من الداخل فقد فقدوا الطيبة وتضاعفت سذاجتهم الدينية والدنيوية أضعافاً مضاعفة، أمام حكومة جيل جمال مبارك مهام جليلة لا يكاد يحيط بها الإحصاء، ما أري له الأولوية هو تسريع تحديث الإقتصاد بتوسيع القطاع الخاص المنتج على حساب القطاعين الخاص والعام: الخاص الطفيلي، الذي يكاد يتخصص في تهريب ثروة مصر إلى خارج الحدود، والقطاع العام، الكسول والمبذر والفاسد الذي يضع إنتاجية العمل في آخر أولوياته والتكالب على الأجور والعلاوات في أول أولوياته . فمصر تنهض بنهوض إقتصادها وتركد بركوده، فحي على العمل، حي على العمل، وحي على نظافة اليد، ووالله لقد تفائلت خيراً باسم رئيس الوزراء الجديد "النظيف" ورفعت يدي إلى السماء قائلاً :يارب أجعله اسم على مسمي، واجعل وزارته مثله، ومدراء حكومته مثله، ومحافظي حكومته مثله، وكل موظفي مصر مثله، لنخلص حبيبتنا "مصر" من سرطان الفساد والرشوة، اللذان تغلغلا في زوايا إدارتها وخباياها ... اللهم إنك قريب سميع مجيب للدعاء.
أما المهمة الثانية فهي نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني التي ساهم في صنعها بقوة الإخوان المسلمين .الذين ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين كما قال عنهم مؤسسهم حسن البنا. فكيف يمكن إتقاء شر هذه القنبلة التي لا يقل خطرها عن تفجير السد العالي بقنبلة معادية لا قدر الله ولا أراد؟ بتجنيد المدرسة والإعلام الكتوب، وخاصة السمعي البصري، ورجال الدين المتنورين وفي طليعتهم فضيلة الإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، ليغيروا الذهنية العتيقة المتحكمة في الوعي الإسلامي المصري والتي يلخصها حديث "تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" ناسين أو متناسين أن رسول الله (ص) قالها عندما كان عدد المسلمين لا يزيد عن 35 ألف مسلم، أما لو عاد اليوم ووجد أن عددهم مليار و300 مليون أكثر من نصفهم جياع وأميون ... ووزنهم الاقتصادي والعلمي والعسكري بالقياس إلى وزن باقي سكان العالم في هذه المجالات هو وزن الريشة لقال عليه السلام: تناكحوا طبعاً ولكن تناسلوا قليلاً جداً (طفل لكل أسرة) فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة، إذا تناسلتم أقل وأنتجتم أكثر وتعلمتم أكثر وتقدمتم إلى الحداثة أكثر وتخلقتكم بأخلاق عصركم
_ أخلاق حقوق الإنسان _ أكثر وحررتم المرأة أكثر، واحترمتم الطفل أكثر، وتسامحتم أكثر، وابتعدتم عن المتأسلمين والإرهابيين أكثر، واندمجتم في عصركم أكثر فأكثر، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة.
والأولوية الثالثة، هي ما أسماها أستاذنا العفيف الأخصر "تنشيط غرائز الحياة" بالإعلام والتعليم. ألم يقل اسبنيوزا "أقل ما يفكر فيه الحر هو الموت، وحكمة الإنسان الحر هي التأمل لا في الموت بل في الحياة". وكم سعدت عندما سمعت هذا الصباح أن الفنان الوزير _ وهو فنان مصري ارتقي إلى العالمية قبل أن يكون وزيراً _ بقي في وزارة الثقافة التي كانت المنبر الوحيد تقريباً الذي يتصدي لبرنامج الإخوان المسلمين الظلامي المجاهد في الموت حق جهاده لتحويل مصر الضاحكة على مر العصور إلى مقبرة كبيرة لا يسمع فيها إلا عويل المآتم ونعيق البوم، وأصوات الرصاص وأنين جرحي الإرهاب الأسلاموي وحشرجة ضحاياه. على حكومة جيل جمال مبارك بالعكس منهم ، أن تعمل ليل نهار لإعادة البسمة إلى فم أمنا مصر، وتحويل لياليها إلى عرس دائم، لا تسمع فيه إلا الأصوات التي صنعتها عبقرية النيل، ولا تشاهد في تلفزيوناتها إلا المسلسلات الباسمة، ولا تسمع في إذاعتها إلا الأصوات الجميلة. فالسلاح الضارب لضرب "نداهة" الموت الإسلاموية التي تنادي ضحاياها من المملكة المغربية كما يقول صديقي المفكر المغربي عبد الكريم الأمراني إلى مصر والحجاز ... هو تشجيع وتنشيط وتعميم كل ما يشجع غرائز الحياة التي وهبها لنا الباري جل وعلا بقوله تعالي"ولا تنس نصيبك من الدنيا"، ألم يشاهد رسولنا الكريم مع أم المؤمنين عائشة فرحاً استخدمت فيه آلات الطرب المعروفة في عهده ومنها الدف؟.
المهمة الرابعة _ وقد تكون في الحقيقة الأولي _ هي إعادة هيكلة التعليم المصري الحكومي والأزهري هيكلة شاملة تنقله من النقيض إلى النقيض ، أي من ظلام القرون الوسطي إلى أنوار القرن الحادي والعشرين، ليصبح مصنعاً لتخريج الفكر النقدي والعقل العلمي والإيمان المستنير، وتنشيط غرائز الحياة التي يسعي المتخونجون إلى وأدها. الخطوة الأولي في مسيرة الألف ميل هي إدخال مادة حقوق الإنسان إلى جميع فروع التعليم الثانوي، وكذلك إدخال مادة حماية البيئة، ومادة تنظيم النسل _ كما فعلت تونس منذ عشر سنوات _، وأفضل طريقة لإصلاح التعليم هي طرد المعلمين والمدرسين التابعين للإخوان المسلمين الذين لا يطيقون حتى بعض النقاط الجيدة في مناهج التعليم الهائف الحالي، قال لي د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة في جامعة حلوان، أن بنت أخيه تدرس في مدرسة ثانوية، وأستاذة الفلسفة (!!!!!!!!) في هذه المدرسة تقول لتلميذات الفصل بمجرد أن تدخل عليهم كتحية صباح:" المسيحيات سيذهبن إلى جهنم، والمسلمات السافرات سيبدأ الله بتعذيبهن من بتعليقهن من شعورهن"، وأطلب من جميع أعضاء الحكومة الجديدة أن يقرأوا كتاب مؤرخ مصر الحديثة د. رفعت السعيد"الإرهاب: إسلام أم تأسلم" ليقفوا على نماذج من إرهاب "الإخوان" لا تقل رعباً في هذا الكتاب. أمام العضو الذي دب فيه العفن في الصميم، فالحل هو البتر ، وإلا تعفن الجسم كله.
والخطوة الثانية، في نقل مناهجنا من العصر القروسطي إلى أنوار القرن الحادي والعشرين، هي تحديث وترشيد التعليم الديني الأزهري الذي يوصي تلامذة الثانويات الأزهرية مثلاُ :" بقتل تارك الصلاة كسلاً" أي ملايين المصريين، و"إعفاء الزوج من تقديم كفن لزوجته لأن _ يا للبشاعة _ عقد الإستمتاع بها قد انتهي بعد موتها"، يا سلام على العلاقات الروحانية بين الزوجين التي يتباهى بها المتفيقهون ! يا إلهي، لماذا لا يدرس تلامذتنا وطلبتنا كتب أعلام التنوير المصري ، أمثال محمد عبده، وجمال البنا؟ ولماذا لا ندرس لهم كتاب "حقيقة الحجاب وحجية الحديث" للمفكر الإسلامي المستنير،المستشار محمد سعيد العشماوي؟وكذلك كتب د. سيد القنمي، وكتب خليل عبد الكريم التي منعناها بدلاً من تدريسها؟ ولماذا لا يدرس تلامذة الثانوي في مصر كلها كتاب د. رفعت السعيد "المتأسمون ماذا فعلوا بالإسلام وبنا"؟ الحكومة السابقة كانت تسجن الإخوان المسلمين لتجلب لهم تعاطف قطاعاً كبيراً من الشارع المصري، وكان أحرى بها أن تتركهم طلقاء، وتدرس مثل هذه الكتب التي هي العلاج الشافي لسرطان فكرهم التخريبي، فهل ستتدارك حكومة جيل جمال مبارك هذا الخطأ الفادح؟.
نموذج تحديث تعليمنا المصري الهائف هو المناهج التعليمية التونسية التنويريه دينياً، والمعاصرة لعصرها في جميع ميادين المعرفة الأخرى. إقرأوا أيها السادة الوزراء مداخلة العفيف الأخضر في مئتمر بيروت الذي كان عنوانه "الحداثة والحداثة العربية" الذي عقدته "المؤسسة العربية للتحديث الفكري" والتي يرأسها د. نصر حامد أبو زيد، الذي اضطره المتأسلمون للهجرة من بلده نجاة بجلده، وعنوانها "من المدرسة السلفية إلى المدرسة العقلانية"، وهي منشورة في إيلاف، والشفاف(بالعربي والإنجليزي) والحوار المتمدن ... في الحقيقة تونس تقدم لنا أسوة حسنة فعلينا أن نرسل الإخصائيين لدراسة تجربتها في كل المجالات بما في ذلك السياحة التي هي صناعة القرن الحادي والعشرين. وقوانين الأحوال الشخصية، التي برهنت خلال نصف قرن على نجاعتها الكاملة في نزع فتيل فنبلة الإنفجار السكاني، ونقل المرأة التونسية من الرق الذي فرضه عليها فقه القرون الوسطي ، إلى الحرية التي وهبتها لها حقوق الإنسان. فها هي المملكة المغربية قلدتها السنة الماضية وأصدرت قوانين أحوال شخصيه حديثة. فكيف تبقى مصر التي أنجبت قاسم أمين وهدي شعراوي ومحمد عبده، متخلفة ؟ وإلى متي ستبقي مصر متخلفة لا عن تونس وحسب بل وأيضاً عن المملكة المغربية؟!.
الأولية الخامسة، هو أن تبادر حكومة جيل جمال مبارك الانتقالية إلى تطبيق شعار سلفنا العظيم وابن الأزهر المستنير وقائد ثورة 1919 سعد زغلول الذي قال "الدين لله والوطن للجميع"، هذه المقولة التي ظلت حبراً على ورق منذ أن قالها أي منذ 85 عاماً. تطبيقه يعني إقرار حق المواطنة الكاملة بيم جميع المصريين أقباطاً ومسلمين ، وذلك يتطلب أولاُ إلغاء "خانة" الدين من "البطاقة الشخصية" حتى عندما يقرأها المصري لا تذكره بإنتماءه الطائفي، بل فقط تذكره بإنتمائه لأمنا مصر. فكيف تبقي مصر في القرن الحادي والعشرين دولة طائفية تعرف مواطنيها بإنتمائهم الديني الطائفي، بدلاً من تعريفهم بانتمائهم إلى وطننا الكبير مصر؟!.
الأولوية السادسة والأخيرة، أتوجه بها إلى المعارضة المصرية، لأقول لهم إن انتخاباتاً ديمقراطية ميه في الميه، هي أكبر طعنة نجلاء توجهونها إلى سويداء قلب الديمقراطية، لأن الفائز فيها سيكون على الأرجح هتلر مصر "محمد مهدي عاكف" رئيس الإخوان المسلمين، فلا تنسوا يا سادة _ أماتنا الله وإياكم على الشهادة _ أن هتلر الألماني نجح في انتخابات ديمقراطية ميه في الميه، فالأولوية الآن ليست الديمقراطية، بل الحداثة والتنوير وثورة الاتصالات ومجتمع المعلومات، لقطع الطريق على أعداء الديمقراطية ومكفريها، وأعداء المرأة ، وحقوق الإنسان، مغتالي فرج فوده ونجيب محفوظ. والسلام على من استمع القول فاتبع أحسنه.
[email protected]