عقدت الجمعية الدولية للدراسات القبطية "المؤتمرالدولي الثامن للدراسات القبطية" في باريس، في الفترة بين 28 يونيو إلى 3 يوليو. وهذا المؤتمر، الذي عُقدت أولى جلساتِه في مصر سنة 1976، يتداول كل أربع سنوات في أحدى مدن العالم. وقد استقر رأي أعضاء الجمعية على قبول دعوة الكنيسة القبطية بعقد المؤتمر القادم سنة 2008 في القاهرة.....
حضر جلسات المؤتمر حوالي 350 من المتخصصين والباحثين والدارسين في القبطيات؛ وحفنة من القبط المهتمين بها، غالبا بدافع حب الاستطلاع والاندهاش من هذا الاهتمام العالمي بحضارة أجدادهم.

اشتمل المؤتمر على تقديم 22 تقرير علمي و(حوالي) 135 ورقة بحثية، باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية، غطت ميادين: الآثار، وتاريخ الفن، والنسيج، والرهبانية، واللغة، والأدب، والليتورجية، والدراسات الغنوسطية والمانوية، والحياة المشتركة بين الأقباط والمسلمين، ومصادر التوثيق.
أقيم على هامش المؤتمر معرضٌ حول "المخطوطات القبطية" في المكتبة الوطنية بباريس، ومعرض بعنوان "مصر نسيج تاريخي" في معهد العالم العربي. كما أقام متحف اللوفر زيارة خاصة للضيوف تبعه حفل استقبال، واستضاف المركز الثقافي المصري معرض تصاوير قبطية من إعداد المعهد الفرنسي للآثار بالقاهرة. وأخيرا أجريت مراسم اختتام المؤتمر في حفل استقبال بقاعة احتفالات مجلس الشيوخ الفرنسي.

جاء الحاضرون والمشاركون في المؤتمر من دول ومؤسسات تشمل (ليس على سبيل الحصر الدقيق):
فرنسا: جامعة السوربون (باريس 1) - جامعة السوربون (باريس 4)- كوليج دو فرانس- متحف اللوفر- المركز القومي للبحوث العلمية- معهد الفنون والآثار- جامعة ليموج- جامعة ليل- المعهد القومي للتراث- جامعة بو- جامعة رين- جامعة ليون2 - جامعة بواتييه- المدرسة التطبيقية للدراسات العليا- جمعية دورية العالم القبطي- الجمعية الفرانكوفونية للقبطيات- المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة.

ألمانيا: جامعة يوهان جوتنبيرج- جامعة جوتنجين- جامعة هومبولت ببرلين- جامعة بون- معهد دراسات القبطيات والمصريات بمونستر- جامعة مارتن لوثر- أكاديمية برلين براندبورج- جامعة هايدلبيرج- أكاديمية ماينز- معهد المصريات بجامعة ليبزيج- جامعة كولن- جامعة أوبيرنج التطبيقية في كولن- متحف برلين- معهد الفن الإسلامي- جمعية دورية "كيميت" للقبطيات- دار هاراسوفيتس للنشر.

الولايات المتحدة: - جامعة ييل- جامعة برينستون- جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس- جامعة كولومبيا - جامعة نيو هامبشاير- جامعة بورتلاند- - جامعة تمبيل- جامعة إنديانا- جامعة هاواي - الجامعة الكاثوليكية في ميريلاند- جامعة نيبراسكا لنكولن- جامعة شيكاغو- جامعة متشجان- جامعة مينيسوتا- الجامعة الكاثوليكية بواشنطن العاصمة- معهد العصور القديمة بكليرمونت - كلية اللاهوت اليسوعية- متحف نيو أرك.

النمسا: جامعة فيينا- جامعة جورد أوجوست بجوتنجر- معهد دراسات القبطيات والمصريات بسالزبورج- المكتبة الوطنية للوثائق الشرقية- معهد البرديات بفيينا- معهد الآثار الكلاسيكية.
بولندا: جامعة فارسوفيا بوارسو- جامعة فيسنسكي بوارسو- جامعة بيالستوك- المتحف الوطني بوارسو- المتحف الوطني بكاراكو- معهد دراسات أثار البحر الأبيض.
هولندا: جامعة ليدن- جامعة خروننجن- الجامعة الحرة بأمستردام- الجامعة الحرة بأمستردام- مكتبة جامعة أمستردام.
بريطانيا: جامعة كامبردج- جامعة لندن- معهد يو سي إل للآثار بلندن- كلية الدراسات الشرقية.
بلجيكا: جامعة فريخ ببروكسيل- جامعة بروكسيل الحرة- جامعة جنت- المعهد الملكي للتراث الثقافي.
سويسرا: جامعة زيوريخ- جامعة فريبورج- جامعة جنيف- مؤسسة البحوث الأثرية في كولونيا.
إيطاليا: جامعة روما لا سابيينزا- جامعة تورينو.
أستراليا: جامعة ماكواري بسيدني- الجامعة الكاثوليكية بفيكتوريا.
إسرائيل: الجامعة العبرية بالقدس- جامعة تل أبيب.
روسيا: أكاديمية العلوم- متحف الإيرميتاج.
أسبانيا: جامعة ألكالا دي ميناريس.
فنلندا: جامعة هلسنكي.
السويد: جامعة أوبسالا.
الدنمارك: جامعة آرهوس.
النرويج: جامعة بيرجن.
جمهورية التشيك: معهد المصريات ببراج.
كندا: جامعة لافال كويبيك.
الكنيسة القبطية شاركت مباشرة، وخلال معهد الدراسات القبطية التابع لها. شاركت أيضا جمعيات خاصة للجراسات القبطية من بالقاهرة وأوروبا وأمريكا.
***
اهتمام مدهش أبدته مايزيد عن خمس وتسعين هيئة علمية، من عشرين دولة، بالحضارة القبطية؛ تلك الحضارة التي أصبحت دراساتها علما مستقلا عن المصريات وعن تاريخ المسيحية في الشرق الأدنى الخ. وفي وسط هذا الاهتمام يأتي التساؤل الطبيعي: أين مصر؟؟
كانت مصر الحاضر (بالكلام عن حضارتها وتاريخها) الغائب (بعدم المشاركة). وهي فضيحة بجلاجل. لكن، كالعادة، مصر لا تسمع مثل هذه الجلاجل: ربما بسبب شدة الضوضاء التي تبعث على الصمم في القاهرة.
شارك بضعة أفراد من مصر بصفتهم الشخصية؛ معظمهم بدعوة (أي على حساب) الهيئة المنظمة للمؤتمر. قدم د.عادل فريد من جامعة القاهرة فرع الفيوم ورقة حول "الكلمات القبطية والفرعونية في لغة التخاطب المعاصرة". وقدمت فاطمة محمود، وهي سيدة محجبة فاضلة من المتحف القبطي بالقاهرة، ورقة حول "الفخارين في العصور القديمة". كما قدمت شذى اسماعيل من كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان ورقة جميلة استحقت التصفيق، ولكنها كانت جديرة بمؤتمر حول تنشيط السياحة وليس حول الحضارة القبطية.
[هناك بعض نقط مضيئة، مثل تلك الورقة التي ألقاها الباحث الشاب والنابه تامر الليثي، من جامعة برنستون بأمريكا، وموضوعها: "متحولون ومرتدون وشهداء: القاهرة القبطية في القرن الرابع عشر"، حيث قدم صورة علمية أمينة عن أحوال القبط....]

الدولة في مصر، ممثلة في مؤسساتها الرسمية والعلمية والإعلامية، تجاهلت المؤتمر. وهذا ليس إلا انعكاسا طبيعيا ومنطقيا ومباشرا لإصرار الجميع على تجاهل دراسة تاريخ وحضارة مصر في الحقبة القبطية. وفي حالة الاهتمام بالأمر، إذا حدث، فهذا يتعلق أساسا بمحاولة اجتذاب دولارات ويوروهات وسائر عملات الخواجات.
كيف نفسر هذا التجاهل مع سبق الإصرار والترصد؟
في البداية يجب أن نستبعد تماما كل الأسباب التي قد تتمحك في نقص الموارد (المادية). فالمطلوب في هذا المجال لا يمكن أن يزيد عن ملاليم مقارنة بالمليارات التي تنفقها مصر (بسخاء غريب على دولة تعيش على المعونات الأجنبية) على الحج والعمرة (كلمتان من أصول فرعونية!) وبناءِ وإدارةِ المساجد والمعاهد الدينية، والإعلام الديني وقوافل الدعوة ووفود تحسين الصورة في العالم الخ.

هذه بعض الأسباب المحتملة:
1- نقص اهتمام قيادات الدولة. فمنذ سنوات قليلة برر عميدُ أحدى الكليات الجامعية استحالة افتتاح قسم للقبطيات، برغم المطالبات المتكررة من المهتمين بالأمر، لكونه أمرا يحتاج إلى "ضوء أخضر من جهات سيادية عليا" ... وبالطبع لم يأت مثل هذا الضوء! لكن الأمر أكثر من مجرد توجيهات عليا (وإن كان هذا بالقطع سيساعد!!) لأنه يتعلق بذاكرة الأمة وما يبدو من كونه رغبة دفينة واضحة في النسيان.

2- اعتبار الحضارة القبطية أمرا يخص الأقباط فقط (إلا، بالطبع، فيما يتعلق بتعيينات الموظفين بالمتحف القبطي التابع للدولة..)، وبالتالي تنطبق عليها قواعد التعصب البغيض بما لا يختلف عما نراه كل يوم في أمورٍ تبدأ من تصاريح بناء الكنائس والمدافن وتنتهي باستبعاد الأقباط من التعيين في هيئات تدريس الجامعات وغير ذلك من المؤسسات، سيادية كانت أم غير السيادية.
3- اعتبار الحضارة القبطية أمرا مرتبطا فقط بالعصر القبطي، الذي هو مجرد جزئية من "العصر اليوناني الروماني" ؛ وهو الذي يُنظر إليه، بدوره، كفترة "احتلال أجنبي" تقع مابين الحقب الفرعونية الكافرة (ولكنها مفيدة سياحيا) والحقب الإسلامية.

4- اعتبار أن العصر القبطي يتعلق باللغة القبطية ( لغة مصر القديمة في صورتها الأخيرة) والتي اغتيلت على يد أهل لغة الضاد، أو يتعلق بديانة اعتنقها المصريون لفترة قبل أن يشرق عليهم نور الإيمان؛ مع ما يرتبط بكل هذا من شعور بالنظر إلى ماحدث قبيل الإسلام كعورة ينبغي تحجيبها وتنقيبها وإخفاؤها، أو كنجاسة ينبغي تحاشيها؛ بالضبط مثلما يرفض شخص ما مصافحة آخر حتى لا يُنقض وضوؤه.

5- الخوف من أن الكلام عن حضارة قبطية قد يوقظ في نفوس الأقباط المعاصرين شعورا بالخصوصية لا يمكن أن تتحمله شوفينية العرب والمتعربين والمتعاربين والمستعربين. (راجع ما يحدث مع الأكراد والبربر وأهل دارفور الخ، وكلها أقليات مسلمة؛ فما بالك عندما يتعلق الأمر بغير المسلمين!).

6- الخوف من أن الكلام عن حضارة قبطية يمكن أن يوقظ في المصريين المعاصرين شعورا بمصريتهم التي فقدوها تحت ادعاءات العروبوية. (ناسين أن هناك ملايين دخلوا الإسلام، بطريقة أو بأخرى، من إيران إلى أندونيسيا، ومن تركيا إلى الهند، بدون حاجة لفقد هوياتهم ولغاتهم الوطنية). ويرتبط بهذا شعور دفين بالذنب، يدفع إلى الرغبة في تحاشي فحص هذا الركن من الذاكرة القومية، بسبب التشوه الذي حدث لشخصية مصر، بعد تلك الحقبة القبطية، عندما استبدلت لسانها وخلعت زيها لترتدي العقال.
الخ الخ.

قد يكون الأمر ناتجا عن أي، أو بعض، أو كل، ما ذكرناه من أسباب؛ وهي أسباب مترابطة على أي حال. لكنه، في رأيينا، شيء يستحيل فهمه تماما إلا أخذنا في الاعتبار فرضية علمية وطبية تستحق الدراسة: أن الأمم والدول، مثل الأفراد، يمكن أن تصاب بمرض "ألزهايمر".

[email protected]