-1-

كان من المقرر أن أنشر اليوم الجزء الثاني من بحثي عن وجوب الثورة الملكية في الأردن، إلا أن الحماس المفاجيء لدول مجلس التعاون للعراق الجديد قطع قول كل خطيب، وتصدّر الواجهة السياسية العربية.

هناك خبران هامان بشأن احتضان الخليجيين للمشكلة الأمنية العراقية.

الخبرالأول من السعودية التي تتصدر الآن دعوة تشكيل قوة اسلامية عسكرية من الدول الإسلامية العربية وغير العربية وغير المجاورة للعراق، لارسالها للعراق للحفاظ على الأمن هناك.

والخبر الثاني عن نية دول الخليج لارسال قوات من درع الجزيرة الخليجي للمساعدة في حفظ الأمن في العراق.

فلماذا كل هذا الاهتمام المفاجيء الآن بالشأن العراقي بعد أن جلس الخليجيون عاماُ كاملاً يتفرجون على ما يحصل في العراق دون حراك، وينتظرون أن تخرج نتيجة المعادلات الكيميائية السياسية العراقية، والتي كان من نتيجتها تعيين رئيس الجمهورية العراقية، ورئيس الوزراء والحكومة العراقية الجديدة المُمثلة لكافة أطياف الشعب العراقي؟

-2-

هناك أسباب كثيرة تدفع بالدول الخليجية الآن الي تبنّي ودعم ما رفضت الدول العربية الأخرى القيام به تجاه العراق، وعلى رأس ذلك ارسال قوات لحفظ الأمن هناك.

فما هي هذه الأسباب؟

- يعتبر العراق أقرب للخليج من أي بلد عربي آخر، جغرافياُ وسكانياً واجتماعياً. وعندما اشتد العصاب القومي العراقي الكاذب ببعض الحكام العراقيين، لم يجدوا بلداً يدّعون بأنه جزء تاريخي وجغرافي من العراق غير دولة خليجية هي الكويت.

- إن العراق يمثل امتداداً سكانياً للخليج حيث تمثل القبائل والعشائر العراقية امتداداً للقبائل والعشائر الخليجية عموماً. ولعل قبيلة شمّر التي منها رئيس الجمهورية العراقية الجديد غازي الياور خير مثال على جغرافية العشائر التي تغطي منطقة الخليج وجزءاً من سوريا والأردن.

- لقد أيقن الخليج بأن الاحتلال الأمريكي للعراق ليس احتلالاً ولكنه احلال كما سبق وشرحنا. والدليل على ذلك حماس "المحتل" لتقليد السيادة لأبناء العراق بأسرع وقت ممكن وهذا ليس من شيم الاحتلال المعروفة عبر تاريخ الاستعمار. وأن الحكومة الحالية هي حكومة شرعية تمثل مختلف أطياف الشعب العراقي، وأنها ذات سيادة، وتسعى لاستقرار الأمن في المنطقة.

- إن استتباب الأمن في العراق هو استتباب للأمن في الخليج كله. فالعراق هو مفتاح الخليج الأمني. ولقد ظل الخليج مهدداً بالقلاقل والاضطرابات وعدم الاستقرار يوم أن كان يحكم العراق طاغية أراد باثارته للقلاقل في الخليج أن يأمن شر جيشه، وأن يُبعد الجيش العراقي عن الانقلابات ضده، كما اعترف في الجلسة الأولى لمحاكمته في 7/7/2004.

- إن العراق يمثل امتداد الثروة النفطية الخليجية الهائلة. بل إن العراق هو العمق الاستراتيجي النفطي للخليج. وباقامة حكم وطني عادل وعاقل وديمقراطي في العراق يضمن الخليج أمنه النفطي الذي سبق وهدده صدام حسين، وكان من الأسباب الرئيسية لحرب الخليج 1991.

- إن غنى العراق بالموارد النفطية، يجعله شريكاً على قدم المساواة مع دول الخليج. وانضمام العراق مستقبلاً إلى مجلس تعاون دول الخليج لن يجعله عبئاً مالياً وبشرياً على الخليج كما الحال فيما لو انضم اليمن مثلاً إلى مجلس تعاون دول الخليج.

- إن غنى العراق بالموارد المالية (دجلة والفرات) يمكنه من أن يكون الساقية التي تروى عطش الأرض والبشر في الخليج. كما يمكن للعراق مستقبلاً أن يكون بستان فاكهة الخليج وسلة خبزه لكثرة مياهه واتساع رقعته الزراعية.

- ليس بين الشعب العراقي والشعب الخليجي ما هو بين الشعب العراقي وأي شعب عربي فقير آخر من ضغينة وحسد. فالشعب العراقي والشعب الخليجي لن ينظرا إلى بعضهما بعضاً نظرة الغني إلى الفقير، أو نظرة الأجير للسيد، كما كان حال اليمنيين في الخليج أو حال المصريين في العراق.

هذه أسباب، وهناك أسباب كثيرة غير هذه، تدعو الخليجيين إلى احتضان العراق بقلوب مفتوحة وعقول نيرة لكي لا يجنح العراق مرة أخرى إلى الديكتاتورية والعدوان وازهقاء مئات الآلاف من الأرواح، واهدار المليارات في حروب مجانية دونكيشوتية، تنشب بقرار شخصي من ديكتاتور حلم بها، وتنتهي بقرار آخر من الديكتاتور نفسه، بعد أن عافها وذاق مرارتها، ولم يجنِ منها غير إلهاء جيشه عن القيام بانقلاب ضده، نتيجة لما كان يمارسه من فساد وطغيان.

-3-

أيها الخليجيون: دافعوا عن العراق ضد الارهاب الذي تذقون منه الآن كؤوس المرارة . فالقضاء على الارهاب في العراق والخليج هو وحدة عمل واحدة، وكفاح واحد، ضد عدو واحد. ولن يتأتى ذلك إلا بوحدة الجهود المشتركة بين دول الخليج والعراق الجديد.

أيها الخليجيون: دافعوا عن العراق ضد خفافيش الظلام الذين يحاولون ايقاف مسيرة الحداثة السياسية في العراق وفي الخليج على السواء. وربما يُعجب بعض الناس من الحديث عن مسيرة الحداثة في الخليج والعراق .

فهل هناك مسيرة حداثة فعلية في العراق والخليج؟

الجواب، هو ما كان عليه حال العراق قبل التاسع من نيسان المجيد 2003 ، وما أصبح عليه الآن.

والجواب، هو ما كان عليه حال الخليج في السبعينات وما هو عليه الآن، رغم عدم رضا الكثيرين عن بطء سير الحداثة السياسية والتعليمية، في حين أن الحداثة الاقتصادية والاجتماعية قطعت اشواطاً كبيرة.

فيأيها الخليجيون: احتضنوا العراق بدفء وحنان ومودة واخلاص شديد.

فلن يصلح الخليج إن لم يصلح العراق.

ولن يرتوي الخليج إلا بماء العراق.

ولن تمطر السماء في الخليج إلا إذا ارسلتها رياح العراق.

ولن ينام الخليج إلا في سكون ليل العراق.

ولن يصبح الخليج بحيرة ذهب آمنة إلا إذا أصبح العراق حراً ديمقراطياً عادلاً.

ولن ينشد الخليج قصائده إلا إذا استوحاها من شعر السياب والبياتي والجواهري والجنابي وغيرهم.

-4-

من الذين يرفضون ارسال قوات اسلامية أو خليجية إلى العراق؟

انهم هؤلاء الذين لا يريدون لشمس القرن الحادي والعشرين أن تشرق على العرب:

- تنظيم القاعدة. فهذا التنظيم لا حياة له دون ممارسة الارهاب. ولو توقف تنظيم القاعدة عن القتل والارهاب لفقد مبرر وجوده، ولفقد المليارات من الدولارات التي تنهال عليه سنوياً من "المحسنين" المتصدقين في الخليج وخارج الخليج من الذين يودون أن يروا على علم الخلافة الاسلامية يرفرف يوماً فوق قصر بكنجهام والبيت الأبيض. ومن الذين كانوا يبحثون عن طوطم يعبدونه ويقدسونه ويقدموا له القرابين، فلم يجدوا طوطماً في هذا الزمن الرديء غير ابن لادن!

- الارهابيون عامة. وهؤلاء لا خطاب لهم غير خطاب القتل وخطف الأبرياء وقطع الطرق والسلب والنهب والمطالبة بفديات للمختطفين كأي عصابة رذيلة وخارجة على القانون في العالم. وهؤلاء يودون أن يبقى العراق كما هو الآن ساحة لطلب الرزق، والظهور ملثمين على الفضائيات كأبطال مزيفين، وبدون ذلك فلا قيمة لهم.

- البعثيون. وهؤلاء يدافعون عن مصالح فقدوها، وعز أضاعوه، ومجد خسروه، ويحاولون استعادة كل هذا بكل وسيلة دموية كما هي عادتهم منذ أكثر من نصف قرن. فمتى وصل البعثيون إلى كرسي الحكم بالانتخابات الشعبية النزيهة وبالطريق الديمقراطية؟

- الصحافيون المصريون والأردنيون الذين كانوا يقبضون من صدام العطايا والهدايا والمطايا. والذين فضحتهم "كوبونات النفط". وهؤلاء أصبحوا يتامى المُنعم الوهاب ، بعد أن كانت جيوبهم تمتلئ بذهبه المسروق من الشعب. ولهذا السبب رفضوا في عمان والقاهرة استقبال اياد علاوي الذي لا يملك شيئاً يهبه للصحافة المرتزقة. لأن كل شيء أصبح ملكاً للشعب العراقي، يعطي من يشاء، ويمنع عن من يشاء، وبيده وحده المُلك العراقي.

- الجماعات المتأسلمة كجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب التغرير وحزب التفجير وغيرها من الأحزاب الإسلاموية التي ترتزق وتلتصق باسم الإسلام المخطوف والمسروق من المساجد وصدور الصالحين. وهؤلاء جميعاً هم كما كانوا في الماضي يبيعون ويشترون في الإسلام، ويتحولون في الولاء من العزاء إلى البلاء، ومن البلاء إلى العزاء.

- الأنظمة العربية الديكتاتورية التي لا تريد أن ترى في العراق عدلاً واستقراراً حتى لا يتكرر "الفيلم العراقي" في هذه البلاد. فمن اعتبر بغيره ما ظلم، بل هو للعقل احتكم.

- أعداء العراق من الأوروبيين الذين كانوا يجنون الفوائد المالية الطائلة كروسيا وفرنسا والمانيا وغيرهم. أما وقد انهار النظام السابق الذي يدين لهم بمليارات الدولارات، فقد كان أملهم أن لا يسقط هذا النظام حتى يستطيعوا رد بعض ديونهم الطائلة، وما زالوا يحلمون.

-5-

من هم الذين يؤيدون ارسال قوات اسلامية أو خليجية إلى العراق؟

انهم قلة في هذا الزمان المالح الرديء، زمن فيفي عبده وابن لادن والظواهري والزرقاوي ومصطفى البكري وعمرو خالد وشعبان عبد الرحيم، ومنهم:

- الليبراليون الذين يسعون إلى الاصلاح سواء جاء من الأرض أم من السماء، من الشرق أم من الغرب.

- شعوب المنطقة الحرة التي يهمها استقرار العراق وسيادة العدالة والديمقراطية فيه.

- العالم الحر الذي يسعى إلى استقرار العراق واستقرار المنطقة كاملة ضماناً لمصالحة، وضماناً لتدفق سر ازدهار صناعة وتجارة الغرب، وهو البترول الذي يجب أن لا يقع في أيدي أنظمة ديكتاتورية عاتية تسخِّر ريع البترول لرعاية الارهاب والعدوان بالمنطقة بدلاً من توجيهه لبناء الأوطان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، في الوقت الذي يدفع فيه الغرب دم قلبه ثمناً لهذا البترول.

-6-

لقد حاول الارهابيون في العراق ضرب السُنّة بالشيعة عند طريق اغتيالهم لرموز سُنيّة سياسية ودينية، ولكنهم فشلوا في ذلك.

ولقد حاولوا ضرب الشيعة بالسُنّة عندما اغتالوا رموزاً سياسية ودينية شيعية، ولكنهم فشلوا في ذلك.

ولقد حاول أن يثيروا الفتن بين العرب والأكراد حيت اغتالوا شخصيات كردية متعددة على مختلف المستويات.

وهم اليوم يحاولون اثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين باعتدائهم الأثيم على أربع كنائس مختلفة في أنحاء مختلفة من العراق، ولكنهم سيفشلون في ذلك.

احتضان الخليجيين للعراقيين ليس على مستوى الدول والحكام فقط، ولكن على مستوى الشعوب والمؤسسات أيضاً، سوف يزيد من فشل الارهاب والارهابيين، وسوف يُضيّق من دائرة الارهاب ويحصرها.

فيأيها الخليجيون: احتضنوا العراق، قبل أن يحتضنكم جميعاً الارهاب، ويعمّ الظلام.

(تنشر بالتزامن مع جريدة "السياسة" الكويتية، و "المدى" العراقية، و "الأحداث المغربية" )

[email protected]