لا يكفي أن نشجب، أو نستنكر، أو ندين البرابرة الذين هاجموا كنائس العراق..و لا يكفي ان يصدر السياسيون و رجال الدين بيانا بالمناسبة، فالمسألة أكبر بكثير. فالهجمات الاخيرة ليست وليدة اللحظة، و لا وليدة العام، و لا حتى وليدة الجيل..

و لئلا نكون كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، علينا ان نعترف أمام الملأ و أمام انفسنا بانها عملية تربوية تدريجية، طبخت تحت اعيننا جميعا، في سراديب لا تخفى على أحد، تمسخ عقول الاجيال بسيل من ثقافة الكراهية و الإلغاء و الازدراء.. ثقافة وجدت من يغذيها داخليا و خارجيا تنظر الى العالم و مشاكله على انها صراع بين أديان و عقائد و انبياء يبحثون عن سيادة..

ثقافة لا تعترف بالوطن الا بردائه الديني، و قد تختزله الى رداء مذهبي .. ثقافة لا تعنى بالمواطنة لأن مفهوم المواطنة عندها مسخ لكل اختلاف أو تنوع.. ثقافة انكشارية اصيبت بعمى الألوان و الضمائر فسوغت لنفسها ذبح الآخرين على مذبح الوهم بدولة خلافة زائلة لن تعود لأن عصر دول الابيض و الأسود قد انتهى الى الابد..ثقافة تعتقد بأن الساعة يمكن ان تعود الى الوراء على اشلاء البشر.

نعم.. كنا نعيش في وئام، و لكن هنالك بين ظهرانينا من كان يحقن العقول بسموم من قبيل أن المسيحيين كفرة، و بأنهم حرّفوا الكتاب، و بأنهم جواسيس للصليبيين و الصهاينة، و بانهم أنجاس، و بأن من أكل معهم قد كفر.. و الكثير الكثير.

و قد يقول قائل بأن هذه لم تكن ثقافة اجتماعية عامة.. نعم لم تكن، و لكن الثقافة المضادة لها كانت ضعيفة و هزيلة، و هذا نتاجها.. قتل في الشوارع أمام المارة، و لا من يعترض بل كان هناك من يصفق، انتهاك للمنازل و الخصوصيات، و لا من من معين.. شرطة تدير ظهرها، و جمهور يقف صامتا، و وطن يطعن في الصميم.. أليس هذا انتصارا لتلك الثقافة؟


الاعتذار لا يكفي، و الاستنكار لا يكفي، انما مراجعة شاملة لتربية المدرسة و المسجد، و للدستور والقوانين، تربية تعيد تعريف الوطن و المواطن، و تعريف الألوان، و التاريخ و الجغرافيا..

عندما يتحول المسجد الى منظمة من منظمات المجتمع المدني بدلا من ثكنة حربية، و عندما تتعلم الاجيال ان الدين حب و ليس كراهية، و عندما تغرس المؤسسة الدينية في القلوب قيم الخير و الحق و الجمال، عندئذ فقط يمكننا الحديث، عن تعايش و تحضر و تمدن، و عن وطن الجميع.