الإرهاب ليس حالة استثنائية أو مستجدة أو دخيلة على فكر الحركات السياسية الإسلامية، بمختلف مذاهبها ومسمياتها، بل هو ابن شرعي للمنظومة الفكرية العقائدية الممتدة لقرون عديدة بعيدة عبر التاريخ، تمثلت على سبيل المثال، بحروب الزكاة وقتل خالد بن الوليد لمالك بن نويرة طمعا بزوجته، وحروب الردة، والإكراه على اعتناق الإسلام، واغتيال الإمام علي وقتل أبنائه، وموقعة الحرة في المدينة التي أرغم يزيد أهلها على مبايعته على أن يكونوا عبيدا له يتحكم في أرواحهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، والتي أبيحت أي المدينة للجند ثلاثة أيام قُطعت فيها ثلاثة آلاف رأس يشهد أصحابها أن: لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وفُضت فيها بكارة ألف فتاة عذراء بكر مسلمة تقر بالشهادتين أعلاه. وتمثلت أيضا بأحكام أهل الذمة أو ما سمي بالعهدة العمرية، وأعمال الحاكم بأمر الله, والأمثلة تطول.
هذه المنظومة الفكرية العقائدية رسخ مبادئها وأدبياتها وقادها جماعتان. أولا: الأعراب الذين قال فيهم الله: (الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم – التوبة 97 ) والذين قال فيهم أيضا: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم – الحجرات 14 ) . وثانيا: المتأسلمون الذين أُرغموا على اعتناق الإسلام، إن كان بحد السيف أو بأشكال أخرى، وما زالوا حتى يومنا الحاضر يخشون التفكير والاجتهاد، ولا يُسمح لهم بممارسة حريتهم وحقهم في اختيار دينهم، فالموت وقطع الرقاب إن فعلوا بانتظارهم، (من بدل دينه فاقتلوه – حديث منسوب للرسول).
هاتان الفئتان: الأعراب والمتأسلمون، يستمدون فكرهم من الأخلاق والقيم الجاهلية التي ما زالت تحكم طباعهم وسلوكهم، وما زالوا يتوارثونها، ومن أحقادهم التاريخية، وأمراضهم النفسية، وما يعانونه من كبت وقهر وقمع وفاقة وجهل وشهوة للمال والنساء، ومن تفاسيرهم للنصوص، ومن آيات يسمونها آيات السيف (التوبة 5 – 14- 28 – 29 )، لم يرغبوا بوضعها في سياقها التاريخي، بل زعموا أنها نسخت ما عداها من آيات تدعو للتسامح والتعامل بالحسنى وعدم الاعتداء على الآخرين وعدم الإكراه في الدين، تبريرا لعملياتهم الإرهابية، التي ليست إلا امتدادا لغزواتهم السابقة التي عادت عليهم بالمال والسلطة والتسلط والجواري والعبيد.
يقول بعض علماء الدين الإسلامي أن هؤلاء الإرهابيين المتعطشين للذبح وسفك الدماء، يشوهون بأعمالهم صورة الإسلام والمسلمين. أي بمعنى آخر ينتقمون من الإسلام والمسلمين، وإن كان الأمر كذلك فلا بد أن لهم أسبابهم الخاصة التي لا يفصحون عنها. ويقول علماء آخرون: أنهم يخافون على الله ويدافعون عنه ضد من يريدون به شرا. ويشترون بأرواحهم وأرواح قتلاهم، الآخرة، طمعا في ملذات الجنة، وحورياتها وخمرها ولبنها وعسلها ولحومها وأرائكها والغلمان التي تخدم بها.
إن المتضرر الأول من هذه العمليات هم المسلمون سواء كانوا في الشرق أم في الغرب، ففي الشرق ينشرون البغضاء بين الناس والمذاهب المختلفة، ويرسخون حالات الجهل والأمية والفساد والتخلف والتسلط والقمع التي تسيطر على البلاد والعباد. وفي الغرب يحولون حياة المسلمين من نعيم إلى جحيم. فقد أكدت استطلاعات الرأي أن خمسين بالمئة من المسلمين الأمريكيين أصبحوا يخشون على مستقبل أسرهم بعد الحادي عشر من سبتمبر، والشعور ذاته لدى المسلمين في أوروبا أيضا.
ولعل البحبوحة التي يتنعم فيها المسلمون الذين هاجروا إلى الغرب، وفي غالبيتهم من أسر بسيطة فقيرة، وربما ينظر بعض الشرقيين إليهم على أنهم (مارقين). وشعورهم بإنسانيتهم، والتقدم والرقي والنظام وسيادة القانون الذي يعيشون في كنفه، والحرية التي يتمتعون بها، والحقوق التي ينالونها، والمدارس والجامعات المتاحة لأبنائهم، والاحترام الذي يلقونه هناك، وعدم خوفهم من المستقبل. مقارنة بالبؤس والظلم والفاقة والكبت والقمع والإهانات والجهل والتخلف والفوضى والاستهتار بالقوانين والفساد والخوف من المجهول، الذي يسيطر على حياة وبلاد المسلمين في الشرق، ويسد كل الطرق في وجوههم، ويقتل الأمل لديهم، كان سببا رئيسيا في ملء صدور الإرهابيين بالحقد والحسد فادعوا ما ادعوا، وتذرعوا بما تذرعوا، مما يجيز لنا أن نسميها: حرب المكبوتين وفاقدي الأمل في الشرق ضد المرفهين في الغرب.
لقد عانت أكثر الدول العربية والإسلامية إن لم تكن جميعها من الإرهاب والإرهابيين، وخبرت فسادهم وشرورهم، وأدركت أطماعهم ومآربهم. وهم إن انتصروا في العراق أو أفغانستان، لن يتوقفوا عند ذلك، فجميع الأنظمة العربية والإسلامية الحالية أنظمة مارقة في نظرهم، معادية لمعتقداتهم وإلههم، خاصة بعد أن طوروا أساليبهم وطرق عملهم، مما يتطلب جهودا موحدة ومنسقة للتصدي لهم والقضاء عليهم، بدءا بقطع مصادر التمويل والدعم المالية والفكرية والإعلامية، وإلا فإن خطرهم قادم، قادم، ولن تنفع بعدها النوايا، والأعذار، والاغترار بالقوة، فللجمل نيّة أخرى تختلف عن نيّة الجمّال.


[email protected]