هل تحّول العراقيون من راديكاليين قدماء الى محافظين جدد؟؟


عزيزي الاخ رغيد الصلح

دعني اكتب لك هذه الرسالة التي ستغدو بشكل مقال لا اكلفك الرد عليه ان لم تشأ.. اذ انني سوف أسأل وأجيب.. وان فيه بعض ما ساخالفك فيه بشأن العراق واوضاعه الحالية وخصوصا من وصفتهم بالمحافظين العراقيين الجدد مشبها اياهم بالمحافظين الامريكيين الجدد.. فضلا على الرد حول العلاقة بين العراق وبين العرب والعروبة.. بينه من طرف وبين المشروعية او التدخلات.. انني اتابع ما يكتبه الاخ الصديق القديم الاستاذ رغيد الصلح من مقالات منذ زمن بعيد.. ولم أشأ أرد على مقالته (ماذا لو انسحبت قوات الاحتلال من العراق؟) التي نشرها في جريدة الخليج الاماراتية يوم 21 / 5/ 2004، كيلا يتهمني القوميون والاسلاميون انني من مناصري الاحتلال على العراق، اذ اصبحت التهم الرخيصة اليوم جاهزة على الافواه كالعادة العربية الفجة القديمة التي تتجدد دوما من حين لآخر وخصوصا ضد العراقيين الذين يدركون ماذا يقولون.. لكنني اليوم أود ان ارسل بمقالتي هذه الى الاخ رغيد ردا على مقاله الذي نشره في الخليج ايضا يوم 30 تموز 2004 بعنوان (ابعادا " للاجانب " ام طلبا للمشروعية العربية؟).


آل الصلح والعراق
الاستاذ رغيد الصلح رجل مفكر سياسي وسليل اسرة معروفة نبغ منها عدد من الساسة اللبنانيين القوميين المحترفين.. كما وينزع الرجل نزعة قومية هادئة وله منطق في التحليل وباع في الكتابة وقد جمعتني به وكذلك بالاستاذ المفكر القومي منح الصلح اكثر من مناسبة عرفت من خلالها قوة عشقهما للعراق ومحبتهما للعراقيين، ولكننا اليوم ابناء واقع سياسي جديد فرضته المتغيرات الحاسمة والتاريخية الصعبة مما لا تنفع معها العواطف الساخنة التي الفناها في القرن العشرين خصوصا عندما كنا نحن العراقيين لا نستطيع ان نقول ونّصرح ما نؤمن ونعتقد سياسيا به خوفا من ان لا نتهم باتهامات شتى او ان تمارس السلطة البعثية القمعية ضدنا شتى صنوف التحقيقات والمتابعات التي قد تتصاعد الى حد الملاحقات والمطاردات والتصفيات.. وقد كتب الاخ رغيد عن العراق عدة مقالات منذ زمن بعيد كما ونشر عنه كتابا قيما في تاريخه المعاصر..
باختصار اقول ان علاقة آل الصلح بالعراق قديمة ولهم فيه ذكريات لا تنسى وخصوصا منذ ان كان العراق قبلة للتوجه القومي العربي في عقد الاربعينيات.. اكتب هذا تمهيدا لما يمكن ان يؤسس من مواقف ازاء الاخ رغيد لدى العراقيين الذين يسمعون كل يوم اوصافا جديدة لهم ومن قبل اخوتهم العرب الذين ما زالوا يحجبون عن انفسهم عن قصد وتعمّد ادراك ما العراق اليوم وما واقعه الذي لا يمكن ادراكه والوعي به بسهولة، فكيف اذن هو فهمه والتعاطي مع مشكلاته ومعضلاته التي لا حد لها ابدا!؟؟ هذا وسيكون الاخ رغيد الصلح رابع الاخوة اللبنانيين الذين اناقشهم في أرائهم وافكارهم بشأن العراق، والثلاثة الذين سبقوه، هم الدكاترة : غسان سلامه ورضوان السيد ومسعود ضاهر.. ويبدو ان الامر سيستمر مع اخوة آخرين ما دام هناك حاجز وقف وامتدد – كما يعتقدون - بيننا ليس من الصعوبة اختراقه او بالاحرى التعامل معه، ذلكم هو الحاجز الامريكي. لقد كّنا في الماضي نصمت على الخطأ بسبب وجود الجلاد، لكننا اليوم لا يمكن السكوت عليه ابدا! وفي كل مرحلة من المراحل نستمع الى اوصاف لا معنى لها ابدا! على سبيل المثال لا الحصر، سمعنا منذ اربعين سنة من وصف كل الذين لم يؤمنوا بالقومية العربية بالشعوبيين ونسمعهم اليوم يصفون كل من لم يؤمن بمثل هذه المقاومة المسلحة الخاسرة بالمحافظين الجدد!
مناقشة الموضوعات من خلال الامثلة والبحث عن اجوبة حقيقية
دعوني اناقش الافكار التي جاد بها رغيد الصلح في مقالته الاخيرة :
اولا : عرب وافغان وايرانيون وآخرون : لماذا لا يتسللون؟
يقول الاخ رغيد : " تنظر المصادر الحكومية العراقية إلى نتائج الجولة العربية لرئيس الحكومة العراقي والوزراء المصاحبين له نظرة ارتياح. وعزت هذه المصادر الارتياح إلى التطمينات الأمنية التي تلقاها الوفد العراقي من حكومات دول الجوار العربي. فهذه الحكومات، بما في ذلك الحكومة السورية، أبدت استعدادها للتعاون الوثيق مع بغداد من أجل ضبط الحدود المشتركة ومنع “تسلل العناصر المسلحة” إلى الحدود العراقية. ولما كانت السلطات العراقية تعتبر أن العناصر القادمة من الخارج هي السبب الرئيسي في الاضطراب الأمني الذي تشهده البلاد، وحيث انها تحمل “الأجانب” مسؤولية أعمال العنف الموجهة ضد قوات الاحتلال وضد رموز الوضع القائم، فإن هذه السلطات تأمل ان تسفر الجولة التي قام بها الوفد العراقي على دول الجوار عن نتائج ملموسة ولمصلحتها في المستقبل القريب. فهل تكون الاعتبارات الأمنية في علاقات العراق بالجوار هي سبب الارتياح العراقي؟ "
تساؤل مشروع لا لبس فيه ابدا لكنه يتأسس على افكار لا تؤمن بها السلطات العراقية فقط، بل يؤمن بها كل العراقيين.. فالعراقيون فعلا يحمّلون الاجانب المسؤولية ليس ضد قوات الاحتلال وليس ضد رموز الوضع القائم.. بل ضد كل ابناء العراق واعتقد ان الاخ رغيد وجميع صحبنا واخوتنا العرب يستمعون ويشاهدون يوميا كم من العراقيين الابرياء يسقطون بالعشرات والمئات صرعى التفجيرات وتفخيخ السيارات وضحايا لاولئك الانتحاريين الاغبياء الذين يجرمون بحق انفسهم وحق العباد بقتل النساء والاطفال والشيوخ من العراقيين وابادة المسيحيين التي نّبّهت الى مخاطر استئصالهم قبل اسبوع واحد من تفجيرات كنائسهم في بغداد والموصل.. ناهيكم عن خطف العاملين العراقيين والاجانب ومنهم عرب ومسلمين بحجة التعامل والعمل مع الامريكيين! اضافة الى ابتزاز المخطوفين والشركات والدول بشكل منظم ومبرمج.. فالمسألة ليست فقط ضد قوات الاحتلال وليس ضد الرموز الحاليين.. وحتى لو كانت ضد هؤلاء، فهل تقبل مثل هذا الذي يحدث في الاسواق والشوارع وبين البيوت؟؟


ثانيا : الامن والاستقرار: هاجس العراقيين كلهم
يتابع الاخ رغيد قوله : " لا ريب ان الهاجس الأمني هو الذي يشغل المسؤولين العراقيين ومعهم المسؤولون في ادارة جورج بوش. فالهم الرئيسي في العراق اليوم هو تهدئة الساحة العراقية وايقاف أعمال المقاومة المسلحة. في هذا السياق ركز العديد من المسؤولين العراقيين والأمريكيين علي دور “الأجانب” و”الإرهابيين القادمين من الخارج” في اذكاء الصراع المسلح في العراق ".
اقول مخاطبا الاخ رغيد وانا اعرفه حق المعرفة كونه رجل عقل راجح في تقييم الاحداث : هل يدري بأن هذا الذي كتبه في اعلاه يعمق جرح العراقيين جميعا! وان ما كتبه بالذات يطعن في فكر العروبة اصلا وكأن المسألة الامنية في العراق او الهاجس الامني لا يشغل بال كل العراقيين في كل بقعة من ارض العراق، بل يكتب انه يشغل فقط بال المسؤولين العراقيين والامريكيين في ادارة جورج بوش؟؟ لا يا عزيزي رغيد انك لم تصب الهدف الحقيقي ابدا.. ان ما يشغلنا نحن العراقيين جميعا باستثناء حفنات من عصابات العتاة واللصوص والاشقياء والخاطفين والمجرمين والمرتزقة وفلول الصداميين.. يشغلنا واهلنا جميعا الامن والهاجس الامني؟ وكم تمنيت ان تعيشوا يا اخواننا العرب ما يعيشه اهل العراق وتعانوا معاناتهم الحقيقية كي تقولوا ولو لمرة واحدة كلمة حق وكلمة سواء بحقنا وحق اهلنا وحق اطفالنا وحق شيوخنا وحق شبابنا وحق امهاتنا وحق كل الابرياء وحقوق كل انسان عراقي؟؟
ونحن ندرك سبب عزوف اخواننا العرب عن ذكر ما يريده كل العراقيين.. كونهم يخلطون الامور ويقلبون القضايا عاليها سافلها، بل ويؤمنون بأن ما يحصل اليوم من فوضى قاتلة انها " مقاومة مسلحة "، فاذا ما اعترفوا بمطالب الشعب العراقي في الامن واستعادة الحياة الطبيعية فسيفقدون حججهم وكل مسوغاتهم وتبريراتهم واوراقهم في دعم هذه " المقاومة " الغبية التي يؤمنون بها!! وعليه، فلا يمكن ابدا ان يتغاضى اخوتنا العرب عن المطالب الحقيقية للعراقيين جميعا. ان العراقيين يرفضون الاحتلال، ولكن ربما كانت لهم اساليبهم الاخرى في المقاومة.. والامر الاخر الذي لابد من التشديد عليه : لماذا لا يصّدق الاخ رغيد وكل صحبه من الاخوة العرب بأن من أسماهم بـ " الاجانب " لهم دور في اثارة المشاكل والتفجيرات ومشروعات القتل والتخريب؟؟ الم يسمع العالم كله بهويات من القي القبض عليهم لحد الان؟ الم يكن هناك تسلل من وراء الحدود العراقية مع دول الجوار؟ لماذا نغمض اعيننا عن حقائق باتت دامغة ومؤكدة بعد ان حذّر العديد من الكتاب والمسؤولين العراقيين وعدد من المنظمات عن دور المتسللين والاصوليين والارهابيين في اشعال اعمال العنف في مدن العراق الاساسية؟؟


ثالثا : من حّذر ان يكون العراق ساحة ارهاب؟
ويتابع الاخ رغيد مقاله قائلا : " ولكن هذه التفسيرات والتأكيدات حول الدور “الأجنبي” في تدهور الوضع العراقي تنطوي على اقرار من قبل المسؤولين عن الوضع الجديد في العراق بصحة التنبؤات التي صدرت عن الجهات التي كانت تحذر من الحرب على العراق. فمعارضو الحرب كانوا يحذرون من امكانية تحول العراق، عند احتلال القوات الأمريكية أراضيه، إلى جاذب لأنواع شتى من الحركات الإرهابية والمتطرفة والمسلحة ".
للاجابة على هذا الرأي ومن اجل تصويب المعلومات لابد من القول بأن ليس هناك أي تنبؤات صحيحة صدرت عن جهات حذرت من هذا الذي يجري اليوم ابدا! حتى يقر المسؤولون عن الوضع الجديد في العراق بتلك التنبؤات؟؟ واريد أسأل : من المسؤول الحقيقي عما انتهينا اليه يا عزيزي رغيد؟ هل كان العراقيون والحكام الجدد ام كان صدام حسين وعصابته الهرمة؟ وهل تم تحذير صدام حسين وطغمته الحاكمة التي بقيت تكلم العالم بشأن العراق بكل صلافة ورعونة؟ وهل كنا نحن العراقيين نتحمل أية مسؤولية عن هذه الفوضى العارمة؟ هل قال احد من اخواننا العرب بأن العراق المحتل سيصبح جاذبا للارهاب؟؟ انني اتحدى ان يأتيني احدهم بمقال حذر فيه العرب من ذلك؟ نعم، كان العرب ضد الحرب من اجل ابقاء صدام في السلطة لا من اجل تحذيره هو نفسه كي يتنازل ويسّلم البلاد الى اي لجنة او جمعية وطنية او هيئة عسكرية او ادارة مدنية ويرحل غير مأسوف عليه؟ هل سمعنا صوتا عربيا أصيلا ينادي بأي حل يمكن ان يوفره المسؤولون السابقون عن العراق وكانت المفاتيح كلها بأيديهم؟ وباستثناء مبادرة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التاريخية الحكيمة.. هل قال بذلك اي مسؤول عربي؟ هل سمعنا العرب نحن العراقيين وسمعوا اصواتنا المبحوحة؟ كم نادينا وذبحنا حناجرنا في الكشف عن ادوار وتواطئات مارستها دول ومنظمات واحزاب ومؤسسة جامعة الدول العربية (التي كتبت عن دورها المترهل قبل اندلاع الحرب بأشهر في النهار البيروتية) منتقدا دورها المتواطىء من اجل ابقاء صدام حسين في السلطة؟ ومن اجل الاعداد لمعركة الشرف والكرامة والحواسم ووصول المجاهدين العرب بالمئات الى بغداد لقتال الامبريالية العالمية؟ فماذا كانت النتيجة؟ ومن الذي خدعهم : العراقيون الجدد ام النظام البائد؟؟


رابعا : اي تحذيرات؟؟ اي تطمينات؟؟
ويكتب الرجل متابعا : " وكان مؤيدو الحرب، وعلى رأسهم الادارة الأمريكية يقللون من أهمية هذه التحذيرات ويؤكدون على ان الوضع العراقي الجديد سوف يكون آمناً ومستقراً، وأن التأييد الكبير الذي سوف يحظى به هذا الوضع المتغير سوف يلعب دوراً رئيسياً في سد أبواب العراق أمام تسلل الجماعات المسلحة وأمام كل من يلج الأراضي العراقية بغرض منازلة القوات الأمريكية أو تحقيق أهدافه العقائدية والسياسية ".
وانا اسألك يا عزيزي رغيد : هل انت متأكد مما تقول بأن مؤيدي الحرب، وعلى رأسهم الادارة الأمريكية قللوا من أهمية هذه التحذيرات (العربية)؟ صحيح ان الامريكان قد اكدوا على ان الوضع العراقي الجديد سوف يكون آمناً ومستقراً، ولكنهم لم يقولوا ابدا بأن الوضع المتغير سوف يلعب دوراً رئيسياً في سد أبواب العراق أمام تسلل الجماعات المسلحة وأمام كل من يلج الأراضي العراقية بغرض منازلة القوات الأمريكية أو تحقيق أهدافه العقائدية والسياسية؟؟ بدليل انهم ارسلوا جاي غارنر لأول مرة ولكنهم عادوا فأرسلوا بول بريمر.. وسواء صدق الامريكيون ام كذبوا، فان العراقيين دفعوا ثمنا باهضا من اجل خلاصهم من الطاغية صدام حسين الذي تمنيته ان يقاتل وعصابته قتال الابطال في شوارع بغداد.. لا ان يختفي في حفرة متعفنة ليترك مصير الوطن معلقا في الهواء؟؟ ثم يأتي مكبلا بالاغلال ليطيل لسانه امام الملايين وكأنه غير مسؤول مسؤولية تاريخية مباشرة عما حدث للعراق؟؟


خامسا : العراق والعراقيون بين سمو العروبة وبين غلو الشوفينية
ويقول رغيد متابعا : " الوضع العراقي.. وليد نظرة محددة وقاطعة تجاه علاقات العراق الجوارية وتجاه هويته الوطنية. ولقد أسهم “المحافظون الجدد” في واشنطن وبغداد في بلورة هذه النظرة وفي تعميمها وتقوم هذه النظرة على محاربة الفكرة العربية والتقليل من جديتها وفاعليتها إلا في حدود اعتبارها مشرعنة للقمع والظلم وانتهاك حقوق الانسان. أما في العراق فلقد دأب المحافظون الجدد على انكار صفة العراق العربية وعلى مساواة اسقاط هذه الصفة بتحريره من القمع والاستبداد. وكانت هذه النظرة قاطعة وحاسمة إلى حد انها لم تقتصر على نظام البعث وعلى حكم صدام حسين فحسب، ولكنها اتسعت لكي تشمل كافة اطياف النخبة العراقية الحاكمة التي تولت المهام السياسية منذ ولادة الدولة العراقية المعاصرة. فهؤلاء اشتركوا جميعاً في “تزوير هوية العراق”، وفي الباسه بالزي العربي الذي تخفت فيه كافة المظالم التي ينتقدها المحافظون الجدد ".
دعوني بالله عليكم أسأل الاخ رغيد عّمن يقصد بالمحافظين العراقيين الجدد اذ ندرك من هم من الامريكان؟ وهل الوضع العراقي وليد مثل هذه النظرة المحددة والقاطعة مع جواره؟ واذا افترضنا جدلا انها كذلك مع جواره، فهل هي كذلك تجاه هويته الوطنية؟ وما هذا الخلط بين الهوية الوطنية والفكرة العربية؟ من الذي بلور نظرة تقوم على محاربة الفكرة العربية؟؟ ومن قلل من جديتها وفاعليتها؟ من قال باعتبارها مشرعنة للقمع والظلم وانتهاك حقوق الانسان؟ هل يعد اي عراقي يعتز بهويته الوطنية عدوا للفكرة العربية؟ هل اصبح العراقيون الذين يقولون كلمة حق في اوضاعهم المزرية التي سببها لهم البعض من الطغاة الشوفينيين ومناصريهم من المناضلين الجدد؟ اتريدون ان يسكت العراقيون على خطايا لا حصر لها ارتكبت بحقهم باسم العروبة والقومية العربية وعلى حساب هويتهم الوطنية العراقية؟ ودوما اكرر سؤالي لكل الاخوة من الكتاب العرب : ايقبل كائنا من كان منكم ان يقدّم عروبته على وطنيته؟ اتحدّى من يعلن بطولته في ذلك على الملأ! لقد قدّم العراقيون عروبتهم في ازمان عدة على عراقيتهم، ولكنهم دفعوا اثمان باهضة من دمائهم وثرواتهم ومصائر شبابهم!!


سادسا : العراقيون : وطنيون وقوميون لا راديكاليون ثوريون ولا محافظون جدد!
لا اعتقد ان هناك في العراق من محافظين جدد ولم يبق حتى من الراديكاليين الحقيقيين أحد.. اعتقد ان هناك في العراق اليوم عراقيون جدد، صحيح انهم ينادون بنظرات وافكار ليست محددة وقاطعة ابدا.. بل عملية ومستقبلية من اجل بناء تاريخ جديد لا يريده خصومهم الجدد! واعتقد اخي رغيد ان العراقيين قاطبة بما فيهم العرب والاكراد والتركمان وكل الاقليات العرقية لم يقطعوا الجذور بالعروبة والفكرة العربية، بل انهم يقفون اليوم في غالبيتهم ضد الفكرة القومية الشوفينية الاستئصالية الانغلاقية البدائية والفرق كبير بين العروبة الحقيقية وبين القومية الشوفينية.. هذه الاخيرة التي استخدمت كل آلياتها من اجل القمع والاضطهاد وتشريع القمع والظلم وانتهاك حقوق الانسان في العراق وغير العراق وعليه أسأل : من قال باسقاط الصفة العربية عن العراق ؟ فغالبية السكان من العرب الاصلاء الذين تعايشوا منذ القدم مع ابناء وطنهم من غير العرب.. ولكن ارجع لاقول : اذا كان القمع والاستبداد والتطهير العرقي قد تلازم مع السياسات الفاشستية التي اتبعها النظام السابق، فسقوط صدام حسين والبعث معا هو بمثابة اسقاط حقيقي للفاشية العربية والقومية الشوفينية..
أما كونها لم تقتصر على " نظام البعث وعلى حكم صدام حسين فحسب، ولكنها اتسعت لكي تشمل كافة اطياف النخبة العراقية الحاكمة التي تولت المهام السياسية منذ ولادة الدولة العراقية المعاصرة. فهؤلاء اشتركوا جميعاً في “تزوير هوية العراق”، وفي الباسه بالزي العربي الذي تخفت فيه كافة المظالم التي ينتقدها المحافظون الجدد " – على حد تعبير الاخ رغيد – فهذا حكم غير تاريخي لا يمكن قبوله وهو يصدر عن رجل فكر وخبرة بالشأن العراقي! انه ليس وليد اليوم او نتاج افكار المحافظين العراقيين الجدد، فمن يتوغل في تاريخ السياسة العراقية على امتداد القرن العشرين سيكتشف بأن انقساما حادة يظهر ويختفي بين انصار الفكرة العراقية وانصار الفكرة القومية وكثيرا ما كان يسود ويحكم انصار الفكرة القومية بدءا بفيصل الاول وانتهاء بصدام حسين.. ولكل من الطرفين قوى سياسية واحزاب وتكتلات وشخصيات ومفكرين وكتاب وصحافة.. انها بنية عراقية سياسية وثقافية منقسمة على نفسها الى قسمين اثنين عاشت تاريخ صراع دموي ونزاع فكري.. وساهمت جهات عدة من خارج العراق في اذكاء ذلك الصراع على امتداد القرن العشرين.. واعتقد ان العروبة لا يمكن فصلها عن العراق، ولكن العراق بنفس الوقت لا يمكنه العيش ابدا بعد اليوم تحت اية يافطات شوفينية باسم اي حزب او عقائدية فاشية!


سابعا : اسئلة عراقية تبحث لها عن أجوبة عربية
وانا أسأل بدوري الاخ رغيد بعض الاسئلة العراقية التاريخية التي اعتقد جازما ان اجوبتها العربية الحقيقية ستهز قناعات كل الاذكياء والمحنكين العرب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : لماذا ولد تيار عراقي جارف منذ العشرينيات ضد وجود ساطع الحصري وممارساته في السياسة التربوية للعراق مذ وقف على رأس ذلك التيار الدكتور فاضل الجمالي حتى انزوى الحصري مديرا للمتحف العراقي.. ومن ثم اسقطت الحكومة العراقية الجنسية العراقية عنه ولماذا ؟ ثم أسأل : ما هي الاسباب الخفية التي كانت وراء اغتيال الوزير والسياسي والاقتصادي اللبناني اللامع رستم حيدر في العراق في الثلاثينيات علما بأن الرجل من التكنوقراط وقد خدم العراق خدمة جديرة بتقدير المؤرخين؟ وأسأل : ما دور السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين في العراق في الاربعينيات (اذ آوته حكومة نوري باشا السعيد) وخصوصا فحوى علاقاته مع المانيا النازية وفي اشعال الاحداث الداخلية باسم القومية العربية والتي ادت الى الحرب العراقية البريطانية في العام 1941؟ ثم أسأل : ما دور مصر وسياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في العراق ابان الخمسينيات؟ من حاك المؤامرات وحرب الاذاعات ودبر الانقلابات العسكرية العديدة ضد الحكومات العراقية في الستينيات؟ ونسأل : هل ان ما اعترف به وقاله الاخ امين هويدي في مذكراته من ان مصر كانت وراء تنصيب عبد الرحمن عارف بعد مصرع اخيه عبد السلام مجرد اكذوبة؟ انتقالا الى ميشيل عفلق ورفاقه العرب الذين دخلوا العراق فوق بركة من دماء ابنائه في العام 1963 وتدخلوا بالشأن العراقي من قلب العاصمة بغداد منذ ذلك الوقت حتى عهد صدام حسين الذي افهم لماذا باركوا اشعاله الحرب مع ايران ولكنني لا افهم كيف باركوا غزوه الكويت وهم يحملون الفكرة القومية (المجيدة)! وافهم كيف سكتوا على ذبح رفاقهم واحدا تلو الاخر وجماعة تلو اخرى، ولكنني لا افهم كيف باركوا للقائد الضرورة ان يعذّب العراقيين ويذبحهم ويزرع عندهم كل قيم شرعة الغاب! انني افهم كيف صمتوا عن الموبقات وبعثرة ثروات العراق كونهم استفادوا ما لا يمكن تخيله ولكنني لا افهم كيف صمتوا عن التأخر المزري للعراق وتخلف مناطقه وحرق قراه وتجفيف اهواره! وافهم لماذا سكتوا على ذبحه ابناء وطنه بكل الاسلحة القذرة ولكنني لا افهم كيف بارك العرب له قبوله التحدى الامريكي وكأننا اطفال نلعب ونلهو بمصير الامة وكأنها دمية ممزقة وقد تم تسليم العراق للامريكيين في ايام معدودات؟؟ انها مشكلة اكبر من العراق والعراقيين.. انها مشكلة العرب انفسهم الذين يندفعون عاطفيا من اجل مناطحة من هو اقوى منهم وبعد خسرانهم واذلالهم يوزعون الاتهامات على هذا وذاك واليوم وكأن كل العرب انقياء واطهار ومجددين حكاما ومحكومين واصبح العراقيون لوحدهم من المحافظين الجدد الذين يقرنهم العرب بالامريكيين؟؟


ثامنا : هل عمليات التسلل مشروعة ومن اجل مقاومة من؟
يقول الاخ رغيد : " من هذه الزاوية فإنه من الممكن اعتبار الجولة التي قام بها الوفد العراقي الرسمية على الدول العربية وتأكيداته حول نجاح هذه الجولة يعتبر مؤشراً جديداً على هشاشة نظرة المحافظين الجدد، الأمريكيين والعراقيين إلى المنطقة العربية وإلى العراق. فالحافز الرئيسي إلى قيام بهذه الجولة لم يكن، كما تؤكد بعض المصادر الحكومية في بغداد، التأكد من تعاون دول الجوار العربي في وضع حد لعمليات التسلل من الخارج إلى داخل العراق. ذلك ان العراقيين ليسوا في حاجة إلى وافدين من الخارج لكي يتولى نيابة عنهم مقاتلة المحتلين. العراقيون كانوا دوماً يقومون هم بالانتقال إلى الدول العربية المجاورة لكي يقاتلوا مع أبنائها ضد قوات الاحتلال. هذا لا ينفي قدوم “الأجانب” إلى العراق للاشتراك في العمليات المسلحة ضد هذه القوات. ولكنه يعني انه ليس “للأجانب” ذلك الدور الحاسم الذي تنسبه إليهم بعض المصادر الأمريكية والعراقية. بتعبير آخر ان احكام اغلاق الحدود لا يضع، بالضرورة حداً لأعمال المقاومة المسلحة. هذا ما يعرفه، بالتأكيد، المسؤولون العراقيون ومن ثم فإنه من الصعب الاعتقاد بأن حافزهم الرئيسي إلى القيام بجولتهم العربية هو التوصل إلى ضمانات أكيدة بصدد ذلك الاغلاق " (انتهى النص).
هنا لابد من تسجيل بعض ملاحظاتي على النص في اعلاه :
1/ علينا ان لا نخلط الاوراق بين ما يحتاجه العراق اليوم من دول الجوار وبين ما كان قد قدمه العراق سابقا الى دول الجوار!
2/ علينا ان لا نفصل بين ضرورات العراق والعراقيين وحاجتهم الاساسية الى الامن والاستقرار وبين مطالب الحكومة العراقية المؤقتة سواء قبلنا بها ام كنا من الرافضين لها!
3/ علينا ان نفصل بين المطالب الحيوية التي يتطلبها كل بيت عراقي اليوم وبين ذاك الذي عليه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الامريكية!
4/ علينا ان نتفحص ونتأكد من ان التسلل الخارجي عبر الحدود الى العراق من قبل دول الجوار حقيقة تؤكدها المعلومات الرسمية والاعلامية كل يوم منذ سقوط النظام السابق حتى اليوم!
5/ وعلينا ان ندرك بأن هشاشة العراق دوما ما تكون منذ عشرات السنين عبر حدوده الصعبة مع بعض دول الجوار!
6/ علينا ان لا نغّير الحقائق التاريخية ابدا، فالعراقيون لم ينتقلوا ابدا الى الدول العربية المجاورة لكي يقاتلوا مع ابنائها ضد قوات الاحتلال.. العراقيون كانوا يشاركون العرب في الحروب ضد اسرائيل بموافقات رسمية بين الحكومة العراقية وحكومات دول الطوق.
7/ علينا ان لا نقرن هذه تلك المشاركات من قبل الجيش العراقي مع اعمال التسلل التي تقوم بها جماعات وفئات متشددة وبطرق غير قانونية ولا رسمية ومن دون اذن العراقيين.. انني اسأل الاخ رغيد : هل يقر اذن اعمال التسلل الخارجي للقيام باعمال عنف على الارض العراقية مع رفض صارخ للعراقيين؟ واذا كان يريد القول انها عمليات كفاح مسلحة ضد المحتلين.. فهل اعمال التفجيرات وتفخيخ السيارات وقتل العراقيين مقبولة من قبل اخواننا العرب تحت يافطة (المقاومة المسلحة)؟؟
8/ علينا ان ندرك بأن ضبط الحدود العراقية مع دول الجوار عملية صعبة جدا ولكن لابد للحكومة العراقية المؤقتة او القادمة من تنبيه دول الجوار الى ما يحصل من خلال حدودها.. خصوصا وان التطمينات الرسمية العربية وغير العربية لا محل لها من الاعراب في ظل عمليات تسلل منظمة جدا عبر الحدود!


تاسعا : العراق بين المشروعية العربية والتدخلات العربية
يقول الاخ رغيد وهو لم يزل ينتقد خطوات الحكومة العراقية المؤقتة بطريقة غير مباشرة : " الأرجح ان هذه الجولة قامت على خلفية قاعدة رئيسية من القواعد التي يدركها كل من يعرف المنطقة العربية معرفة حقيقية. تتلخص تلك القاعدة في ان الحاكم العربي لا يكتسب مشروعيته، عادة، من التأييد الداخلي وحده. ان هذا التأييد ضروري ولا غنى عنه وإلا اضطر الحاكم إلى ممارسة أشد أنواع القسوة والعنف ضد شعبه حتى يبقى في الحكم. ولكن الحاكم العربي يحتاج عادة حتى يستكمل مشروعيته حتى في الداخل، إلى الحصول على مشروعية عربية. وتلك المشروعية العربية ليست رسمية بحتة ولا أهلية بحتة. إنها مزيج من الاثنين معاً. ومهما كان الرأي في هذه المشروعية، أي سواء كانت في محلها أو لا، أو سواء استخدمها الحاكم العربي استخداماً صحيحاً أو خاطئاً، لمصلحة شعبه أو ضد هذه المصلحة، فإنها تستند، في نهاية المطاف، إلى الترابط الذي يحكم المنطقة العربية والذي أمل المحافظون الجدد اسقاطه عندما تدخل القوات الأمريكية العراق فبقي عنصراً ثابتاً من عناصر السياسة العراقية والعربية " (انتهى النص).
وهنا يضطرني الاخ رغيد ان اسجل على نص ما قال بعض ملاحظاتي الاخرى :
1/ انها ليست قاعدة عربية للحكام العرب في كسب مشروعيتهم وهم جدد او قدماء.. انها قاعدة دولية معروفة ان تسعى اي حكومة جديدة كسب اعترافات العالم بها، فكيف بدول تجاورها عربية ام غير عربية؟!
2/ وهل يعتقد الاخ رغيد ان مواقف اغلب الدول العربية ومؤسسة جامعة الدول العربية من الحكومة العراقية المؤقتة كانت طبيعية ام غلب عليها الاشمئزاز بداية ثم التردد والحيرة والقلق والاعتراض ثم القبول؟؟
3/ هل ان استخدام اشد انواع القسوة والعنف من قبل الحاكم العربي ضد شعبه قاعدة اساسية اذا لم يلق دعما ويستمر في الحكم؟؟ ان اغلب الحكام العرب يستخدمون العصا الغليظة سواء لقوا تأييدا عربيا ام لو يجدوا ذلك التأييد! لقد كان صدام حسين تؤيده اغلب الانظمة العربية وهو يبطش في شعبه ويسومه سوء العذاب!
4/ متى ارتبطت المشروعية في الداخل بمشروعية عربية في اغلب البلدان العربية؟ ومتى عرفت الدول العربية احترام بعضها البعض؟ هل تخلصت الانظمة العربية من سلسلة المؤامرات والتدخلات العربية والاعلامية؟ ومتى كان الاعلام العربي نزيها وصادقا في التعبير عما تطمح اليه الدواخل من دون اي تدخلات سياسية فجة؟؟
5/ متى رفض المحافظون العراقيون الجدد - كما يسميّهم الاخ رغيد – المشروعية العربية؟ ان اغلب العراقيين يرفضون حتى اليوم من العرب او غيرهم سوء التدخلات وعقم المواقف واعمال التسلل وتشويه الحقائق والكيل بمكيالين سواء بالاصطفاف الى الجلادين العراقيين ام دعوى عشق العراق والعراقيين! وماذا عن ترتيب المؤامرات والاستفادة غير المشروعة على حساب تأخرهم وجوعهم.. انهم لا يرفضون العرب والعروبة ولكن العراقيين الاحرار يرفضون كل الشوفينية والتحدث باسمهم وتلقينهم الدروس.. فالمسألة ليست بمثل هذه البساطة يا عزيزي رغيد ان يقبل اي عراقي المحتل الامريكي ويرفض اخوه العربي.. ابدا حتى لو كان العراقي كرديا او تركمانيا او من اي عرق آخر الا لوجود قرائن كافية جعلته ينادي من الظلم منذ عشرات السنين ولا حياة لمن تنادي!


عاشرا : ملاحظات حول (المشروعية العربية) و (المقاومة المسلحة)
كنت أود - كما طالب الاخ الاستاذ عزيز الحاج في آخر مقال له – من السيد اياد علاوي رئيس الوزراء ان يبقى في داخل العراق في الوقت الراهن بدل هذه الجولات العربية من مكان الى آخر، وان يرسل بدله من ينوب عنه في مثل هذه المهمة التي لا نفع فيها ابدا! فالعرب سوف لن يمنحوا العراق الاستقرار والامن ولن يتبرعوا بارسال قواتهم المسلحة.. والعرب ليس لديهم صكوك غفران يقدمونها لنا.. وسوف لن يغفروا للعراقيين تأييدهم ازاحة صدام عن كاهلهم! كنت اتمنى على الاخ علاوي ان يقطع جولته الطويلة ويرجع الى بغداد لمعالجة الاوضاع الداخلية فنحن العراقيين اليوم أحوج ما نكون لانفسنا.. واشير عليه ان يستخدم القانون بأعلى درجات التحقيق والاحكام والعقوبات لكل المجرمين العتاة والمخربين والمفجرين والقتلة وعصابات التفخيخ وكل من تسّول له نفسه العبث بالعراق والعراقيين.. ليس بيد الاخوة العرب اية مفاتيح يقدمونها الى العراق من اجل ان تستقر اوضاعه.. ليس بيد العرب اية عواطف مع ما يجري ضد الشعب العراقي.. العرب يعيشون اوهاما ويحلمون احلاما وردية باسم المقاومة المسلحة ويخلطون بين قتل العراقيين والامريكيين معا! العرب بدأوا يعتبرون العراقيين محافظون جدد! العرب لم اسمع اي ادانة واحدة منهم ضد ما يجري ضد ابنائنا وشبابنا وشيوخنا واطفالنا! العرب ليس لهم الا لغة الكلام والمشاعر والعواطف ولا يعترفون بأي واقع مأساوي عشناه لعقود طوال من السنين تحت بطش البعث! العرب يدافعون حتى الان عن الجلاد السفاح الذي اوصل العراق الى الحضيض! فأي مشروعية عربية يبتغيها الاخ اياد علاوي من زياراته الى هذا وذاك؟؟ اما بالنسبة للمبادرة السعودية بارسال قوات عربية واسلامية الى العراق من اجل حفظ الامن والاستقرار ومساعدة العراقيين على بلواهم.. فالواجب يقضي بازجاء الشكر والتقدير لكل من يقف مع العراقيين اليوم من الاخوة العرب والمسلمين، وبالرغم من مباركتي لأي عمل يقف مع العراقيين اليوم ومساندتهم واخراجهم من هذا الاتون الدموي، فأنني غير مقتنع اصلا بأن هذا " المشروع " سينجح ولا يفّكر احدا انني اعارضه كما يعارضه القوميون والاسلاميون معا، بل لأنني مقتنع تماما بأن العرب والمسلمين لا يمكنهم التعامل مع الشأن العراقي لتعقيداته ومضاعفات معضلاته التي لا يمكن ان تضيف مشكلات جديدة. وربما نجحت اية مساع لخدمة العراق.
اما المقاومة المسلحة التي يريدها العرب الان ومعهم من العراقيين الذين لم يدركوا جميعا حجم ما حصل وما سيحصل فهم يسكتون سكوت الاصنام على قتل الشرطة العراقية وكما قالها احد الشوفينيين العرب بأن الشرطة ورجال الامن وكل العاملين في الدولة هم صنائع للامريكيين!! ويصمتون صمتا ابديا على تفجير الاسواق المزدحمة والكنائس المسيحية والمعابد ومؤسسات العراق.. ويصمتون على اعمال العصابات في الطرقات وتفخيخ السيارات وزرعها في المدن العراقية ويباركون اعمال التفخيخ.. قولوا لي ايها الاغبياء كم يقتل من المحتلين وكم يقتل من العراقيين كل يوم؟؟ قولوا لي : هل تعتقدون ان قتل العراق والعراقيين مقاومة مسلحة؟ قولوا لي : هل جرح الاطفال وتقطيع الاوصال وخطف الناس والقتل غدرا وتقطيع الاعضاء وفقىء العيون مقاومة مسلحة؟ قولوا لي : هل تفجير دور العبادة وقتل الابرياء العراقيين مقاومة مسلحة؟ هل اصدار هيئة علماء الدين المسلمين بيانا في الدفاع عن صدام مقاومة مسلحة؟ وانتم ايها الامريكان والانكليز اين انتم مما يحصل؟ ماذا تفعلون؟ لماذا لم يعاقب اي مجرم سواء كان عراقيا ام متسللا يعبث بالامن والاستقرار حتى اليوم على الملأ؟ اتريدون تطبيق حرياتكم المدنية في مجتمع عراقي لابد له ان يضبط اموره ويحقق امنه واستقراره في مرحلة انتقالية لابد منها؟؟ لماذا لا يتم القبض على العصابات والقتلة ويحاكمون علنا امام العالم ليعرف العالم والعرب في مقدمتهم حقيقة ما يسمى بـ " المقاومة المسلحة "؟؟


وأخيرا : متى يدرك العرب خصوصيات العراق؟
ثمة خصوصيات جغرافية واثنوغرافية وتاريخية واجتماعية يتميز بها العراق.. لو ادركها الاخوة العرب لغّيروا الكثير من قناعاتهم في تعاملهم مع الشأن العراقي، ولكانت لديهم جملة من التحرجات التي تمنعهم عن اطلاق الاحكام النهائية التي يعتبرها القراء العرب بمثابة مسلمات اساسية، والحقيقة انها مجرد تصورات واطلاق توصيفات لا اساس لها من الصحة ابدا! ان العرب ويا للاسف يقفون عند ظواهر الامور العراقية من دون التوغل في اعماقها وبواطنها والاطلاع على تعقيداتها ومعضلاتها المزمنة. ان العراقيين وفي مقدمتهم المحافظين الجدد يدركون ادراكا عميقا، حجم مخاطر الاحتلال وادواره.. ولكنهم يعون واقعهم وحاجاته وضرورات ابنائه في هذه المرحلة الخطيرة.. انهم يدركون ويعون بأن الفوضى ستطغى والهستيريا ستعم في حالة فقدان العراق لأية قوة.. انهم يعرفون بأن ما تحطم لابد من اعادة بنائه.. انهم يطالبون باستحقاقات فرضتها على العراق نتائج الحرب التي اثمرت عن اوضاع مأساوية، ويكذب من يبرر غياب صدام سببا لها، بل كانت ولم تزل احدى افرازات نظامه الجائر..
ان العراق اليوم بحاجة ماسة الى الامن والنظام والقانون واعادة البناء والاعمار مهما كانت الاثمان.. فلا يمكن ان يحطم العراق بالقنابل والصواريخ من دون اي مشروعات عملية لبناء بنائه ومستقبله.. لا يمكن للعراق ان يبقى ملتهبا من دون ان يعيد الحياة الى مفاصله كاملة.. وارجع ثانية الى الاخ القدير رغيد الصلح لازجاء التحية له فلقد اثار عندي الرغبة في مناقشة افكاره وسواء اختلفنا او اتفقنا، فعندي كل الحق في الذي ارد فيه عليه لعراقيتي اولا ولمعرفتي بشؤون وطني ثانيا.. وقد سمحت لي عروبتي التي لن اتنازل عنها ابدا ولن اقبل غيري للطعن بها ان احفظ له ودا واعتزازا وتقديرا متمنيا ان يتقبل مني هذا الرسالة اثراء لتاريخنا المعاصر وبناء لمستقبلنا المشترك والاختلاف لا يفسد للود قضية.. مع اسمى الامنيات الطيبة.


[email protected]

مؤرخ عراقي مقيم في كندا والامارات