بدءً، أو التوكيد على أن المبادرة السعودية في إرسال قوات عربية-إسلامية إلى العراق ناتجة عن نوايا حسنة، القصد منها مساعدة الشعب العراقي في تحقيق الأمن والاستقرار، وأن عدم استقرار العراق له تأثير سلبي على السعودية، حسب ما جاء في تصريحات أحد مستشاري ولي العهد السعودي للسياسة الخارجية.

كما وأفادت الأنباء عن ترحيب الإدارة الأمريكية بالمبادرة السعودية. ولكن يبدو أن هناك سوء فهم بين الجانبين، السعودي والأمريكي حول دور هذه القوات وقيادتها. ففي الوقت الذي تريد أمريكا أن تكون القوات العربية-الإسلامية جزءً من قوات متعددة الجنسيات وتحت القيادة الأمريكية، تطالب السعودية أن تحل هذه القوات (العربية-الإسلامية) محل القوات الأمريكية. وهذا المطلب مستحيل تحقيقه على أرض الواقع وله أضرار مدمرة على مستقبل العراق وتلغي الغاية الأساسية من الحرب على النظام الساقط بعد كل هذه المعاناة.

ومن المؤسف القول أن الحكومة العراقية هي الأخرى تفتقر إلى وحدة الموقف والتخاطب بلغة مشتركة فيما بينها، إذ يبدو أن القيادة لم تناقش هذا المسألة فيما بينها لاتخاذ قرار موحد قبل مناقشته مع الجهات الخارجية. فبينما نرى رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي يرحب بالمبادرة السعودية ويطالب بإرسال القوات العربية-الإسلامية إلى العراق، نرى رئيس الجمهورية الشيخ غازي الياور معارضاً لها. كذلك هناك تناقضات وتباين في تصريحات الوزراء فيما يخص أموراً أخرى مثل الموقف من تدخلات إيران وسورياً الفجة والمكشوفة في إثارة الفوضى في العراق.

على أي حال، أنا مع موقف السيد رئيس الجمهورية الشيخ غازي الياور كما أعلنه في مقابلة له مع صحيفة «الباييس» الاسبانية، اجريت في بغداد، قال فيها « الوقت غير مناسب لإرسال قوات إسلامية إلى العراق... نحن لا نريد ان يرحل الاميركيون. نحن نريد ان تبقى القوة المتعددة الجنسيات في العراق الى ان تستعيد قواتنا قدراتها الدفاعية». واضاف «نحن نقدر ما فعله الاميركيون من اجلنا، ونحن نريد ان نحافظ على صداقة طويلة الامد مع واشنطن. ولكننا لا نستطيع ان نمشي على رجل واحدة. على العراق ان يوازن سياسته الخارجية». (الشرق الأوسط، 4/8/2004). في رأيي، أن هذا هو الوقف الصائب وأهنئ الشيخ الياور على صراحته وواقعيته وحكمته في فهم تعقيدات الوضع العراقي.

وعليه أرى أنه من المصلحة الوطنية معارضة إرسال القوات العربية-الإسلامية إلى العراق للأسباب التالية:
1- طالما اتفق الجميع (العراق والسعودية وأمريكا) على استثناء دول الجوار في إرسال قواتها إلى العراق، لأسباب واضحة وهي الخوف من هذه القوات في المساهمة في خلق الاضطرابات والفوضى بدلاً من حماية العراقيين، فنحن إذ نسأل: ما الفرق بين قوات دول الجوار وغيرها من الدول العربية-الإسلامية؟ في رأيي لا يوجد أي فرق، فكل من هذه الدول لها مواقف من القضية العراقية لا نختلف عن مواقف دول الجوار.
2- نحن نعرف أن جميع الدول العربية والإسلامية، حكومات وشعوباً وإعلاماً (باستثناء الكويت) وقفت ضد تحرير العراق وساهمت وما تزال، بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق المشاكل وإثارة الفوضى ودعم الإرهاب في العراق. فكيف نضمن عدم انحياز قوات هذه الدول لما يسمى بالمقاومة؟
3- إن أغلب الحكومات العربية والإسلامية هي نفسها تعاني من شرور الحركات الأصولية الإسلامية في بلدانها والتي تسميها إرهاباً في بلدانها ومقاومة وجهاداً في العراق. وقد تسلل الأصوليون إلى مؤسسات هذه الدول بما فيها قواتها المسلحة. وعلى سبيل المثال، فقد قُتِلَ السادات على أيدي الأصوليين في الجيش المصري. كذلك تم تسلل الأصوليين إلى الجيش الجزائري، فقد أغتيل الرئيس الجزائري الأسبق المرحوم محمد بوضياف على أيدي حراسه العسكريين. كما وقد تعرض الرئيس الباكستاني برويز مشرف إلى محاولة اغتيال من قبل مجموعة من الضباط والجنود في الجيش الباكستاني المرتبطين بالأصوليين الإسلاميين. كما وأفادت الأنباء قبل أيام عن «قتل خمسة أشخاص على الأقل بينما أصيب 25 فيما يبدو أنه كان هجوما انتحاريا استهدف رئيس الوزراء الباكستاني المعين شوكت عزيز، حسبما قالت الشرطة». وهكذا نرى أن جيوش هذه الدول موبوءة بالأصوليين الإرهابيين. فكيف نضمن عدم مساعدة هؤلاء للإرهابيين في العراق؟
4- أما فيما يخص القوات العربية، فهذه تجربة لبنان المحتل من قبل القوات السورية منذ ثلاثين عاماً وقد ساعدت سوريا وإيران على خلق حزب الله ومليشياته المؤيدة لهاتين الدولتين. وليس هناك أي أمل في المستقبل المنظور لخلاص لبنان من هذه الأزمة.
لذلك نرى أن إرسال القوات العربية الإسلامية هو خطوة عملية خطيرة للبننة العراق، خاصة وأن إيران قد ثبّتت أقدامها في العراق وتغلغلت حتى في الدوائر الحكومية فيه منذ تحرير العراق وقامت بتشكيل "جيش المهدي" بقيادة مقتدى الصدر الذي صرح أن جيشه هو امتداد لحزب الله في لبنان وحماس في غزة ويمثل الذراع الضارب لهما في العراق. كما وأعلن علي خامنئي ورفسجاني تأييدهما ودعمهما لمقتدى الصدر ووصفاه بأنه حسن نصر الله في العراق. فهل نحتاج إلى المزيد من الأدلة على مخاطر إرسال القوات العربية-الإسلامية إلى العراق؟
ما البديل؟ نعتقد أن البديل هو إبقاء قوات التحالف الموجودة الآن في العراق كما هي، والاستمرار في تدريب وتطوير القوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية وتزويدها بكل ما تحتاجه من آليات وأجهزة تقنية هجومية ودفاعية وعدم التساهل مع الإرهاب ومواجهة العابثين بأمن البلاد من المجرمين العاديين والإرهابيين بحزم وشدة وعدم التردد في فضح الدول التي تساعد الإرهابيين وترسلهم لقتل العراقيين وإغراق العراق في فوضى عارمة لأغراضهم الخاصة على حساب الشعب العراقي.


http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliq.html