على إثر الحملات الإعلامية القوية والفعالة التي قام بها المجلس الوطني للعدالة والإنصاف والمصالحة في سوريه، ونتيجة لفعالية الإعلاميين الأحرار من المساندين لتطلعات الجماهير في سوريه وهي تناضل للخلاص من أعتى بقايا الفاشية البعثية بعد إن إنهار ضلعها الأكبر وصنمها الأعظم في العراق المجاور، تحرك النظام السوري ليحاول ترتيب البيت وإعادة صياغة الأولويات وبهدف خلط الأوراق وإرباك الصورة العامة والإلتفاف على مناشدات القوى الحرة بالتخلص من هيمنة دولة الحزب والقائد الواحد / الإله، ونظام دولة المخابرات والإعتقالات العشوائية والكيفية، وذلك باللجوء صوب أساليب مكشوفة حاول نظام صدام البائد قبل سقوطه المدوي إنتهاجها واللعب على أوتارها عبر اللجوء لسياسات إنفراج إعلامية وبهدف التسويق وتزويق الصورة العامة والإيحاء بأن النظام جاد في تصفية بقايا تركة الدكتاتورية والإرهاب وتنظيف السجلات المخزية في مجال حقوق الإنسان، فقد قام نظام دمشق بإطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين والمحبوسين على ذمة قضايا وأحداث تعود حيثياتها لمنتصف السبعينيات من القرن الماضي! وهو ملف متضخم ومتورم برزايا ومصائب وإنتهاكات يندى لها جبين الإنسانية وتضاف أوراقه لملايين الصفحات السوداء في سجل دولة البعث الأسود الذي زرع الموت والدمار والتخريب على أصقاع الأرض العربية، وطبعا يفرحنا كثيرا أن تتحرر أرواح وأجساد بريئة ومناضلة من ربقة أسر وذل ومهانة فاق في قساوته وشموليته كل أساليب المعسكر الفاشي المنهار سواءا في شرق أوروبا أو حتى في ظل الكيان العنصري السابق في جنوب أفريقيا وحيث صنع الإعلام العالمي من قضية الرئيس السابق نلسون منديلا أسطورة عالمية وتاريخية في الصمود والمعاناة رغم أن معاناة السيد مانديلا ورفاقه لاتكون شيئا مذكورا أمام معاناة المئات من المناضلين العرب في سوريه والعراق وأماكن عربية أخرى سبق لقضاياهم أن تمت تسويتها كما حصل لضحايا معتقل تازمامارت الصحراوي المغربي السري الشهير منذ أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، فيما ظلت ( دولة الرفاق البعثيين) في سوريه والعراق وحدها تقف خارج التيار ومنطق التاريخ، وحيث تكفلت عواصف ( حرية العراق) في ربيع العام الماضي بتصفية وإنهاء دولة القمع البعثية العراقية الصدامية وإلى الأبد فيما بقيت ضفة البعث الأخرى تصارع وتنتظر وتبتدع أساليب تأخير المصير المحتوم وتقديم كشف الحساب الشامل للشعوب وكشف ضحايا المقابر الجماعية والسجون السرية و( إبداعات جلاوزة المخابرات) والإرهاب السلطوي في إسكات الجماهير وسرقة آمالها وأحلامها وتطلعاتها الحرة! ومن ثم تزييف أرادتها ومصادرة خياراتها المستقبلية؟ والنظام السوري وهو يناور اليوم بقضايا المعتقلين السياسيين ويتضرع من أجل البقاء والإستمرار في ظل مؤشرات واضحة على حتمية إنهيار وتلاشي أنظمة القمع الحزبية الشمولية لايزال يلعب لعبته المفضلة في خلط الأوراق ويتعمد خلط القضايا مع بهارات التحركات الدبلوماسية والتغييرات العسكرية في قمة هرم المؤسسة السلطوية ليبعد الأنظار عن ملفات حساسة لايريد أن تظهر تفاصيلها وحيثياتها للرأي العام المحلي والدولي ولعل أهم تلك الملفات هو إخفاء ملف أقدم سجين ومغيب سياسي في العالم وأعني به الضابط السوري فرحان الزعبي والذي أشرنا لقضيته في مناسبات سابقة وهي القضية التي لايريد النظام أن يفصح بأية معلومات عنها رغم أنها قد فضحت وإنتشرت أخبارها داخليا وخارجيا؟ فكل المؤشرات تؤكد أن السيد الزعبي كان حيا يرزق حتى صيف عام 1999 وفقا لوثائق إستخبارية إمكن الوصول إليها صادرة من مكتب المدير السابق علي دوبا؟ فيما تلتزم السلطات السورية اليوم الصمت المطبق عن مصيره وتعمد لمساومة عائلته وإرهابها رغم أن البحث في ملفات الفرع العسكري المرقم 293 يمكنه أن يحسم الموضوع؟ فإن كان حيا فلماذا إستمرارية إحتجازه؟ وإن كان شهيدا فأين جثته ورفاته وبقية المعلومات عنه دون إغفال موضوعة تعويضه وإسرته عن سنوات الإختطاف والإعتقال التعسفي وهي تعويضات مهما بلغت لن تستطيع رد البسمة لأطفال حرموا من رعاية وحنان الأب ولن تستطيع رد قطار العمر وسنوات الإنتظار والتضحية الطويلة لزوجة الزعبي وبقية أفراد إسرته؟ وسيظل هذا الملف الإنساني نقطة عار سوداء في سجل نظام لم يتورع طيلة تاريخه الدموي عن إرتكاب كل المحرمات وهدر كل الحقوق الأساسية للإنسان السوري؟ فقضايا السجون السرية والمقابر الجماعية في تدمر وغيرها ستكشفها الأيام القادمة لامحالة وحقوق المعذبين والمعدومين لن يسقطها التقادم الزمني مهما بعدت المسافات الزمانية والمكانية ؟ ولكن ماسر ( البرمكية ) الإنفتاحية التي طرأت فجأة على أخلاقيات النظام السوري ؟ ولماذا المبادرة لإطلاق سراح بعض المعتقلين في المرحلة الراهنة فقط ولم يكن ذلك قبل عام أو عامين مثلا ؟ فهل كانت صورة الدكتاتور البعثي البائد وهو يسحب من حفرته الفأرية بمثابة منهاج عمل مستقبلي لأنظمة القمع القومي الشامل ؟ وهل كانت السجون السورية السرية والعلنية العسكرية والمدنية ستفتح لولم يكن الجيش الأميركي في العراق والعالم يحبس أنفاسه بإنتظار تنفيذ الصفحة الثانية من ملف ( الحرب الدولية ضد الإرهاب )؟ وهل سيكون ربيع دمشق القادم سلميا بعد تحلل وإنهيار الدولة القمعية ذاتيا وطوعيا؟ أم أن سيناريو البعث العراقي سيطبق على أصله السوري؟ كلها إحتمالات قائمة... ولكن المسألة الكبرى هي أن النظام السوري لم يفتح كل سجونه السرية وملفاته بعد... وفي قوادم الأيام سيعرف العالم أجمع بأن الظلم مرتعه وخيم.. وإن ليل البعث الفاشي في إنحسار، وإن نسمات الحرية تهب على بردى، وإن أنظمة القهر وهي تخاف وترتعد فرائصها لاتخجل من إستمرارية الدجل والكذب المؤدلج...!.

[email protected]