القسم الخامس


اشكالية مصطلح تسييس الإسلام ومصطلح فصل الدين عن السياسة
تدعو العلمانية الصراعية، (تمييزا عن العلمانية الديمقراطية) بفصل السياسة عن الدين، بينما تدعو العلمانية الديمقراطية بفصل التحزب الديني، بل رفض التحزب الديني أو ما يسمى تسييس الدين. كما يرفض الفقه الإسلامي (أعني الفقه الإسلامي وليس بعض الأئمة المضلين) تسييس الإسلام وشرذمته إلى أحزاب إسلاموية. ويرفض الديمقراطيون والشرع الإسلامي ممارسة العنف السياسي والإرهاب.
السياسة أصبحت اليوم جزءا من حياة الإنسان، فالخطط التربوية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية ووو تدخل في نطاق التفكير السياسي، ليس فقط بالنسبة للقابضين على السلطة، إنما حتى بالنسبة لكل فرد من الأفراد في المجتمعات الديمقراطية، وهذا ما يسمونه في السويد مثلا (حق المواطن بالمشاركة في صنع القرار السياسي). فالأحزاب الديمقراطية التي تسمى أحزاب الكوادر في الدول الاوربية تسمح للمواطنين من منظمين وغير منظمين بالمشاركة في المناقشات لمساعدة ممثليهم في السلطة في بلورة القرار السياسي، وهذه المشاركة ليست محصورة في الحزبيين فقط على عكس مجتمعاتنا الديمقراطية شكليا. وهذا واضح للعيان لكل مواطن عايش الحياة الديمقراطية في البلدان الأوربية، ولا سيما في فترة الإنتخابات. فالسياسة والدين والإجتماع والإقتصاد والثقافة في علاقات جدلية بين بعضها البعض. وعليه فالاطروحة العلمانية الصراعية بدأت تتراجع في الممارسة العملية في كثير من الدول الأوربية الديمقراطية مثل السويد والمانيا وايطاليا، واخذت هذه الدول تنبذ العلمانية الصراعية فدخلت الاحزاب ذات التوجه الديني الإصلاحي الأجتماعي في برامجها (بعيدا عن تسييس الدين وممارسة العنف السياسي والإرهاب)، في الحكم وساهمت في البرلمانات والمحافل الدولية بشكل ديمقراطي وسلمي. وأؤكد هنا ان العمل السياسي لأي كان، طبقا للحياة الديمقراطية، مرهون بعدم ممارسة العنف والارهاب، وعدم تسييس الدين وجعله اداة سياسية لفرض سيطرته على الآخرين ولاسيما غير المسلمين، فلا اكراه في الدين، والوطن للجميع. وعلى هذا الأساس نجد بأن الحزب الديمقراطي المسيحي في السويد مثلا قد دخل البرلمان والوزارة عن طريق الانتخابات الديمقراطية السلمية، وهو من اكثر الاحزاب عداءا للعنف والارهاب. وكذلك في المانيا حيث حكم هلموت كول وحزبه الديمقراطي المسيحي CDU المانيا ستة عشر عاما الى أن تم تبديله بالمستشار الاشتراطي الاجتماعي شرودر زعيم SPD في الانتخابات الديمقراطية. وهكذا في ايطاليا.
ومقابل ذلك ارى ضرورة فصل التحزب الديني عن السياسة، وعدم تسييس الدين. فتسييس الاسلام مثلا من قبل الاحزاب الاسلاموية يقسم ويجزء الاسلام، ويجعله دينا سياسيا وعملا بشريا يفقد توجهه العالمي، كما تقول الآية ((إنا أرسلناك رحمة للعالمين )). فالسياسة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وفي كل الاحوال لايمكن لأي حزب من الاحزاب الدينية ان يعوض كتاب الله تعالى وسنة رسوله. إننا نوافق على حكم الشريعة في حكم الشعب، ونرفض حكم الشريعة في حكم رجال الدين، لأن رجل الدين ينظر الى القضايا السياسية والدولية نظرة دينية بحته قد تكون بعيدة عن الواقعية السياسية. فرجال الدين غير الدين نفسه، وقد اشار حسن البنا المرشد الاول للاخوان المسلمين لهذه الحقيقة بقوله : " ومن المبررات التي إتخذها بعض الذين يسلكون سبيل الغربيين، انهم اخذوا يشهرون بملك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية، وتجنيهم على الوطنيين وممالاتهم للغاصبين، وايثارهم المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة البلد والأمة وذلك إن صح فهو ضعف من رجال الدين انفسهم لا في الدين ذاته، وهل يأمر الدين بهذا؟ ". (ينظر: رسالة حسن البنا نحو النور ). فما اكثر رجال الدين الذين اصبحوا أئمة السلطة وحماة الدكتاتورية في بلداننا المسلمة، كما كان الحال في عراق صدام والبعث المنهار، ولازال هناك أمثال هؤلاء يدافعون عنه ويتمنون رجوعه ليكثر من المقابر الجماعية. بل لا زال هناك آخرون اليوم في العراق وإيران وتركيا والدول العربية والمسلمة الأخرى، فأصبح كثير منهم محاموا الإرهاب، في الوقت الذي نجد بأن الدين كان عاملا للإصلاح في الدول الديمقراطية من خلال التنظيمات الإجتماعية الإصلاحية، والدعوة للسلام والتسامح. إذن الخلل ليس في الإسلام الحنيف، إنما في الأئمة المضلين. وصدق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف : "إنما أخاف على أمتي الائمة المُضِلين ". وعليه فنحن نؤيد الديمقراطية والسلام ونقف مع الدين، ونرفض تسييس الدين كما نرفض الاستبداد والارهاب. ولا يمكن لاي حزب ان يحتكر الحقيقة، كما لايمكن لأي فرد علمانيا كان أو رجل دين، بغض النظر عن ما يلبسه من ثياب مدنية أو عمامة ولحى طويلة، أن يحتكر الحقيقة لذاته. فالله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم إنما ينظر إلى أعمالكم، كما قال الحديث النبوي الشريف. فالتاريخ قد علمنا كيف ان بعض خلفاء المسلمين تصالحوا مع الكفار لقتال المسلمين مثل معاوية بن ابي سفيان وعبد الملك بن مروان. فذاك معاوية، خليفة المسلمين وأحد ولاة عثمان بن العفان على بلاد الشام، تصالح مع الروم على مال يؤديه اليهم حتى لا يغيروا على الشام، لكي يتفرغ هو وجيشه لقتال الخليفة الراشدي وصهر الرسول وابن عمه علي بن ابي طالب عليه السلام. وذاك عبد الملك بن مروان تصالح مع الامبراطورية البيزنطية على ألف دينار في كل جمعة، وعلى مال آخر يؤديه اليهم حتى يتفرغ لقتال مصعب بن الزبير في العراق. (ينظر: البلاذري، فتوح البلدان، القاهرة، 1901، ص 167، وينظر أيضا، الطبري، في حوادث عام 70 ).
قال ابو حيان التوحيدي : "ان الشريعة متى خلت من السياسة كانت ناقصة، والسياسة متى خلت من الشريعة كانت ناقصة ". ولعل من المهم الاشارة الى ان الشهيد حسن البنا كان ضد السياسة الحزبية، وهذا ما اشرنا اليه في القسم الاول من هذا البحث، ونعود الى ذاكرتنا قوله باختصار : "وبعد هذا كله أعتقد ايها السادة ان الإسلام وهو دين الوحدة في كل شئ، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعا فضلا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد لايقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ). لكنه لايدعو الى فصل الدين عن السياسة، والسياسة عنده ليس التحزب وتسييس الاسلام، فيقول: " فحدثوني بربكم ايها الاخوان، إذا كان الإسلام شيئا غير السياسة وغير الإجتماع، وغير الاقتصاد، فما هو إذن ؟ اهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر ؟ " (رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ).



اشكالية مصطلح (حزب الله) في فكر بعض الأحزاب الاسلاموية
أما إصطلاح (حزب الله) الذي أطلقه سيد قطب على حزبه الذي كان هو مرشده العام، مدعيا بأنه بلسان الوحي. فيتبادله الإسلاميون والإسلامويون اليوم. ويوجد اليوم حزب في جنوب لبنان بأسم حزب الله، كما توجد أحزاب الله في عراق اليوم بعد سقوط نظام الإرهاب البعثي الصدامي. وقال رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السابق رفسنجاني بأن جماعته في إيران تمثل (حزب الله ). وقال بأنهم أخذوا المصطلح من القرآن الكريم. أعتقد أن رفسنجاني يفهم القرآن جيدا، ولكنه يفهمه بطريقته الخاصة، فجعل من الآية القرآنية حجة لحزبه الذي ينتمي اليه، وكناه بحزب الله. وواضح أن رفسنجاني يحرف معنى الآية بالشكل الذي يتوافق مع توجهاته. ولهذا من الضروري أن نرجع الى التفاسير لمعرفة معنى الآية وأسباب نزولها حتى يصبح واضحا كيف أن بعض الأحزاب الإسلامية والاسلاموية تستغل عقول بعض المسلمين لتحقيق مآربهم الشخصية بأسم الاسلام، والاسلام برئ من أفعالهم.
تقول الآية الكريمة : (( لاَّتَجِدُ قوماً يؤمنونَ بالله واليوم الآخِر يُوَآدُّونَ مَن حَادّ اللهَ ورسولَهُ ولو كانوا ءاباءَهم أو أبناءَهم أو إخوانَهم أو عشيرَتَهم أولئك كتَبَ في قلوبهمُ الإيمانَ وأيَّدَهم بروح منه ويُدخِلُهُم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدينَ فيها رَضيَ اللهُ عنهم ورَضوا عنه أولئك حِزبُ اللهِ ألا إنَّ حزبَ اللهِ همُ المُفلِحون )). (سورة المجادلة / 22). قال المفسرون بأن الغرض من الآية هو النهي عن مصادقة ومحبة الكفرة والمجرمين، ونزلت هذه الآية في بعض اصحاب رسول الله حين جاهدوا تحت قيادة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في معركة بدر ضد كفار قريش عبدة الأصنام. يقول ابن كثير في تفسيره، ويؤيده في ذلك المفسر الصابوني بأن الآية نزلت في أبي عبيدة، قتل أباه الجراح وكان كافرا، وفي ابي بكر الصديق في قتاله لإبنه الكافر عبد الرحمن، وفي مصعب بن عمير، قتل أخاه الكافر عُبيد، وفي حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، قتلوا الكفار عُتبة، وشيبة، والوليد بن عُتبة يوم بدر. فأولئك الصحابة، كتب الله في قلوبهم الإيمان، ونصرهم على عدوهم، ورضي عنهم وارضاهم بما اعطاهم من النعيم الخالد. فجلعم الله من خاصته وجماعته فأطلق عليهم (حزب الله) وهم المفلحون الفائوزن. (ينظر: مختصر تفسير ابن كثير، ج3، ط4، دار القرآن الكريم، بيروت، 1401 هـ، ص 467-8. وينظر ايضا : محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج 3، دار الفكر، بيروت، ص 344-5 ). إذن واضح لدينا بأن الآية نزلت في بعض صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام بسبب محاربتهم لبعض أقربائهم من كفار قريش الذين حاربوا الإسلام، وجاؤوا الى بدر للقضاء على الإسلام وقتل المسلمين. والفرق هنا شاسع وكبير وعظيم بين أن تقاتل الكفار الذين جاؤوا للقضاء على عقيدتك وقتل نبيك، وبين الإسلامويين الذين يقاتلون المسلمين في دار الإسلام كما يفعل الإرهابيون في العراق، في قتلهم عشرات المسلمين العراقيين من أطفال ونساء وشيوخ بأسم الله والإسلام، وحاشى لله أن يدعو الى الظلم والعدوان والإرهاب بحق المسلمين والإنسانية، لأن الله رضي الإسلام للمسلمين، طبقا لقوله جل علاه:((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)).( سورة المائدة/3 ). فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد رضي الإسلام دينا للمسلمين، فكيف يمكن أن يقتل الإسلامويون بأسم الله هؤلاء المسلمين ؟ أليس جديرا بنا أن نسميهم إرهابيين مأجورين يخدمون أعداء الإسلام بأسم الإسلام ؟ فالآية التالية تعتبر أبلغ رد على مهاترات المتحزبين الإسلامويين في قتلهم وإرهابهم للمجمعات المسلمة، وخاصة المجتمع العراقي المسلم في غالبيته بحجة الأحتلال. يقول أعز من قائل : ((إن الدين عند الله الإسلام)). ( سورة آل عمران/ 91 ). وعليه فالإسلام برئ من الإرهابيين، لأن الله هو العدل بعينه، ولا يمكن أن يكون الله تعالى ارهابيا ليجعل من الإسلام دين الإرهاب، كما لا يعقل أن يبعث الله تعالى رسولا من رسله ليدعو الناس الى الارهاب بأسمه ويبعث رسله الآخرين ليدعوا الناس الى التسامح والمحبة والسلام. الخلل في الإسلامويين المتحزبين الذين يمارسون الإرهاب دون وجه حق بأسم الله تعالى والإسلام، وحاشى لله تعالى أن يقبل بالإرهاب، وحاشى للإسلام أن يكون دين الإرهاب. فتعوذ بالله من الإرهاب والإرهابيين.

[email protected]