بمناسبة انعقاد مؤتمرهم الوطني

هل يتمكن الديمقراطيون الاشتراكيون التونسيون من تجاوز الخلافات الخطيرة التي تشقّ صفوفهم، والتي كادت تعصف بحزبهم خلال السنوات الخمس الماضية؟ ذلك هو السؤال الذي يطرحه الملاحظون السياسيون في تونس عشية انعقاد المؤتمر الوطني للديمقراطيين الاشتراكيين خلال الأسبوع الأول من شهر اغسطس /آب الحالي. ويعتبر حزب الديمقراطيين الاشتراكيين من أقوى وأقدم أحزاب المعارضة التونسية. فقد برز مطلع السبعينات بعد أن رفضت بعض الشخصيات السياسية التونسية الكبيرة بقيادة أحمد المستيري الذي كان قد تقلّد العديد من المناصب الوزارية الهامة مثل وزارة العدل ووزارة الداخلية، تزكية الرئيس الحبيب بورقيبة رئيسا مدى الحياة وذلك خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري الذي انعقد في المنستير عام 1973. وقد ظل الحزب المذكور ممنوعا من النشاط السياسي حتى مطلع الثمانينات عندما أعلن بورقيبة عقب أحداث قفصة (1980) وتعيين محمد مزالي رئيسا للوزراء بعد مرض الهادي نويرة، عن السماح بتعددية سياسية في البلاد. وفي ظرف سنوات قليلة، أصبح حزب الديمقراطيين الاشتراكيين يتمتع بحضور سياسي قوي في البلاد، خصوصا بعد أن سمح له بإصدار جريدة أسبوعية، وبعد ان تمكن من كسب أنصار في كامل أنحاء البلاد، وجلهم كانوا من الكوادر السياسية في الحزب الحاكم، غير أنهم انفصلوا عنهم رافضين احتكاره شبه المطلق للحياة السياسية في البلاد. وفي عام 1989، استقال أحمد المستيري من الأمانة العامة للحزب متعللا بالمرض وبمتاعب الشيخوخة، فخلفه الأستاذ محمد مواعدة، أصيل الجنوب التونسي، والمعروف بميوله القومية العربية. وعلى مدى الخمسة أعوام تقريبا، ظل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين على وفاق شبه كامل مع السلطة، ومع الرئيس زين العابدين بن علي تحديدا. غير أن هذا الوفاق سرعان ما نسف من أساسه بعد أن زجّ بالأستاذ محمد مواعدة في السجن بتهمة الحصول على أموال من دولة أجنبية. وفي غياب السيد محمد مواعدة، تولّى السيد اسماعيل بولحية، ابتداء من عام 1995، قيادة حزب الديمقراطيين الاشتراكيين الذي بدأ يواجه خلافات وانقسامات خطيرة بين أنصاره وقيادييه الشيء الذي تسبّب في تسرّب الضعف إلى هياكله أو إلى تقلص نشاطاته السياسية في جميع مناطق البلاد. وقبل نحو عامين، عاد الأستاذ محمد مواعدة إلى النشاط السياسي وبدأ يتحرك من اجل "لمّ الشمل" وفي التصريحات التي أدلى بها لمختلف وسائل الاعلام عشية انعقاد المؤتمر الوطني، هو أعلن أن الحزب يعني حزب الديمقراطيين الاشتراكيين- يتمكن من تجاوز ما سماه بـ"مرحلة الهدم الذاتي". ومعبّرا عن تفاؤله قال بأن المؤتمر يكون "توحيديا" و وفاقيا" فيه "تتوحّد القلوب والعقول وتتناقص الخلافات الهامشية". وأضاف السيد محمد مواعدة قائلا بأن لدى الحزب مقترحات في شتى المجالات والقطاعات السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية. وأكد أن أهمية المؤتمر الوطني تتمثل في إخراج الحزب من حالة التشتت والتفتت والصراعات الهامشية وكل ما أفقده دوره المعارض ودعا مناضلي حزب إلى ضروة التكاليف والتضامن من أجل إعادة بناء حزب معارض قوي وقادر على أن يلعب دوره في المجتمع بكل نجاعة وفعالية.
وأما السيد اسماعيل بوليحة فقد ساند جهود المصالحة و"لم الشمل" داخل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، أملا أن يكون للمؤتمر الوطني مفعول العدوى الايجابية من بقية الأحزاب وفي البلاد لدعم مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي، وللمساهمة في تثبيت دعائم النظام الجمهوري... وعلى أية حال، فإن نجاح المؤتمر الوطني للديمقراطيين الاشتراكيين مرهون بقدرة أنصاره وقياديه على تجاوز الخلافات التي نشقهم، وعلى بلورة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي يعيد المصداقية والاعتبار لحزبهم الذي يطمح منذ تأسيسه إلى أن يكون قوة لها دورها الكبير والفعال في الحياة السياسة في البلاد.