اذا كانت الشرائع والأديان السماوية كافة قد كرمت الإنسان واكدت على المساواة واحترام الكرامة الإنسانية وأوردت ضمن كتبها السماوية والدينية المبادئ الإنسانية السامية التي تؤكد على ذلك، وبدأ الإنسان حراً طليقاً لاتقيده القيود ولاتحده الحدود، غير أن تقييداً وغمطاً لحقوقه بدأ بشكل لافت، كما أن خرقاً لحقوق الإنسان حصل بشكل سافر ومتعمد وخاصة في العصور الأخيرة وفي أماكن عديدة من العالم بسبب الحروب وتسلط الدكتاتوريات والطغاة والشوفينيين والمتعصبين على السلطات.
ونتيجة لشعور الإنسانية بحاجة ماسة لمعاهدة تضمن وتكفل الحريات الاساسية لحقوق الإنسان صدر الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الامم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 وحظي بالأجماع الدولي، والذي بموجبه أصبحت الحقوق نصوصاً ملزمة للدول وتشير الى مدى أحترامها أو خرقها لحقوق الإنسان.
يقر المجتمع البشري بجميع الحقوق الأساسية المتساوية للإنسان المتمثلة بالحرية والحياة الكريمة والكرامة والعدالة والسلام لكل البشر، الا أن الخرق لايأتي من الجماعات البشرية المجردة، انما يأتي الخرق من قبل السلطات المسيطرة على الحكم أذ تتحمل كل المسؤوليات في هذا الخرق الفاضح.
وبالنظر للتطور الحاصل في توجه انساني لاعتبار هذه الحقوق من المباديء الأساسية العامة التي أكدتها مباديء الأعلان العالمي لحقوق الإنسان، والأتفاق على أن تكون هذه المباديء من الأسس التي تتضمنها القوانين الوطنية للبلدان في منطقة الشرق الأوسط ومنها العراق.
وبأعتبار أن العراق من البلدان التي تتسم بالتعددية القومية والدينية، بالأضافة الى كونه من بلدان الحضارات الأولى التي ساهمت في المشاركة الفعلية ببناء الحضارة وترسيخ القوانين وتقنينها في مدونات ووثائق أصبحت فيما بعد مرجعاً وقاعدة للبشرية، مما يوجب أن يكون هناك فهم مشترك لهذه الحقوق والوسائل التي تلزم لحمايتها في ظل مبدأ سيادة القانون وذلك بأيجاد آالية لمراقبة أعمال السلطات ومحاسبتها وأيجاد محاكم قضائية تراقب التطبيقات الدستورية ومايتعلق بحقوق الإنسان.
لذا فأن من أول مايصار فيه الى الأقرار الفعلي والعملي في الأعتراف بالشخصية القانونية للأنسان أينما وجد، فحق الإنسان في الحياة ليس فقط يحميه القانون، انما يكون مصوناً ومحمياً، وعلى هذا الأساس فلايمكن أيقاع عقوبة الأعدام في الجرائم السياسية، وبالرغم من تأكيد هذه الحقيقة ضمن نصوص القوانين العقابية في العراق الا أن السلطات الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق عمدت الى عدم الأخذ بهذا النص وارتكبت من الخروقات القانونية الكثير ونفذت العديد من الأحكام بالموت في القضايا السياسية.
كما أن هذه الأحكام لاتصدر الا عن المحاكم القضائية ووفق آلية العمل القضائي المعمول بها والمنصوص عليها في متن قانون اصول المحاكمات الجزائية، وذلك بتوفير كل الضمانات والحقوق القانونية للمتهم، وضمان حقه في الطعن تمييزاً وكافة الطلبات القانونية الأخرى ودون اللجوء الى المحاكم الأستثنائية أو الكارتونية الخاصة.
وسلامة الإنسان وأحترام كرامته لايأتي من خلال النصوص الجامدة، انما يكون من خلال الممارسة الفعلية في أعمال النص، ومن خلال الأيمان بحقيقة هذه النصوص ووجوب احترامها والعمل وفق ماوردت فيه ووفق ماتتطلبه الثقافة القانونية في هذا الخصوص، لذا فلايجوز قطعاً أن يتم تعذيب الإنسان أو الضغط عليه وأحداث الأذى بشخصه مادياً أو معنوياً او الحط من كرامته بأي شكل من الأشكال، كما لايمكن أن يكون الإنسان وسيلة لأجراء التجارب العلمية الا اذا كان لأغراض طبية وبرضاه أن كان يمتلك القدرة على التصرف القانوني.
وأذا كانت قدرة السلطة في بسط الأمن وتوفير الأمان للناس وتطبيق حكم القانون تجسد الحياة الطبيعية التي يطلبها المواطن وأرساء دعائم الشرعية والسيادة، فأن من حق هذا المواطن أن يطلب المحافظة على أمنه وحريته وخصوصياته وبالقدر الذي لايتعارض مع القوانين والأعراف والأداب العامة.
لذا لايجوز أن يتم توقيف المواطن أو حجز حريته أو تقييدها الا بموجب قرار قضائي من قاض مختص وبموجب قضية معروضة أمامه، وتوفر المحكمة لهذا المواطن مهما كانت تهمته محام للدفاع عنه، فأن لم يكن له محام قامت المحكمة بتوفير محام للدفاع عنه والحضور معه في جلسات التحقيق والمحاكمة وتقوم المحكمة بتقدير أتعاب لهذا المحامي تدفع له من خزينة الدولة.
ولهذا المواطن أذا ثبت برائته من التهمة المسندة اليه أو تم الأفراج عنه وغلق التحقيق معه أن يحق له مطالبة الحكومة بالتعويض عن ايام حجزه وتوقيفه ومالحقه من ضرر مادي أو معنوي جراء هذه القضية تكون فيها الحكومة خصمه في دعوى التعويض وتقديره من قبل المحكمة المختصة وعلى أن يتم اعفاء المواطن المذكور من دفع الرسم القانوني المترتب عليه في مثل هذه الدعاوى.

ولو تمعنا في بعض المباديء التي وردت ضمن ميثاق حقوق الإنسان ودرجت العديد من الدول على درجها في متون قوانينها، فحري بأن تكون هذه النصوص الضمانات الأساسية في أحترام حقوقه وحمايتها، فلاجريمة ولاعقوبة الا بنص قانوني، والمتهم بريء حتى تثبت ادانته، ولارجعية في النصوص العقابية، ولايمكن محاكمة متهم مرتين عن نفس الفعل، وغيرها من المباديء العامة، ولضانات توفير العدالة للمتهم تكون المحاكمات الجارية علنية ومن حق القضاء أن يجريها بغير العلانية اذا وجد من الظروف مايحتم ذلك ولأسباب تقررها المحكمة.
ومن موجبات حقوق الإنسان أحترام حرية الفكر والعقيدة دون ان نضع أية قيود أو شروط على هذا الفكر والعقائد، الا بما يتعارض مع النظام العام والأداب ودون أن يمس هذا حقوق الآخرين، ولايمكن أن تجنح السلطة لوضع القوانين والشروط المقيدة الابموجب قوانين مؤقتة تحدد مددها وفي حدود ضيقة يتم أغائها وأنتهاء فترتها للعودة الى مسيرة الكفالة للحرية الفكرية في الحياة بشكل طبيعي.
فلايجوز ابعاد المواطن او نفيه أو اسقاط جنسيته، ولايجوز منع سفر المواطن الا بمقتضى قرار قضائي بات ومن جهة قضائية مختصة.
وحرية العقيدة والفكر ترتبط بها حرية الرأي والنشر والتعبير دون رقابة تحد من ايصال الرأي والفكرة بالوسائل المتاحة ودون أن يتعدى هذا الرأي حقوق الأخرين وحرياتهم.
كما منحت نصوص قانون التنفيذ العراقي للمنفذ العدل اذا كان من القضاة ان يوقع الحبس لمدد لاتتعدى الأشهر على المدين الممتنع عن التسديد أو الذي اخل بالتزاماته في التسديد، أن أمر حبس المدين لايزيل عنه حق مطالبته بالتسديد، أذ تبقى ذمته مشغوله، لذا فبأمكان السلطة أن تستحصيل الدين المنفذ عن طريق ىخر غير الحبس، كما أن لجوء بعض النصوص القانونية لفرض عقوبات جزائية تصل الى عقوبة الجنحة والجناية في مخالفات خصوصاً ماورد في متن قانون الأحوال الشخصية النافذ، فيما يخص الزواج من زوجة ثانية دون أذن المحكمة، أو عدم تسجيل عقد الزواج في المحكمة أو معاقبة العاقد الديني الذي يجري العقد الشرعي، جميعها لاتجد الأرضية المناسبة في ايجاد علاج حقيقي وناجع وتناسب مع فهم المواطن العراقي لهذه المخالفات القانونية.
والمساواة امام القضاء والقانون من أسس حقوق الإنسان التي تؤكد عليها مباديء الحقوق الإنسانية، فمن غير المنطق والعقل أن يتم التباين بين الناس بسبب القومية أو الجنس أو اللون أو مكان السكن او اللغة أو الراي السياسي والعقيدة،، واذا كانت السلطة حريصة على ضمان أستقلال القضاء وحياده، فان القضاء ينظر للجميع بعيون متساوية دون تمييز او خصوصية.
ومثلما تكفل النصوص القانونية في القوانين حق الدولة في استيفاء الرسوم والضرائب من المكلفين، فأن على السلطات ان توفر للأنسان الحق في الحياة الكريمة ورعايته صحياً ونفسياً وتحميه من الأستغلال الاجتماعي والأقتصادي وتوفير البيئة الملائمة والصحية لحياة هذا الإنسان، كما ا، على الدولة أن ترعى الطفولة والأمومة والشباب وتوفر فرص المساهمة البدنية والعقلية وتنميتها بمختلف الوسائل المتوفرة والمتحة وفق امكانياتها.
أن الضمان الاجتماعي وسيلة انسانية تضمن مستوى لائق بحياة الإنسان ويوفر على الأقل الحد الأدنى من موجبات وأساسيات الحياة، ولايتم هذا الضمان الا وفق فكرة التوزيع العادل للثروات والدخل القومي توزيعاً عادلاً ويضع الأعتبارات الأساسية لرعاية الإنسان وحاجاته الاساسية.
ومن هذا تأتي ضرورة التركيز على رعاية الدولة للمسنين والمتقاعدين والعجزة وأصحاب الحاجات الخاصة وتضمن لهم حياة كريمة.
وتحمي الدولة حق الإنسان في الملكية الخاصة وعدم المساس به دون قرار قضائي او تعويض عادل ومقبول، كما تكفل الدولة حق التعليم المجاني ورعاية المدارس والمعاهد والكليات وتوفير المناخ الفكري الحر والسليم للأبداع والمشاركة في الحياة الثقافية بشكلها العام، وحماية الحقوق الفكرية المادية والمعنوية وفق قوانين تعالج هذا الجانب.
ومن الحرية الفكرية ينسحب حق الأضراب والتظاهر والأعتصام والأجتماع بالطرق السلمية في الحدود التي يرسمها القانون.
وحق الجنسية والأحتفاظ بجنسية أخرى حق من حقوق الإنسان، بالأضافة الى عدم اللجوء الى القوانين والقرارات الأستثنائية البتي تكرس حالة الأستثناء والوضع غير الطبيعي الا في أضيق الحالات ووفق حالات تبرر منطقياً اللجوء الى هذا الحل تكريساً لأنهاء حالة والقضاء على محنة أو كارثة ووفق معايير تكفل ضمان عدم تجاوز السلطة للحدود المرسومة لها وخرق القوانين ومنح القضاء حق الألغاء والمراقبة والتصديق على القرارات التي تمس حياة الناس.
أن أوربا خطت خطوات رصينة ورائدة في عقد أتفاقيات حقوق الإنسان حيث أقرت في الرابع من نوفمبر عام 1950 في روما تاكيدا لايمانها العميق بهذه الحريات الاساسية التي تعد اساس العدالة والسلام، وبالنظر لسيادة الوحدة الفكرية والحرية المشتركة والمثل والتقاليد السياسية المشتركة وأحترام القانون، فقد نحت نحو الألتزام الجماعي لبعض الحقوق الواردة في الأعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبتاريخ 20 مارس 1952 صدر في باريس البروتوكول رقم ( 1 ) لأتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الذي بدأ العمل به في 18 مايو 1954، ثم صدر البروتوكول الثاني بشأن الأختصاص الأستشاري لمحكمة حقوق الإنسان الأوربية الصادر في العام 1963 والذي بدأ العمل به بتاريخ 21 سبتمبر 1970 و 20 ديسمبر 1971 الذي عدل بعض المواد في الاتفاقية.
وصدر في العام 1985 البروتوكول رقم ( 6 ) الذي الغى في المادة الأولى منه عقوبة الأ‘دام، ومنع الدول من أن تضع عقوبة الأعدام في قوانينها فيما يتعلق بالأعمال التي ترتكب وقت الحرب أو التهديد الوشيك بالحرب، وتطبق عقوبة الأعدام في الحالات المنصوص عليها في القانون وطبقاً لأحكامه.
وقامت كل تلك الأتفاقيات نتيجة الدمار والخراب والفضائع التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وتولدت نتيجة منطقية لهذا الأرادة السياسية في حماية الإنسان ضد القهر ومخاطر الأستبداد، ولهذا صار التوجه العام نحو خلق اوربا جديدة، ونصوص تحمي الحياة الجديدة وأدراك احترام حقوق الإنسان.
وأنشأت أوربا وفقاً لنصوص الأتفاقيات جهازين لحماية تلك الحقوق، هما اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، بالأضافة الى لجنة الوزراء في المجلس الأوربي، وهو الجهاز المختص بأتخاذ القرارات في هذه المنظمة، ويتكون من وزراء خارجية الدول الاعضاء أو مفوضيهم، ومقر هذه الأجهزة الثلاثة في ستراسبورغ.


اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان :
ومهمتها فحص العرائض التي تتضمن الأدعاء بوقوع المخالفة للأتفاقية، وتفحص الوقائع وتحاول تسوية الأمر ودياً، وفي حال عدم التسوية يصار الى أبداء رأيها في حقيقة المخالفة.
وهذه اللجنة تتشكل من قانونيين بارزين بعدد مساو لعدد الدول التي صدقت على الاتفاقية، ولايجوز أن تتضمن عضوين من جنسية واحدة، والأعضاء يجري انتخابهم من لجنة الوزراء من خلال قائمة يضعها وفد كل دولة من الدول الأعضاء، ومدة عضويتهم ستة سنوات يمكن بعدها أعادة انتخابهم، وتنعقد اللجنة خمس مرات في السنة على الأقل في دورات أنعقاد لمدة اسبوعين وتكون الأجتماعات مغلقة وسرية.

المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان :
تتكون من عدد من القضاة يعادل عدد الدول الاعضاء في مجلس اوربا، وينتخب الاعضاء لمدة تسع سنوات بواسطة الجمعية البرلمانية لمجلس اوربا، فكل قائمة من ثلاث مرشحين تقدم من قبل دولة، اثنان منهم على الأقل من جنسيتها، والمحكمة لاتنعقد بصفة دائمية وانما تجتمع لبحث القضايا التي تخضع لاختصاصها والتي تفحص من قبل سبعة قضاة منهم رئيس المحكمة اونائب الرئيس وقاض من رعايا الدولة صاحبة الشان او اي قاض تختاره هذه الدولة، ويتم اختيار بقية القضاة بالقرعة.
وفي حال مسألة هامة تتعلق بالتفسير فأن الأمر يعود الى كامل أعضاء الهيئة في جلسة مغلقة.
ويمكن أيجاز آلية عمل مؤسسات حماية حقوق الإنسان بمايلي :
تقدم عريضة فردية او دولية الى اللجنة الاوربية لحقوق الإنسان، ويتم فحص القبول ثم في أثبات الوقائع، ومحاولة التسوية الودية وفي حال التسوية تنتهي القضية، وفي حال عدم التسوية الودية يصار الى تقرير لجنة الوزراء المتضمن راي اللجنة فيما يتعلق بانتهاك محتمل للآتفاقية، ويمكن رفع القضية بواسطة الدولة صاحبة الشأن او بواسطة لجنة حقوق الإنسان خلال ثلاثة اشهر، وعند عرض الأمر على المحكمة الأوربية في جلسة الحكم يصدر القرار وتكون لجنة الوزراء تراقب تنفيذ الحكم وتشرف على التنفيذ.
أن معيار تطور الأمم والشعوب لم يعد يحتسب وفق القوة ومتانة الأقتصاد فحسب، بل أصبح في مقدمة الاسباب كفالة حقوق الإنسان، ولذا فأن الدول الأوربية تخطت زمناً ليس بالقصير مما تراوح فيه أقطار متخلفة بالرغم من امتلاكها الثروات والقدرات التي تتيح لها التطور.
أن احترام حقوق الإنسان صارت منهجاً تؤسس عليه الدول مقياس التطور والبناء الحضاري للأنسان، ومن الغريب أن الأديان التي تنتشر في الشرق الأسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية والأيزيدية والصابئة المندائية والبوذية والسيخ جميعها تؤكد وتنادي بحقوق الإنسان التي اقرها الميثاق العالمي في لائحة الحقوق.
ومن بين اهم الروابط الإنسانية يتصدر حق الشعوب في تقرير مصيرها، بالأضافة الى كفالة حقوق القوميات والأقليات والأديان ن وحين يتم تثقيف الناس بالمباديء الأساسية البسيطة التي جائت بها الديانات والشرائع ونادى بها الفلاسفة والمفكرين من ضرورة التاكيد على الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية تؤدي الى فهم مشترك وعام لحقوق الإنسان وبالتالي أحترام هذه الحقوق وأعتبارها جزء من الحياة العامة يتم التأسيس عليها وأعتبارها قاعدة للعمل الإنساني في هذه الدول.
وأنتشار ثقافة حقوق الإنسان يدفع المواطن للتفاعل الجدي من اجل العطاء في سبيل التطور والمساهمة في البناء الخلاق في كافة المجالات، وضمان هذه الحقوق في الدساتير وفي الفعل اليومي يدفعه أكثر لبذل المزيد من المساهمات الأبداعية لتطوير البلد الذي ينتمي اليه.
أن النظام الاوربي لحماية حقوق الإنسان كفل لكل فرد الحقوق التي تتضمنها المواثيق وسبل حمايتها، ووجد الفرد الأوربي أن السلطات قبل الناس أحرص الجهات على التطبيق والحماية، ووفرت السلطات للفرد سهولة أستخدام وسائل اللجوء الى المحاكم والهيئات الممنوحة لها الصلاحيات وفق المعاهدات والمواثيق الأوربية لتقديم الشكوى والأعتراض وطلب رد الأعتبار والتعويض مما يمكن اعتبار هذا النمط من الضمانات نموذجاً يمكن الأقتداء به وتجربة انسانية تثري بقية الضمانات لحقوق ا لأنسان.
أن عقبات عديدة أزيلت من طريق العلاقات الإنسانية التي ولدت بين الدول بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وخصوصاً في أوربا، ساهمت حقاً حماية حقوق الإنسان والتعاون الأوربي من اجل نشر ثقافة هذه الحقوق والأهتمام والتطبيق الأمين في التعامل داخل بنية هذه الدول، مما انعكس بالنتيجة على الحياة الأوربية بشكلها العام وبالتالي على الأستقرار والسلام العالميين.
وكنتيجة منطقية لتسلط حكومات دكتاتورية وفردية وشوفينية متعصبة جرت انتهاكات مريرة لحقوق الإنسان، وجرى خرق فاضح للمواثيق والمعاهدات الدولية، والأقسى من كل هذا أن يتم تغييب الفهم الإنساني لهذه الحقوق حتى عد في مستوى الخرافة في التطبيق، كما عمدت هذه السلطات بما عرف عنها من معاداة وأنتهاك للحقوق وأمتهان لكرامة الإنسان في بلدانها الى بث ثقافة متناقضة مع حقوق الإنسان ومتعارضة مع المفاهيم الإنسانية للحقوق بربط الحقوق بما يمنحه الزعيم الفرد او القائد، وأعتبار جزء يسير من هذه الحقوق مكرمة أو هبة منه الى الناس مما يجعل حجم الفجوة التي خلفتها تلك السياسات والأنظمة كبيرة والجرح غائر وكبير مما يوجب البدء في نشر ثقافة حقوق الإنسان والتطبيق الفعلي والبدء في العمل بتأسيس قاعدة للحقوق تأخذ على عاتقها ليس فقط التطبيقات والمراقبة، وليس فقط وضع الضمانات وحماية هذه الحقوق، وانما بنشر ثقافة حقوق الإنسان والمجتمع المدني والديمقراطي بشكل يتلائم مع المفاهيم والثقافة والعقلية العراقية التي تجاوزت منذ شهور سلطة القمع والكبت والتغييب والموت المجاني والأعدام دون تهمة ودفن المتهمين وهم احياء وقتلهم بالثرامات الكهربائية أو بمبيدات الفئران والسوائل المذيبة والكيماويات القاتلة، وأنفاس محسوبة على المواطن من سلطاته التي فرخت مؤسسات أمنية ومخابراتية أكثر من التفاتتها الى ما يطعم الجياع ويسعد الأطفال ويأوي العجزة والشيوخ في العراق، وأكثر من توفير فرص عمل للشباب أو ايجاد مأوى ومسكن متواضع للأسر العراقية التي باتت دون بيوت.
لعل تجربة الأتحاد الأوربي وهي ليست ببعيدة عنا تجربة جديرة بالدراسة في بلداننا المظلومة، وبعد ان صار الإنسان هو سيد التغيير مما يوجب أن يكون الإنسان وحقوقه الأساس والهدف الذي يتم توظيف جميع الأشياء لخدمته ومن اجل حياة تليق به وفق الأمكانيات التي يوفرها بلد مثل العراق.