لقد طالب مئات من المثقفين العراقيين منذ عام ونصف بغلق مكاتب الجزيرة والعربية والمنار والعالم في بغداد وطرد مراسليها من العراق. وقد جرى التوقيع على عشرات المذكرات في هذا الشأن، ونشرت المواقع والصحف العراقية عشرات المقالات التي تدين الدور المغرض والغوغائي والتحريضي على العنف لهذه الفضائيات وخصوصا "الجزيرة". كما نشر كتاب عرب سلسلة مقالات في فضح التغطية المغرضة والمنحازة للجزيرة لعمليات الإرهاب في العراق، وقبل ذلك للوضع العراقي في عشية الحرب وخلالها. والجزيرة ظلت تنقل رسائل المجرمين القتلة في العراق المسؤولين عن تفجير المساجد والدور وأنابيب النفط ومنشآت الكهرباء وعن اغتيال العشرات من الموظفين والمسؤولين وتفجير مقر الأمم المتحدة وبعض السفارات، وعن عمليات الخطف وقطع الرؤوس. وقد أصبح معظم ضحايا الإرهابيين، الذين اختاروا الجزيرة جسرا متطوعا لتبرير القتل والحث عليه، هم من العراقيين. وكما قال الكاتب العراقي عدنان حسين في مقالته بالشرق الأوسط عدد 3 آب الجاري، فإن:

"الشركاء الكبار" للإرهاب في العراق "هم هذه الفضائيات التي يتسلى المسؤولون فيها فيلم الإبادة الدموية في العراق، الذي يصوره لهم موظفوهم الخائبون سياسيا، ويسعون إلى تحقيق انتصار يحل لهم عقدتهم، لن يتحقق لهم لا في العراق ولا في غيره. "الجزيرة" القطرية و"العالم" الإيرانية، و"المنار"، تخوض منافسة دموية في توفير منبر حر للمفجرين وخاطفي الرهائن من قطاع الطرق ومحترفي الإجرام، مضفية على أعمالهم الإرهابية طابعا "قوميا" و"إسلاميا".. .. "

لسنا أعداء لحرية الصحافة. إنها من الحريات المقدسة ومستلزم أساسي للديمقراطية ومن عناصر حقوق الإنسان ومنها حق الإنسان في أن يعلم. ولكن هناك فارقا جوهريا صارخا وفاضحا بين نشر الرأي والخبر وبين التحريض على القتل والتفجير من خلال تمجيد من يقومون بالجرائم وتبريرها، أو نشر دعايات تحرض على القتل والكراهية. وقد طالب الفرنسيون مؤخرا من الحكومة وقف بث " المنار" من أراضيهم وغلق مكاتبه. وكانت التهمة الحث على الكراهية. ولسنا أكثر ديمقراطية من فرنسا!!! كما لسنا في وضع سياسي متين ومستقر كفرنسا وحيث لا تجري فيها هذه الموجة من الإرهاب الدموي الذي يمارسه الزرقاوي وأنصار الإسلام وعصابات صدام وجيش المهدي ومعهم المجرمون المحترفون من "الشقاوات" الذين أطلق صدام سراحهم قبل سقوطه.

لقد اتخذ مجلس الحكم سابق خطوة بسيطة تجاه فضائية " العربية" ثم ألغي القرار. وكان المأمول أن تحسن تلك الفضائية سلوكها في الشأن العراقي بعد تولي الكاتب والصحفي المتميز عبد الرحمن الراشد إدارتها. ولكن لحد اليوم لم يتم تحسن حقيقي. أما "الجزيرة" فإن من الوهم المضلل أن تنتظر الحكومة العراقية تعديل موقفها، فهو موقف سياسي وفكري مدروس ومبرمج ومع سبق الإصرار. إنها مع زميلاتها الإيرانية والمنار شبه الإيرانية ذات برنامج سياسي هو عرقلة التطور السياسي الديمقراطي في العراق ونشر الفوضى ومحاولة بث الفتن. إنه برنامج متعدد الرؤوس والأطراف، صدامي ـ لادني ـ إيراني ومتعدد الأهداف رغم اللقاء مرحليا في تعويق التقدم وإيذاء العراقيين وجعله ساحة فوضى وتصفية حسابات إقليمية وسياسية ومذهبية داخلية.

يتشكى المسؤولون العراقيون منذ مجلس الحكم من أداء الجزيرة عن العراق ولكنهم يدللونها في نفس الوقت بتفضيلها في إعطاء التصريحات والمقابلات الصحفية. وفي الجلسة الإجرائية لمحاكمة صدام كانت هذه الفضائية في الصف الإعلامي الأول مع حرمان العشرات من المراقبين الصحفيين الآخرين. وفي اجتماع المجلس البلدي في سامراء قبل أيام منع مراسل صحيفة "النهضة" البغدادية من الحضور بينما اكتفى المجلس بتغطية الفضائية القطرية لاجتماعه!!! وفي خير بثته مواقع عراقية قبل أيام خير عن تحقيق للسلطات العراقية في معلومات عن رشوات تقدمها الجزيرة لبعض العاملين في الأجهزة الحساسة وبعض المرافق لتسهل لها الوصول إلى المعلومات والتصرف بها حسبما تريد. وتقول المعلومات إن المساءلات شملت مسؤولين في الشرطة ومديري مستشفيات ومتنفذين في مجالس بلدية وضباطا ومسؤولين سابقين بالإضافة لمسؤولين في الإدارات الدينية الحكومية.

إن قرار غلق مكتب الجزيرة شهرا في العراق هو رغم إيجابيته ناقص جدا. إن المطلوب هو غلق مكاتب الفضائيات المارة طوال المرحلة الانتقالية ولحين ضمان استقرار العراق وقيام نظام ديمقراطي برلماني فدرالي حقيقي. والمطلوب أن يقاطع المسؤولون العراقيون أنفسهم وسائر الساسة الوطنيين والكتاب الحريصين على أمن العراق والمواطنين هذه الفضائيات مهما قيل عن تبرير إجراء المقابلات الصحفية من خلال شاشاتها.

إن الحكومة تسير في طريق جيد في ضرب الإرهاب الصدري وفي قرار العودة لحكم الإعدام وصدور قانون السلامة الوطنية، برغم ما بدا أمس من تصريحات السيد رئيس الوزراء من تراجع غريب عن التعاطي مع الإرهاب الصدري بحجة أن القائمين بالجرائم ليسوا من أتباعه، وهو ما لا يمكن تصديقه أبدا، وثم أبدا!!!.

إن الشطر المكمل للإجراءات الأمنية هو تحسين الإعلام العراق ومكافحة كل الدعايات التي تحث على الكراهية والعنف وتبريره، ومن ذلك غلق مكاتب الفضائيات التي صارت على حد تعبير الأستاذ عدنان حسين "الشركاء الكبار " للإرهاب في العراق.