الفاشية الإيطالية ومسخها القبيح في عراق البعث

لعل مقاربة هنا بين الحالتين الإيطالية والعراقية ستبدو للبعض إشكالية الى حد ما، نظرا لبعض الفروق النوعية بين الدولة الفاشية الإيطالية وطبيعة وتاريخ ثقافتها التي تعتبر متقدمة مقابل ما استورده البعثيون وأضافوا أليه من قيمهم المتخلفة وقمعهم الشرقي الممسوخ. بمعنى ان الثقافة العراقية في الفترة الفاشية لم تشهد المراحل والاتجاهات والمدارس التي مهدت لظهور الثقافة الفاشية الإيطالية ، الا ان المقاربة تبدو أكثر وجاهة لمن يطلع على تاريخ العديد من أوجه التماثل في التجربتين ، فعقد مقارنة، او مقاربة على وجه التحديد ، بينهما، سيحيلنا الى الاتفاق بممارسة كلا النظامين وسائل القمع الجسدي المنظم، والتدخل السافر في حياة الأفراد من اجل تأطير أفكارهم وممارساتهم ومصائرهم ضمن إيديولوجية الحزب الواحد الحاكم، التي تقضي بتذويب إرادتهم في إرادة قائد البلاد. كما ان كلا التجربتين قامتا على تحويل كلا الشعبين الى أشبه بالقطيع الأعمى المتعصب والمحروم من أي حس نقدي لإرغامها على الخضوع لسلطة الأعلى في الهرم الذي يتربع عليه قائد "الضرورة التاريخية" .ان قراءة لبعض جوانب هذا التماثل يفضي بنا الى معرفة سجل الصدام العنيف الذي يرتكز على مبدأ إنتاج الخوف واستهلاكه الذي اصطفاه كلا النظامين ليتحول الى دين بعدة مذاهب.
بعد زحف بنيتو موسوليني بتظاهرته الكبرى التي شارك فيها نحو أربعين ألفا من أصحاب " القمصان السوداء" الذين جاءوا من مختلف المدن الإيطالية ليحقق مسيرته الكبرى الى روما المهترئة عام 1922 . هؤلاء الذين لم يكن لهم أي وجود غداة الحرب العالمية الأولى، فإذا بهم خلال سنوات قليلة يصل تعدادهم الى عشرات الألوف من المضللين، الذين يحملون هوية الحزب وينعمون بالامتيازات، وسط أوضاع متردية سياسيا واقتصاديا، هيأت لموسوليني الذي تحول من الاشتراكية الى الفاشية من جعل حزبه بديلا لدولة لم تعد ذات وجود ومكنه من القيام بحملة ديماغوجية حرك من خلالها الغرائز المتطرفة لعدد كبير من العاطلين عن العمل من الجنود المسرحين، ومن ذوي السوابق الإجرامية وفلول عصابات الإجرام المنظم" المافيا والكومورا والفايدا"، فجعل لهم إيديولوجية متعصبة حد التطرف ليملأ الفراغ السياسي والأيديولوجي والروحي المأزوم بسبب الهزيمة المريرة في الحرب العالمية الأولى.
أصبحت الفاشية في إيطاليا بمثابة وعاء تنظيمي وإرهابي تهيمن عليه "عصابات من حثالة المجتمع" كما وصفها الكاتب اليساري المخضرم اينسو سيشليانو، سعت الى تحطيم مقومات الدولة وتقاليدها التاريخية العريقة، فجرى تدجين قطاعات واسعة من المثقفين وقدمت لهم وجبات هزيلة من الثقافة المفبركة لخدمة أهداف الحزب الفاشي.
فبعد ان تربع الدوتشي على أوج القوة والمجد في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي فقد دانت له ايطاليا، بعد ان اخمد أصوات المعارضة التي ارتفعت ضده في أول أعوام حكمه واستطاع ان يحكم البلاد بيد من حديد بحزبه الفاشي، محولا البلاد الى سجن كبير( لاحظ الجرائم التي ارتكبها النظام الفاشي العراقي المتمثلة في شواهد المقابر الجماعية وآثار حرق التجمعات السكانية بالغازات السامة) وحصل في نفس الوقت على تأييد الأغلبية الساحق من الشعب الإيطالي بإنجازاته البارزة في الميدان الداخلي ووسائل دعايته. لم يكن موسوليني يخفي نواياه التوسعية الإمبريالية، كان يحلم علنا بان يسيطر على كل حوض البحر الأبيض المتوسط، ويحوله الى بحيرة إيطالية وان ينشىء إمبراطورية تمتد من الحبشة الى ساحل غينيا الغربي، وكان يدعو الى زيادة النسل ليزيد عدد الإيطاليين فيمكنهم بالتالي استعمار واستيطان هذه الإمبراطورية الشاسعة، وكانت الحبشة أولى ضحاياه، فقد غزاها في أكتوبر 1935، دون إعلان حرب على اعتبار انها اقل من ان تستحق هذا الشرف، وكان لتوه قد انتهى من سحق ثورة عمر المختار في ليبيا بوحشية بالغة.
اخذ موسوليني يلوح بقوته الهائلة وقدرته على تعبئة اثني عشر مليونا مسلحين بأحدث الأسلحة، في حين ان الرقم الحقيقي لم يكن يعدو المليونين. اما الطائرات والبوارج والدبابات الثقيلة التي طالما تحدث عنها، فلم يكن لها وجود، فلم تكن قواته تملك سلاحا أثقل من العربات المصفحة التي تزن ثلاثة أطنان. وظل موسوليني يصر على" ان الفاشية لا تؤمن بإمكانية ولا بفائدة السلم الدائم، الفاشية تفهم الحياة كواجب ونضال وقهر". وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 وجد موسوليني نفسه في مأزق حرج فقد كان يأمل ان يكسب بالتهويش ما لا يمكن ان يكسبه بالقتال، ولذلك كان قراره في العاشر من يونيو 1940 بإعلان ايطاليا الحرب قرارا مميتا، وكانت النتيجة ان فقدت ايطاليا عشرات الألوف من الشباب ودمر اقتصادها وسرى الفساد في جسم البنيان الاقتصادي والاجتماعي.
يشير الكاتب الراحل البيرتو مورافيا الى ان" الإيطاليين عهدوا بكامل السلطة الى الدوتشي فكانوا يقتصرون على التصفيق له حين يلقي خطبا. كانوا يثقون بموسوليني ونظامه ثقة صبي وارث لا يفقه من الأمور شيئا فيترك لمدير أعماله ان يتكفل بكل شيء، فإذا بالوارث يكتشف ذات صباح، وقد انتابته دهشة سيئة، ان مديره قد دمره تماما.. هذا ما حدث في ايطاليا. وجد الإيطاليون أنفسهم ذات يوم وقد دخلوا الحرب من غير ان يعرفوا ما حدث.."
بدأت حرب الفاشية في الميدان الثقافي وذلك بتأسيس وتكريس الثقافة الفاشية التي اعتمدت على أفضل أساليب التضليل الجماهيري، من قبل كاريزما بنيتو موسوليني الذي حمل على أكتافه إيديولوجية اقل ما يقال عنها انها تبسيطية تحمل مضامين مدمرة ليصل بايطاليا من خلالها الى الحضيض، ومن بعد ان استوطنت في مشروعية القمع في كل المحافل، بدأت الحرب على الثقافة المضادة التي ترفض طروحات" علم الجمال الفاشي " الذي طالب به شاعر الفاشية غابرييلة د نوتسيو وصاحب ذلك حملة مكثفة في ظل الخطاب القومي الزائف الذي أوقع العديد من المثقفين في حبائله لشراء الذمم والمتاجرة بالحقائق ، وإشاعة الزيف وترويجه، كما عمت صورة الخراب الشامل التي تتحدث عن دخان المعارك والقتل والابادة الجماعية ووأد الثقافة التقدمية بشقيها اليساري والكاثوليكي، فانزوت غالبية المثقفين تنشد لقمة العيش والسلامة.
لم تتوقف الحملة على الكتاب والفنانين الذي ناهضوا الفاشية منذ أول يوم للصعود، فأعلنوا شعارهم الذي يفيض بالفجاجة وقلة المهارة" جئنا لنبقى"، كما سادت ثقافة العنف المجاني الضاربة إطنابها في أرجاء البلاد بقوة وإلحاح.
في عام 1923 أدرك الحزب الفاشي ما يمثله قطاع التربية والتعليم من رافد حيوي تستمد منه الأمة الإيطالية كل قيمها ومبادئها ومثلها العليا، فجاء بيان كتبه وزير التربية جوفاني جنتيله الذي تحول من الاشتراكية الى الفاشية، يطالب فيه تغيير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، لتعم عمليات تشويه مقصودة لكل الجوانب المعنوية والفكرية الإيطالية،( لاحظ الانهيار والخراب للبنى التحتية في قطاع التربية والتعليم في العراق خلال العقود الثلاثة الأخيرة) وامتلأت الساحات والشوارع بتماثيل موسوليني وبجداريات كبيرة تخلد أفعاله، كما بدأت حركة تنظيم شاملة للأطفال والفتيان وطلبة المدارس والجامعات على استخدام السلاح وحفظ الأناشيد القومية الفاشية، وبدأت حملة تجريد العشرات من الصحفيين من هوياتهم في النقابات الصحفية، كما أغلقت جميع الصحف والمجلات الأدبية مثل( الحرية الليبرالية( و( المقهى) و( العالم) و( لا تتحرك) و( السلطة الرابع) و( الصخرة) وعشرات غيرها. وسنت قوانين جديدة لمن يريد إصدار صحيفة تشترط الحصول على تزكية من منظمات الحزب الفاشي في المدن الإيطالية.
يقول الكاتب" البيرتو مورافيا" كان الفاشيون ينظمون غارات في الأرياف وهم في شاحناتهم، يدخلون المزارع المعروفة بانها اشتراكية، فيقتلون الناس او يعذبونهم" . فبعد ان شتتوا الحزب الشيوعي واغتالوا العديد من قادته، وأزاحوا مؤسساته النقابية وجمعياته التعاونية، بدأوا حربهم الثقافية، في طبخ كل النزعات والاتجاهات والأساليب في الأدب والفن في وعاء الاتجاهات القومية ، الذي تختلط فيه الفنون والآداب والدعاية، باتجاه منغلق ومعاد لأية قومية أخرى، او اتجاه آخر وبهدف معلن هو تحرير الثقافة الإيطالية وتوحيد إشكالها ومقاييسها لتتطابق وتتجانس مع فكر الدوتشي.
تميزت النزعة الفاشية الإيطالية كما هي الحال في أجزائها الممسوخة للفاشية العراقية بنزعة الاستعراض، وإظهار رموز القوة والتفوق وتمجيد التقاليد السلفية، وإثارة الحماس والانفعال الموجه الذي يمجد التقاليد المتخلفة وإرادة القائد، فأصبحت التحية الفاشية، ولبس القميص الأسود وإطلاق اسم بنيتو على المواليد، ظاهرة ملموسة في الحياة اليومية للناس، كما هو الحال في فترة حكم البعث العراقي في إطالة الشوارب الذكورية على الطريقة الصدامية، وإطلاق أسماء صدام، عدي، وقصي على الأبناء، وتقليد حركات الجسد والأذرع أثناء السير رمزا مشاد به بالتعامل اليومي، مثلما أصبح ترديد بعض المفردات العامية من مدينة تكريت التي يتفوه بها رئيس النظام الفاشي العراقي السابق تقليدا شائعا، فخلقت عبادة جديدة تتسم بالعادية والضعة لهذه الرموز المنحطة في الحياة اليومية .
واستخدم الإعلام الفاشي العراقي مبدأ " العنف الثوري" الذي بنى جوهره على منطق الإرهاب ليجر الى مطحنته مئات الألوف من البشر لإرغام المستمر للجمهور على مشاهدة إخبار الرئيس وتنقلاته ولقاءاته التي تمتد ساعات طويلة خلال النهار من على شاشات التلفزة المحلية. مثلما فعل من قبله موسوليني بتعمده مبدأ التكرار ليحمل الناس على تقبل شعاراته وأفكاره من خلال تسخير البث الإذاعي للمحطات المتعددة التي كانت ملك الدولة . فعم منطق إرهاب الثقافة وثقافة الإرهاب، حيث يتبادل الفنان والرجل الفاشي الأدوار فيصبح المبدع فاشيا والفاشي فنانا ليتبادلوا الأدوار في أساليب القمع والاحتيال والتسلط وابتزاز الآخرين.
ومثلما تبعثر عدد كبير من المثقفين الإيطاليين في المنافي وخاصة فرنسا بسبب خوفهم من حملة التصفيات الفاشية ، فان العراقيين الذين اجتمعوا على محبة الوطن وأرادتهم الفاشية العراقية ان يكونوا صوتا بعيدا لتستطيع تثبيت جهلها القائم على فراغ لم يستطع ملؤه الا ضجيجها الإعلامي الذي حاصر الإنسان في حياته اليومية التي اصطبغت بفصول دموية امتدت نحو ثلاثة عقود، فهم غادروا نحو المنافي البعيدة ليصل تعدادهم بالآلاف.
ومثلما فعل موسوليني بإجبار الناس على وضع صوره في غرف النوم وان توقد العوائل الشموع بعيد ميلاده وانتزع رجاله الحلي الذهبية من النساء ودبل
( حلقات) الزواج من أصابع المتزوجين في احتفالية لصوصية ، فقد قام صدام حسين بمسخ هذه الفعلة الفاشية الشائنة بابتزاز الناس بطريقة مماثلة تحت ذريعة التبرع لحروبه التي كان يحرس من خلالها بوابات العروبة .
ومثلما فعل الفاشيست بتأكيدهم على مقولة العرق الروماني وتفوقه من خلال إقامة التحريض الذي يقوم على كراهية الآخر واحتقاره وتكرارها بابتذال شديد خلال فترة الحرب وبعدها، فان النظام البعثي هو الآخر صنف البشر الى أنواع عرقية متعددة آخذا الجوانب العدوانية المنغلقة في تفوق العرق العربي على العرق المجوسي الفارسي، وهي نفس الجوانب التي ادعى بها موسوليني ومن بعده هتلر والتي تقوم على نقاوة العرق الروماني والآري المتفوق على الأعراق الأخرى التي لا تمتلك من وجهة نظرهم الا الحقد والكراهية والحسد .
والحروب التي أشعلها الطاغية موسوليني لم تولد الا الخراب للوطن والإنسان حاول من خلال رجال ثقافته ان يوحي بان الحرب فرضت على ايطاليا بعد ان كان يدعي في البداية يريد إعادة مجد الإمبراطورية الرومانية ، مثلما ادعى صدام حسين بان حرب الخليج فرضت عليه للدفاع عن الجناح الشرقي للأمة العربية! وظل يستوحي الطقوس الفاشية في التعبئة الناس في أماكن عملها وفي المدارس والجامعات والمعامل، فالحرب لكلا الدكتاتورين كانت مطلوبة لذاتها، يتحتم تمجيدها باعتبارها مدرسة أخلاقية لتجديد قيم الإنسان وبعث الأمة من جديد من خلال التضحية والاستشهاد التي على المثقف ان يبررها ويبشر بها ويوظفها في كل ما يبدعه .
مثلما تشكلت لجان في طول البلاد الإيطالية وعرضها من كتاب الدولة وأساتذتها لإصدار قوائم سوداء بالمثقفين المحظورين، وبأسماء الكتب المعادية التي يجب حرقها وإتلافها ومنعها من التداول، ومثلما قامت التجمعات الفاشية من أصحاب القمصان السوداء تقوم بالدخول الى المكتبات العامة لتخرج من رفوفها الكتب المعادية للدوتشي لتقيم كرنفالات الحرق في الساحات العامة، فقد قام مثقفو صدام حسين بحملاتهم التأديبية في تصفية أعداء فكر القائد الذين لم يندرجوا في تنظيمات حزب البعث، .( قتل أكثر من 200 كاتبا وفنانا عراقيا معرضا، بالثاليوم والاسيد والمسدس كاتم الصوت، إضافة الى ستة وزراء ثقافة وإعلام من السلطة نفسها، والرئيس السابق لاتحاد الأدباء العرب،كما تعرض أكثر من 600 شاعر وموسيقي ومسرحي وفنان تشكيلي للتعذيب بالصدمات الكهربائية والخازوق والفلقة. وفيه اغتصب الشاعر بحرفية التعبير لا مجازه. وغاب عن هذا البلد أكثر من 200 من العلماء والأدباء، هربا من قمع يندر ان شهد العالم نظيرا له).
وفي يوم 18 نيسان ( ابريل) 1945 ، بينما الحلفاء على وشك دخول بولندا والروس يزحفون نحو برلين، غادر موسوليني مقر اقامته رغم اعتراضات حراسه الألمان، فظهر في 25 ابريل في ميلانو ليطلب من أسقف المدينة ان يكون وسيطا بينه وبين الأنصار للاتفاق على شروط التسليم التي تضمن إنقاذ رقبته، الا ان قيادة الأنصار أصدرت أمرا بإعدامه، وتابع هو رحلته بالسيارة متخفيا ومعه عشيقته كلارا ليخوض ما اسماه بمعركة الشرف الكبرى والأخيرة، وعندما وصل الى مدينة كومو القريبة من الحدود السويسرية تبين بأنه كان واهما وان أنصاره المخلصين لا يزيدون على عدة عشرات من الأشخاص، اخذوا ينفضون من حوله بسرعة عندما شاهدوه( الزعيم) يهذي وبه مس من الجنون، وعندما رفض السويسريون دخوله الى بلادهم، فكر في ان يختبأ في أي مكان، وفي المساء من نفس اليوم وصلت مجموعة عابرة من الجنود الألمان كانت تريد اختراق خطوط الأنصار في طريقها الى النمسا، فتصور موسوليني انه قد جاءه الفرج وتخفى في زي جندي ألماني والتحق بها، وترك الحفنة الأخيرة من رجاله ليحاول كل منهم النجاة بنفسه، ولكن بالقرب من مدينة دونجو الحدودية على رأس البحيرة استوقفت كتيبة من قوات الأنصار الطابور الألماني لتفتيشه قبل السماح له بالمرور واكتشفت أمر موسوليني الذي كان يرجف من الخوف، وألقت القبض عليه، وفي يوم 28 ابريل 1945 تم إعدام موسوليني الذي كان يبلغ 61 عاما من قبل وحدة من رجال المقاومة اليسارية قبل وصول الأمريكيين بساعات قلائل ،لاحظ( هرب صدام حسين وكيف دحس نفسه في حجر الاختباء الذليل خشية مواجهة العدالة).
في التجربتين الفاشستيين الإيطالية والعراقية الممسوخة عنها، لم تتوقف حملة القمع الدامي الذي أصبح قدر العراقيين أينما كانوا على الناشطين المعادين ، بل شملت حتى عدد كبير من المثقفين الذين احتموا بصمتهم، لان الفاشية أينما كانت لا تتيح للمثقف أمان الحياد، بل وعلى النيات المحفوظة في الرؤوس، فهي باعتقادهم تحمل أخطار فكرية بعيدة عن مبدأ الإخلاص للقائد لا ترتضي بالصمت الذي تعتبره تورطا غير محايد، فهي كل ما تريده دمج المثقف في الجماعة وتهيج مشاعره القومية لتصطف مع الزعيم او الرئيس.