اي ثوابت مهنية تتحدث عنها " الجزيرة" التي جعلت حياة العراقيين خاطفين ورؤوسا مقطوعة؟

تقيم قناة " الجزيرة" الدنيا ولا تقعدها حول التزامها " الثوابت المهنية" في تغطيتها الخبرية وبخاصة في الشأن العراقي، وتؤكد بمناسبة او بدونها انها " تلتزم الحياد" في عرض مواقف اطراف الصراع وهو ما كررته في اليومين الماضيين بعد قرار الحكومة العراقية في اغلاق مكاتبها في بغداد وباقي مدن البلاد لشهر قابل للتجديد في حال عدم تقديمها ايضاحات حول نهج تغطيتها العراقية وبخاصة، علاقتها بنهج العنف والتحريض على السلطة العراقية الجديدة، و بثها المستمر والمتصاعد لمشاهد ارهابيين يقطعون رؤوسا، ويختطفون ابرياء من عرب واجانب يسهمون في مشاريع اقتصادية داخل العراق الذي اوصله النظام السابق الى مستويات قياسية من التخلف والإنحطاط، ويبتزون حكومات الرعايا المخطوفين لاحقا، فيتحول المشهد المشترك ما بين "الجزيرة" من جهة والقتلة والخاطفين من جهة اخرى، الى تحد حقيقي لمسار العراق الجديد، فاصرار القناة القطرية المتخصصة بعرض انشطة المتشددين الإسلاميين من بن لادن ومشتقاته على الترويج لعمليات الخطف والذبح وابتزاز الدول والشركات والأشخاص، عرّض صورة التغيير في العراق الى اختزال شديد القسوة والهمجية، فاصبح سيل صور الخاطفين والقتلة، ملمحا يكاد يغطي على كل حياة في العراق يجهد ابناؤه من اجل استعادتها في بلادهم .
" الثوابت المهنية " في الإعلام وحتى في اعرق التجارب الديمقراطية في العالم تستدعي احترام قيم الحياة والعدل وتدافع عنها، وتمتنع عن بث كل ما يحرض على القتل الشخصي والتصفية الجسدية، فيما تعتبر " الجزيرة" ذلك ايقاعا طبيعيا وامرا متداولا، فتقدم بكل" فخر واعتزاز" تهديدات الزرقاوي ومنوعاته من جماعات القتل والإرهاب داخل العراق لقتل رئيس الوزراء د. اياد علاوي، بينما تنقل حوادث اغتيال الشخصيات الحكومية العراقية وقيادات الشرطة بوصفها مؤشرا على " هشاشة" الوضع الأمني و" فشل" السلطة الجديدة في تحقيق الأمن للعراقيين، ودون ان تتوقف في تغطياتها لتلك الحوادث والعمليات عند الجانب الإجرامي لجهة الحاق خسائر كبرى بالعراقيين بينما ينجو الأميركيين التي تعتبر فضائية وزارة الخارجية القطرية تلك العمليات " مقاومة" ضدهم.
ردود الأفعال على قرار الحكومة العراقية الخاص باغلاق قناة " الجزيرة" تميزت بتهافت وهشاشة، ف" نقابة الصحفيين الفلسطيين" التي كانت اول " المستنكرين" للقرار " القمعي" العراقي دخلت على الخط دون ان تكون لها علاقة مباشرة بالموضوع، لاسيما انها لم تكن صاحبة موقف ما حيال قمع صدام وارهابه للصحفيين والكتاب العراقيين، كما انها اذا كانت " تدافع" عن حرية التعبير وحق الوصول الى المعلومات، كان عليها ان تقف الى جانب حق الصحفيين الفلسطيين في فضح فساد سلطتهم التي لم تتردد عن ضرب وزير الإعلام الفلسطيني السابق نبيل عمر بالرصاص لأنه تجاوز خطوط ياسر عرفات " الحمر" وتحدث عن " رؤوس فاسدة الحقت اذى كبيرا بقضية الوطن"، ودور كهذا اجدى للنقابة الفلسطينية من الدفاع عن جانب عراقي في عمل الفضائية القطرية، ولكن يبدو ان وجود عدد كبير من الإعلاميين الفلسطينيين المأسورين بعبقرية صدام في " الجزيرة" دعا النقابة الى هذا الموقف المثير للسخرية.
عراقيا انتقدت " هيئة علماء المسلمين" قرار اغلاق " الجزيرة" وهو امر مفهوم لهذه الهيئة التي يعتبر قياديوها ضيوفا دائميين للقناة القطرية، وبدون " فضل" تلك الإستضافة الدائمية ما كان للهيئة ان تنتشر اعلاميا وسياسيا، وتبدو لاعبا اساسيا في توفير الغطاء السياسي لعمليات ارهابية تسميها الهيئة " مقاومة". واذا كانت الهيئة تعتبر اغلاق مكاتب " الجزيرة" عملا ضد حرية الرأي وتقييدا للإعلام، فان ذلك يبدو مضحكا لجهة غياب اي اشارة في الخطاب السياسي للهيئة تؤكد احترام رأي الآخرين وافكارهم ومعتقداتهم او الإيمان بالعملية السياسية الديمقراطية.
ويبدو من الطبيعي ان تكرر "الجزيرة" نغمة التزامها " الثوابت المهنية " فيما خص تغطيتها العراقية، او ان يصرح الزملاء في مكاتبها داخل العراق عن " موقفهم الحيادي" الا ان الغريب ان ينبري مدير مكتبها في العاصمة الأردنية ياسر ابو هلالة للدفاع عن قناته والسخرية من قرار الحكومة العراقية، دون ان يسال نفسه مالذي كان سيكون موقفه لو بثت القناة شريطا من جماعة " مواطنه" الزرقاوي يدعو الى قتل رئيس الوزراء الأردني ضمن حملة الإرهابي، الذي وفّر له صدام مأوى بعد اغتيال ديبلوماسي اميركي في عمّان، على حكم الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وهل سيسخر من قرار حكومته باغلاق القناة، وهو ما كانت قررته قبل نحوعامين على خلفية " اساءة" مخففة للجزيرة تجاه عمّان. ويبدو ان ابو هلالة المفتون بالتشدد الإسلامي والمأسور بتمجيد " المقاومة العراقية "، عبر تحقيقه مؤخرا " برنامجا مميزا" عن الزرقاوي احضّر فيه من اضافوا على الإرهابي الأردني ملامح "الإيمان والجهاد والنزاهة"، اخرجه عن " الثوابت المهنية" التي يتحدث عنها كثيرا هو وقناته.


الكاتب اعلامي عراقي مقيم في الأردن