لم يكن التيار الصدري يوما حزبا منظما بل هو تيار أي أنه يضم الغث والسمين، والزبد وماينفع الناس، وليس من المعقول أن يحارب هذا التيار برمته، بأي ذريعة كانت، ويحق له بدلا من ذلك أن يكون له صوت ورأي في العراق الجديد.

صحيح أن السيد مقتدى الصدر يمثل اليوم الرمز الذي يلتف حوله هذا التيار، ولكن الواقع يقول بوجود قيادات مختلفة فيه، تتباين اجتهاداتها السياسية حول مايجري، ويجمعها الولاء المطلق للراحل الكبير الصدر الثاني قدس سره الشريف، وينقصها المرجعية،وليست هنا فقط دينية.

كذلك يؤكد الواقع أن هذا التيار قادر على تفريخ رموز وقيادات بديلة إذا قضي على القيادات الحالية، وهو يملك أيضا قيادات ظل عديدة، درست علوم الدين في الحوزة العلمية، وتمردت على التقاليد القديمة فيها، وإن محاربتها بعنف سيجعلها تلجأ الى التطرف المنبوذ، لترفض كل المرجعيات الراهنة، وتنتج لنفسها مرجعيات تحلل لها وتحرم، وبذلك ستصل الى البيئة الشيعية، عدوى التكفير الذي أصيبت بمرضه من قبل البيئة السنية (إن صح التعبير).

وخلافا لكل ماقيل ووجه من اتهامات لرموز بارزة في تيار الصدر، وأنهم من عملاء النظام البعثي السابق،فان الغالبية العظمى من قيادات هذا التيار، من المخلصين، والاسلاميين نهجا وفكرا وسلوكا، الا أن مايمزهم هو ردة الفعل السريعة إزاء الاستفزازات المفتعلة،والانجرار الى مايريده أعداؤهم، وذلك بالتأكيد سيجعلهم مكشوفين لتصفيتهم والقضاء عليهم.

ويحتاج قادة التيار الصدري الى غطاء من كبار المرجعيات الدينية، اذا كانوا يرغبون في مواصلة مقاومتهم للاحتلال، وهذا بالتأكيد لن يكون ممكنا في ظل الواقع الراهن، وإذن فان على قادة هذا التيار تغيير خطابهم السياسي، وتجنب الانجرار الى مواجهة غير متكافئة مع قوات الاحتلال، بل وتفادي التورط، في قتال مع الشرطة العراقية، لأن المخطط الذي يحاك ضدهم يريد ان تصبح المواجهة مع التيار الصدري عراقية – عراقية، وهو فخ ينبغي الحذر منه.

وأما الفاعليات الشيعية الأخرى في ايران ولبنان وغيرها وفي العراق خصوصا المشاركة أو المتعاونة مع ما أصبح يعرف بالقوات متعددة الجنسيات، فعليها أن تضع في ذاكرتها المثل المشهور وتطبيقاته العملية وهو " من حلقت لحية جارهن فليسكب الماء على لحيته"، وعليها أن تبادر الى التدخل ليس فقط لوقف النزف الشيعي في النجف الأشرف، بل على الأقل لتنفيذ وعودها وتحذيراتها السابقة حول تجاوز الخطوط الحمر، فقد انتهكت قدسية النجف، وحرمة أمير المؤمنين عليه السلام، ومعارك النجف تخلف مئات القتلى، وتنتقل الى باقي المدن العراقية.

خلاصة الكلام : يجب الاحتكام الى لغة الحوار مع التيار الصدري الذي يتعين على رموزه عدم الانجرار الى ردود انفعالية سريعة، وإن التهديد بطرد رجالاته الى خارج الحدود، واستخدام العنف معهم، ومواصلة التهجم عليهم ومحاربتهم لخنق أصواتهم، لن يفيد الا في زيادة حدة التطرف في صفوف هذا التيارالواسع والكبير، بما يسخن من الصراع الذي نحذر من أن يصبح بين العراقيين أنفسهم، ليأخذ في مرحلة تالية طابعا دينيا من شأنه أن يولد فكرا تكفيريا، نكون صنعناه بأيدينا، ولات ساعة مندم.

فهل من مذكر؟