لقد تطور موقف العصابات الصدرية، من شن الحرب في النجف والجنوب، إلى إعلان الانفصال الطائفي الموالي لإيران. ترى من عين هؤلاء الموظفين بدرجة محافظ ونائب محافظ؟ وهل ليس أبسط إجراء يجب اتخاذه أمام هذا العصيان الطائفي، ومحاولة فرض التقسيم، صدور قرارات عاجلة بعزل هؤلاء الموظفين الذين فقدوا كل حس وطني؟! وبينما يعلن مقتدى الصد ومعاونوه علنا عن تحدي القانون والحكومة، ويشعلون الحرب، ويعتدون على المراقد الدينية المقدسة، فإن مسؤولين كبارا في الدولة يهبون لنصرة قائد هذه المليشيا، التي تتكون من صداميين وضباط مخابرات إيرانية وجهلة مضللين عاطلين عن العمل مهووسين طائفيا. وبينما تتكشف يوميا دلائل جديدة على التدخل الإيراني لتخريب العراق، فإن مسؤولين في الدولة يسرعون للدفاع عن إيران علنا ومحاولة تبرئتها من جريمة التدخل التي تكلف أبناء شعبنا مئات من الضحايا في كل يوم. وفي حين تقوم القوات العراقية بمساعدة القوات متعددة الجنسيات بتوجيه ضربات ماحقة للبؤرة الإرهابية الصدرية، فإن مسؤولين بوزن السيد رئيس الجمهورية، الذي عرفناه ديمقراطيا ولبراليا ووطنيا صميما، يضم صوته لصوت الأحزاب الإسلامية التي تريد إنقاذ رقبة الصدر من جديد كما تم إنقاذه من قبل مرارا. ولكن مقابل ماذا!؟ مقابل " إلقاء هؤلاء للسلاح"، برغم إعلانهم مئات المرات أنهم لن يلقوا السلاح، وهم الذين انتهكوا الهدنة الهشة. إذن فلماذا هذه الدعوات التي تخدم الصدر ومناوراته، وتعطيه عمليا متنفسا لكي يضمد جراح جيشه الإيراني ويزيد سلاحه؟؟ ثم هل تستطيع القوات العراقية وحدها مواجهة حروب الإرهابيين في النجف والجنوب وبغداد وفي الفلوجة وغيرها؟ هل هذه القوات، وبرغم عزيمتها، قادرة لوحدها على القضاء على الإرهاب المتصاعد؟ ثم ألم يفر العديدون من الجنود والشرطة المدربين حديثا لصفوف الميليشيات الإرهابية في البصرة والفلوجة؟

قد يقول السيد رئيس الجمهورية الذي نحترمه كثيرا أن المهم وقف نزيف الدم العراقي. ولكن كيف نوقفه ما لم نقهر الذين يتعمدون نزفه في المدن العراقية وفي بغداد بالذات، ويواصلون تفجير أنابيب النفط؟ وكيف يمكن إجراء الانتخابات في موعدها لو استمرت جمهورية الطالبان الزرقاوية ـ الصدامية في الفلوجة، والجمهورية الصدرية الجديدة في "إقليم"الجنوب؟ وأية هيبة للحكم وللقانون تبقى عندما يعلن موظفون كبار في الدولة عن انضمامهم لصفوف الإرهابيين ولحد إعلان الانفصال عن الدولة والوطن؟ وما جدوى وجود حكومة يتحدى فيها وكيل وزارة وزراء هامين وسياسة الدولة، وحين تنضم الأحزاب الشيعية الممثلة في الحكم اللموقف الخاطئ الذي يخدم مشعلي الحرب الطائفية مع سبق الإصرار لأنهم يخدمون مخططا خارجيا مفضوحا. وقد نشرت الشرق الأوسط في عدد اليوم [ 11 آب ] تقريرا لعلي نور زادة عن اضطرار قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، العميد قاسم سليماني، بأن طهران تقدم التسهيلات للزرقاوي وعملياته الإرهابية في العراق. أما عن دعم "جيش المهدي" إيرانيا فإن الوقائع عنه أكثر من أن تعد. وسبق أن أشارت لها تقارير صحفية كثيرة ومقالات للعديد من الكتاب العراقيين والإيرانيين والعرب. ومع ذلك ينبري وكيل للخارجية لتكذيب الوزير الشعلان الذي قاله بلا مواربة وبلا مجاملة في العديد من تصريحاته الشجاعة. أما عن مكاتب الحرس و"فيلق القدس" في العراق، فقد سبق لنا أن قلنا إن في مدينة عراقية صغيرة واحدة كالنعمانية ستة مراكز لهذه القوات المدربة على التخريب والمحترفة للإرهاب والقتل المجاني.

لا ديمقراطية تسمح بانتهاك القانون لحد التسامح مع القتلة والمخربين، ولا ديمقراطية في العالم يمكن أن تسمح لقنوات فضائية بالدعاية للعمليات الإرهابية والتنسيق مع مدبريها. وأرجو ألا تثبط تصريحات بعض المسؤولين تصميم حكومة علاوي على المضي في المعالجة الحازمة لعصابات الإرهاب في النجف والجنوب واتباع الحزم الإداري مع الموظفين الذين ينضوون تحت راية الصدر أو الزرقاوي وصدام.

إن الحزم الذي مارسته الحكومة مؤخرا في التصدي لحرب مقتدى الصدر كان هو الموقف الصحيح الوحيد، فالمسؤول عن العنف ليست قوات التحالف ولا القوات العراقية، ولا يمكن وضع الطرفين المتضادين في كفة واحدة كما فمهنا من تصريحات كوفي عنان وممثله الجديد في العراق. فالأحرى بجميع المسؤولين العراقيين وكل الوطنيين والأمم المتحدة إدانة حروب الإرهاب ودعم كافة الإجراءات العراقية للقضاء عليه بدلا من توجيه نداءات طوباوية فضفاضة تضع عدو القانون والحق في كفة واحدة مع حكومة تدافع عن القانون وعن أمن المواطن وحياته وتضرب العصابات المسلحة التي تواصل نشر الموت وعرقلة البناء وتضع العقبات في وجه معالجة مشاكل الخدمات الحيوية.

إنني آمل من السيد رئيس الجمهورية بالذات، وهو المعروف بحكمته وبعد نظره، أن يسهر شخصيا على التضامن الحكومي كشرط لنجاح الحكومة. وأول معيار لنجاح الحكومة وأهم معيار هو القدرة على مواجهة حروب الإرهابيين بقوة وتصميم وحتى دحرهم ليتسنى للعراقيين التنفس أخيرا، وليمكن للأموال العراقية والخارجية أن تعمل في البناء، ولكي تنتهي ظاهرة الخطف وقطع الرؤوس لابتزاز الدول والشركات العاملة في العراق.