"- أوه كوستاريكا، سمعت عنها كثيرا ، لكن للأسف لم أزرها،- ولكن ياسيدي، أنا أحدثك عن العراق،- أوه نعم نعم، سمعت في نشرة الأخبار، ان الجو سيكون غائما غدا"، حوار طرشان من دون شك، ولكن ليس بالإمكان أفضل مما كان، فمن كوستاريكا الى الدانوب الأزرق الى مارادونا فجبار رشك، مرورا بحمدية صالح وجبار أبو الشربت فـ تيس أليوت وحضيري أبو عزيز، فالصدرية والدهانة وسوق مريدي، وصولا الى المقاومة ومجلس الحكم، فالمعارضة ومعارضة المعارضة، يتكشف المشهد العراقي في أتونه ورزاياه، في بلاياه وطلايبه التي لا تنتهي .
الخارق والمخروق
وزير الدفاع العراقي (( الشعلان)) يؤكد الخروقات الإيرانية، والتدخلات السافرة في الشأن العراقي، والسيد الحكيم يطالب بالتعوضات المالية لإيران عن سنوات الحرب الثمان، وجيش المهدي يطالب بفصل الجنوب عن العراق، وآل الجلبي يتعرضون لإصدار حكم قضائي بالقبض عليهم في قضايا تزوير وقتل.الموجة إنقلبت وصارت تتجه نحو الشيعة ، بعد أن كانت في الأسبوع المنصرم تركز جهودها نحو السلفية والزرقاوية والتصعيد باتجاه أهل السنة والجماعة.فيما يبقى توقيت إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد شاخصا، ليفتح المزيد من الأسئلة حول هذا التغير في توجيه الإتهامات.
آية الله السسيتاني يرقد في لندن للعلاج، والنجف تحترق في حرب طاحنة لا يمكن تيبن العدو الصديق فيها،ومدينة الثورة يمارس جيش المهدي فيها عمليات الكر والفر بإزاء المدرعات والدبابات الأمريكية، فيما يبقى المواطن العراقي يتلظى من دون حول أو قوة ، يتملى في هذا القدر الذي حل على أم رأسه، في نكبوية لم يعرفها التاريخ، إلا في أيام حرب الأخوين الأمين والمامون، والتي حولت بغداد الى أطلال ينعق على جدرانها البوم.
ضياع الوطن
في حرائق بغداد التي استعرت، صاح الناس هؤلاء الكويتيون جاؤا يخلصون ثاراتهم من العراقيين، فيما تنادى رأي آخر بأن الوهابيين جاؤا يذبحون الشيعة بإعتبارهم كفارا ومشركين، ولم يتردد آخرون من الحلف باغلظ الأيمان بأن سوريا البعثية تعمل على وأد الديمقراطية الناهضة في العراق الجديد والصقيل واللامع، لكن الخواتيم باتت تصب في المجرى الإيراني، هذا المتهم بكل الرزايا التي تحط بثقلها على العراق، بدءا بتصدير القامات والسيوف وليس إنتهاء بالترياق والحشيشة والأفيون. تداخلات وتزاحمات وتضادات ، لايعرف لها أول من آخر، الجلبي يتم إتهامه وهو في إيران، وياسبحان الله أن يتحول العلماني الليبرالي الهارفاردي، الى شيعي أصولي في غضون شهر أو ربما اكثر بقليل.ومن وسط هذه البلبلة والمعمعة لاتتردد إيران من التأكيد على الإستمرار في تنفيذ مشروعها لتخصيب اليورانيوم، ولا ندري متى ستتراجع، كحال كوريا الشمالية.
هل فشلت أمريكا في العراق، أم أن الأمر يتعلق بطبخة مدبرة، تقوم على إشعال الفتن والحروب الداخلية، بغية التفرغ لنهب الثروات العراقية، والتي نسمع الأهوال والأساطير عنها، من دون أن نتحسس منها شيئا.من ومتى ولماذا وكيف ووو،وهذا العراق المنكوب والمبتلى بالفزع والترويع والخوف وقنابر الهاون ولعلعة الكلا شنكوف والسيارات المفخخة، والعقليات الظلامية التي ظهرت على حين غرة، في العراق الذي كنا نتصوره متنورا متسامحا. ترى أين هو الرهان الحقيقي؟ في الإيمان بالشعب العراقي الذي(( قيل عنه))الكثير من المقولات حول ترجيحه العقل والرأي والدقة في التفكير، أم في هذا الذي نشهده ونراه، من ذبح وتقتيل وشهوة عارمة للتدمير والفناء، وإذا كنا مخطئين فمن هؤلاء؟ الذين تحرص الفضائيات العربية على نشر بشاعاتهم أمام الملأ العولمي، الى الحد الذي بات الآخر يشعر بالتقزز والقرف من هذه المشاهد، المستمدة من حكايات العصور الوسطى، حيث قطع الرأس والتلويح به أمام الناس والخلق.
في الوقت الذي تم التصعيد في الفلوجة أو سامراء أو الثورة والنجف، وحالات الإحتفاء بالتصدي والمقاومة ونبذ الأعداء الأميركان الذين جاؤا لتدنيس الأرض العراقية، كانت عمليات النهب الدقيق والحاذق والمنظم، للبنية الأساسية العراقية، فـ أعمدة الضغط العالي والسيارات الحديثة التي يتم السطو عليها في وضح النهار، صار يتم تهريبها الى مناطق الجوار (( وعلى عينك ياتاجر))، ولن نشعر بالصدمة أو المفاجأة إذا ما سمعنا في القريب العاجل عن تحويل مجرى دجلة أو الفرات. فالأمر لا يعني أحدا.والإنهمام اليوم معقود حول إبتهال الفرصة بالزعامةوشهوة الملك التي باتت تلمع في العيون، يراها حتى الطفل الصغير المرتجف في أحضان أمه، تراها المرأة العراقية التي أُشبعت خوفا وترهيبا وتحجيبا قسريا، يراها المواطن العراقي البسيط الذي يعاني من الجوع والحرمان والبطالة والفاقة والعوز.
حسنا لنفترض حسن النوايا، ولنقل بأن المقاومين يرفضون تدنيس أرض الوطن الطهور المقدسة، ألا تبا للإحتلال وسحقا له، ولكن يبقى السؤال المنطقي والأساسي قائما حول الدفاع والمقاومة عن من؟بعد أن عمدت الى تقطيع أوصال الوطن وتجزئته الى كومونات ومقاطعات متحاربة، تقاومون إنه أمر جميل ، ولكن ماذا تبقى من الوطن الذي تدّعون الدفاع عنه؟دافعوا وقاوموا والله من يقل غير ذلك فهو يجانب الحق والصواب، ولكن ليكن لديكم وطن أولاً!أليس كذلك؟

تورنتو