سبق وأن كتبنا مراراً أن جيش المهدي وزعيمه مقتدى الصدر هما صناعة إيرانية لتدمير العراق. وبمرور الزمن تفاقمت الأزمة ومعها تأكدت هذه الحقيقة أكثر فأكثر. والغريب أن المخدوعين من الصدريين وأيتام صدام والإيرانيين يتهمون كل من ينتقد دور إيران في هذا التخريب بالعمالة لأمريكا وإسرائيل. ولكن المؤسف هو أن هناك موقفاً انتهازياً للعديد من السياسيين والمثقفين الشيعة الذين نكن لهم الاحترام وهم في موقع المسؤولية في العراق اتخذوا موقف الشيطان الأخرس. فهؤلاء يغازلون الجانبين في آن. فهم من جهة حريصون على علاقتهم ومصالحهم المادية بالإدارة الأمريكية ومناصبهم في الحكومة العراقية، ومن جهة أخرى يدافعون بالسر والعلن عن إيران وجيش المهدي ومقتدى الصدر بدلاً من إدانتهم واتخاذ موقف واضح وحازم من الأزمة، غير مبالين بما يلحق بالشعب والوطن من أضرار.

لقد بات واضحاً لكل ذي بصيرة إن خروج مقتدى وعصاباته على القانون يضر بالمصلحة الوطنية ويهدد مستقبل العراق وبالتالي تحقيق أحلام النظامين السوري والإيراني ومنظمة القاعدة الإرهابية. فبدلاً من اتخاذ موقف حازم ضد هذا الأعمال الإجرامية الجنونية، نراهم يعلنون التعاطف مع أنصار مقتدى ويصفون خروجهم على القانون بالمقاومة ضد الاحتلال وأنه يجب عدم مقاتلتهم بل حل الأزمة سياسياً، وكأن الشرطة العراقية هي التي بدأت الصراع الدموي مع هذه العصابات المنفلتة، فيواصلون طرح السؤال: من الذي بدأ بخرق الهدنة؟ فمن نافلة القول أن حكومة أي بلد هي المسؤولة عن حفظ الأمن وليس من حق أية فئة الخروج على القانون. وليس هناك أي مجال للجدال في من بدأ بخرق الهدنة، إضافة إلى أن عصابات مقتدى هي التي بدأت في الإعتداء على مراكز الشرطة وعاثت بأمن المواطنين وتحاول الآن فرض منع التجول على سكان بغداد العاصمة ومنع الناس من الذهاب إلى أعمالهم بالقوة. كما وتقوم هذه العصابات بتفجير أنابيب النفط لوقف تصديره. لذا فهذه الأعمال ليست مقاومة ضد القوات الأجنبية بل الغرض منها إلحاق أشد الأضرار بالاقتصاد الوطني لشل الدولة. إن لم تكن هذه الأعمال تخريبية وضد المصلحة الوطنية، فما هو التخريب وما هي الخيانة الوطنية إذن؟ فمن السخف والهراء وضع هذه العصابات وقوات الأمن الحكومية في كفة واحدة والهاء الناس في جدل عقيم حول إبرام المصالحة بين الطرفين المتخاصمين ومعاملتهما كما لو كان الصراع بين دولتين!!

لقد منح رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي مقتدى الفرصة الذهبية قبل أيام عند إعلانه العفو العام وحتى حاول تبرئة مقتدى من الجرائم حيث ألقى اللوم على قوى شريرة لا علاقة لها به. كانت هذه المبادرة من قبل رئيس الوزراء عبارة عن حبل النجاة ليساعد به مقتدى الصدر في الخروج من مأزقه والحفاظ على ماء وجهه ومشاركته في العملية السياسية إن كان فعلاً حريصاً على المصلحة الوطنية. إلا إنه رفض هذا العرض وفوَّت الفرصة على نفسه وفسَّره علامة ضعف الحكومة لذلك تمادى في دعوة أنصاره بمواصلة الإجرام في سفك الدماء والعبث بأمن المواطنين.

كما وتصاعدت دعوات نشاز من عدد من المثقفين والسياسيين الشيعة يطالبون باستقلال المحافظات الجنوبية (الشيعية) عن العراق, وبرز هذا الطلب بشكل صارخ ومخز عندما "هدد نائب محافظ البصرة وممثل مكتب مقتدى الصدر في المحافظة سلام المالكي بانفصال محافظات البصرة والعمارة والناصرية، وإعلانها دولة مستقلة عن العراق إذا لم تستجب الحكومة المؤقتة لمطالبها بحل الأزمة في النجف بالطرق السلمية.... وفي نفس الصدد، أصدر مجلس محافظة ذي قار بيانا أشار فيه إلى إمكانية انضمام الناصرية إلى البصرة والعمارة في محاولة لتوحيد إقليم الجنوب...". (راديو سوا، في 10/8/2004).

قد تبدو هذه النداءات نكتة مضحكة مبكية، فشر البلية ما يضحك، إلا إنها تكشف أن الطائفية هي السبب الأساسي وراء كل هذه الصراعات الدموية وعلى حساب الوطنية وصار هؤلاء لا يفكرون بالمصلحة الوطنية بل أصيبوا بالهستيريا الطائفية الجنونية. والسؤال هو من الذي وضع هؤلاء في موقع المسؤولية؟ ولماذا لا يحاسبون ويضعون وراء القضبان بدلاً من تركهم في موقع المسؤولية لمواصلة المزيد من التخريب؟

ما العمل؟

العراق على مفترق الطرق، فإما الطائفية ومعها الدمار الشامل أو الوطنية لتحقيق النجاح الكامل. والوضع لا يتحمل التساهل مع المخربين ولا أنصاف الحلول كما حصل في هدنة الفلوجة. دعونا عن التلاعب بالألفاظ حول الحل السياسي، فجميع المحاولات السياسية قد فشلت مع هؤلاء وانتهى وقتها والدعوة للحلول السياسية بعد كل هذه الكوارث هي كلمات حق يراد بها باطل. فجماعة مقتدى لا يعترفون بالحل السياسي ولا يريدونه، لأن ما يجري هو مؤامرة إيرانية-سورية بالتحالف مع منظمة القاعدة الإرهابية، لتدمير العراق مستغلين تعقيدات الوضع المتشابك والبلبلة الفكرية السائدة على عقول الكثيرين من العراقيين نتيجة للانهيار الفكري والاخلاقي خلال 34 عاماً من حكم الفاشية. إن واجهة هذه الجرائم هي طرد قوات الاحتلال أما الغاية فهي تدمير العراق لتحقيق أحلام سوريا وإيران. وما جيش المهدي إلا الأداة الطيعة غير الواعية لتنفيذ المهمة القذرة. فلو تحقق هذا المخطط الإجرامي، فسيتمزق العراق إلى ثلاثة كانتونات غارقة بالدماء: الإقليم الشيعي تحت الإحتلال الإيراني بحجة حماية العتبات المقدسة التي يدعون ملكيتها!!، والمثلث السني تحت الاحتلال السوري وأجزاء منه للأردن. أما إقليم كردستان فتقسم بين إيران وتركيا وهكذا سيختفي العراق كدولة.

لقد ملّ الشعب العراقي من فقدان الأمن والاستقرار بسبب هؤلاء المجرمين. فكل ما يريده الشعب من رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي وأعضاء حكومته هو الأمن لمواصلة العيش بسلام. وهذه فرصته ليثبت للشعب أنه يستطيع أن يوفر لهم ذلك. فإن نحج في هذا الاختبار فسوف يكسب ثقة الشعب به كقائد سياسي أنجبته الأحداث التاريخية الصاخبة لقيادة السفينة العراقية إلى ساحل الأمان. وإن فشل فسوف يخسر ونخسر معه جميعاً. ولحسن الحظ، ولحد كتابة هذه السطور، يبدو إن الدكتور علاوي وفريقه قد أثبتوا أنهم جديرون بالمسؤولية ونحن ننتظر. وهذا يعني يجب مواصلة سحق الإرهاب بلا رحمة حتى إخماد أنفاسه.

لذلك أحذر المسؤولين من مغبة أي تساهل مع الخارجين على القانون. لقد انتهى وقت المفاوضات والحلول السياسية، فهؤلاء لا يعرفون غير لغة القوة التي عوَّدهم عليها صدام حسين. الديمقراطية لا تعني التساهل مع التمرد المسلح. فأما الولاء للطائفية وينتهي العراق كدولة أو الولاء للوطنية العراقية لينهض من تحت الركام ويواصل مسيرته الحضارية في بناء دولته العصرية الديمقراطية المسالمة والمزدهرة.

http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliq.html