مجلس الامن القومي العراقي يرأسه المستشار الدكتور موفق الربيعي القيادي السابق في حزب الدعوة الاسلامية، والمؤسس لـ"اعلان الشيعة" ومن منا لايذكره، أصدر بيانا وصف فيه أتباع جيش المهدي بـ"المجرمين" و" الزمر الخارجة عن القانون" و"العصابات المسلحة" واتهمهم بـارتكاب" عمليات القتل و الترويع ضد المواطنين" ...و "انتهاك الأعراض والحرمات " في النجف الأشرف.

البيان وبعد ديباجة "عراقية " مألوفة قال "ونتيجة لهذه الأعمال الإجرامية و التخريبية قررت حكومتكم الوطنية الضرب بيد من حديد على أيدي هذه الزمر الخائبة التي تريد العبث بمصير الشعب و الوطن". والمهم جدا في البيان أن الحرس الوطني و الجيش " الباسل " والشرطة العراقية بالتعاون مع العشائر "الأبية" و "القوى السياسية العراقية الوطنية " سيقوم " بإعادة النظام و القانون في كل المناطق التي تقوم فيها هذه الزمر بأعمالها الإجرامية وستقوم بتلقين هؤلاء المجرمين الدروس التي يستحقها كل خارج عن القانون".

هذا البيان يصدر والنجف الأشرف تحترق، والبيت الشيعي ( أصبح المجلس السياسي الشيعي) الذي كان السيد موفق الربيعي من دعائمه وركائزه، يشير بأصابع الاتهام الى مستشار الأمن القومي بانه رفض أو عرقل مهمة وساطة جديدة لانهاء أزمة المدينة المقدسة ووقف النزف المستمر في دماء العراقيين.

كان الواحد منا تعود في ظل النظام السابق أن يرى استخدام الجيش وقوى الأمن الداخلي، وبالتعاون مع العشائر"الأبية" في مهمات قمع للعراقيين، وصفوا بالغوغاء والمجرمين وقطاع الطرق وبأوصاف رديفة لماجاء في بيان مجلس الأمن القومي في العراق الجديد .طبعا لم نكن نسمع آنذاك عن مشاركة " القوى السياسية العراقية الوطنية " في القتل والتدمير، لأنها كانت تقاتل نظام الحزب الواحد في عراق صدام حسين من أجل إقامة عراق فدرالي ديمقراطي يحترم حرية التعبير ويفسح مكانا للرأي الآخر.

ونعلم أن حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، والحزب الشيوعي العراقي، والحزب الاسلامي،وحركة الوفاق الوطني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني،هي كبرى القوى الوطنية السياسية المشاركة في الحكومة المؤقتة التي آلت على نفسها العمل من أجل القضاء على "هذه الزمر" أو " الأوغاد " والمشعوذين" كما وصفهم السيد وزير الدفاع حازم الشعلان، ولاننسى شخصيات معروفة مشاركة ، وأخرى حليفة كالمؤتمر الوطني العراقي الذي تصدر أوامر باغلاق مكاتبه في نفس الوقت الذي يطلق مجلس الأمن القومي هذا البيان، مايطرح سؤالا عن موقف هذه القوى الحقيقي مما يجري وهل هي بالفعل موافقة على هذه الطريقة "العراقية" من الحل لأزمة داخلية أحد أطرافها تيار عريض كان في النظام السابق أيضا يوصف بهذه الأوصاف.

بعض هذه القوى أو رموزها انتقد على استحياء طريقة الحل العسكري، كالدكتور ابراهيم الجعفري ولا أدري ماذا يفعل نائب رئيس العراق الجديد، في لندن، في هذا الظرف العصيب. البعض الآخر وهو قليل قليل كالدكتور أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني المهدد بالاعتقال وربما التصفية الجسدية، ندد واستنكر وقرر العودة الى بغداد ومواصلة العمل لانهاء هذه الأزمة سياسيا رغم كل ما تحمله عودته من مخاطر. وأما مراجع الدين فلم نر منهم موقفا رادعا ينهي حمام الدم ، ليتركوا بذلك السجال مفتوحا على مصراعيه بمايثيرتساؤلات وشكوكا تضر بصدقيتهم وصورتهم المشرقة.

ويحق للمرء ان يتساءل والنجف تحترق مهمها تكن الأسباب : أين هم مراجع النجف وكربلاء والكاظمية وقم ومشهد ولبنان وأفغانستان، بل أين هم باقي علماء الدين"السنة" ومنظمات حقوق الانسان، وأين هي الامم المتحدة التي سارع أمينها العام في أول لقاء له مع الجلبي بعد سقوط صدام ليسأله بقلق عن " اجتثاث البعث"؟ فهل الاجتثاث حلال مع هذه " الزمر " وحرام مع تلك؟.

ولماذا لاتنسحب " القوى السياسية الوطنية" من التحالف الهش في الحكم الجديد اذا كانت تزعم فعلا أنها غير راضية عما يجري، وهل الاكتفاء بتوجيه النقد، بينما الطائرات والدبابات تقصف النجف، يأتي للتأكيد فقط على أن العراق الجديد يمارس ديمقراطية الرأي والرأي الآخر كما يحلو للدكتور الجعفري أن يصف العملية السياسية في العراق الجديد؟.

وهل هي ديمقراطية الضرب من حديد ، في العراق الجديد؟

***

وما من كاتب إلا سيفنى ويُبقي الدهر ماكتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه