نجحت الادارة الامريكية بعد جهود مكثفة فى استصدار قرار من مجلس الامن يتوعد الحكومة السودانية ان هى لم تضع حدا لاعمال العنف التى يشهدها اقليم دارفور خلال ثلاثين يوما، ان تتعرض لعقوبات صارمة.. جاء هذا القرار بعد مباحثات ثنائية على المستوى الدولى بين واشنطن والعديد من العواصم الاوروبية والعربية دارت فى مجملها حول اتهام حكومة الخرطوم بالتقاعس عن تنفيذ ما وعدت به وزير الخارجية كولين باول وامين عام الامم المتحدة كوفى عنان قبل نهاية شهر يونية الماضى. وبينما يشير الخبراء الى ان قرار مجلس الامن الدولى جاء هذه المرة على غير هوى الادارة الامريكية، يؤكدون انه سيأتى بعد اقل من شهر ممهدا الطريق لعمل ما تتراوح فاعلياته بين حصار وفرض عقوبات اقتصادية وبين انزال قوات اجنبية فوق التراب السوادنى.
وحينما يعلن الامين العام للامم المتحدة ان لدية ما يشير الى فهم واستيعاب حكومة الخرطوم للرسالة التى حملها اليها قرار مجلس الامن " بانهم سيتحملون العواقب ان لم يمتثلوا "، نستشعر ان وراء الاكمة ما ورائها خاصة بعد ان افردت وسائل الاعلام مساحات كبيرة لايضاح ابعاد الصورة التى ترتب امريكا اوضاعها وتدعمها الحكومة البريطانية ( المستعدة منذ حوالى اسبوعين لارسال خمسة آلآف من جنودها للمساهمة فى ضبط الاوضاع فى دارفور ) وجانب من اعضاء دول الاتحاد الاوربى.. ويزداد لدينا اليقين ان التكتيك الذى تمارسه حكومة الخرطوم لمواجهة ازمة دارفور - سواء كانت مصطنعة ام حقيقية – لم يعد ذا نفع لان مضمونه يشبه الى حد كبير التكتيك الذى مارسته حكومة العراق وقاد فى نهاية المطاف الى الحالة المتردية التى يعانى منها الشعب العراقى منذ اكثر من عام.. وتتأكد المخاوف عندما نربط بين الجهد الامريكى المكثف وقرار مجلس الامن من ناحية واعادة انتشار القوات الفرنسية المتواجدة فوق الاراضى التشادية منذ عام 1986 على الحدود بين السودان وتشاد من ناحية اخرى !!.
الادارة الامريكية الحالية والقادمة سواء ظلت جمهورية او نقل الصوت الانتخابى مسئوليتها الى الحزب الديموقراطى، لن ترضى بغير التدخل فى الشأن السودانى عن قرب او عن بعد طالما ان ادواتها الدبلوماسية والاعلامية تملك ان تنقل الى العالم الخارجى فشل الحكومة السودانية المتنامى تجاه حل المشكلة الانسانية التى يعانى منها انباء هذا الاقليم المنكوب.. وطالما انها تستطيع ان توقع المسئولين السودانيين فى فخ استمرار تردى الاوضاع وتفاقم الازمة.. وطالما ان وكالات الانباء تحمل للعالم كل يوم اخبار متجددة عن النزوح الجماعى والقتل والاغتصاب والترويع والمعاناة التى تمتد آثارها الى دول الجور بشهادة وكالات الغوث الاقليمية والدولية..
مشكلة دارفور طغت خلال بضعة اسابيع فقط على كافة الاخبار الاكثر دموية فى العراق وفلسطين والتى يتعمد الاعلام العالمى ان يحملها الى اركان الدنيا.. انسانية واشنطن ولندن تقف الى جانب الشعب السودانى هناك وتتناسى الشعبين العراقى والفلسطينى.. انسانية واشنطن ولندن تتعامى عن مآسى من صنع ايديهما وتصور للعالم ان مشكلة دارفور الداخلية مصدر تهديد للسلم والامن العالميين.. انسانية واشنطن ولندن تعمل على تضخيم مشكلة دارفور لاسباب ليست انسانية وتتعمد التغاضى عن مشاكل اخرى عربية واسلامية لاذلال العرب والمسلمين انسانيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا..
تكتيك الحكومة السودانية يساهم فى اشعال الحريق داخل بيتها ويحرث ارضها لتلغيم ونسف البقية الباقية من امنها واستقرار شعبها.. لن يجدى مع الادارة الامريكية ولا مع حكومة بريطانيا التسويف والشجب والتهديد بمقابلة الغزو بالمقاومة، انسب ما يمكن ان تقوم به بدلا من استدعاء سفراء الدول االاوربية الى مبنى وزارة الخارجية السودانية للاعلان عن رفض دعوة الاتحاد الاوربى لفرض عقوبات عليها :
1 – ان تبين للعالم بمصداقية وشفافية الخطوات الجادة التى اقدمت عليها لوضع حد لعمليات النهب والتدمير التى تقوم بها ميليشيات الجنجاويد التابعة لها، وان تظهر جدية معترف بها لتقديم المعتدين منهم لمحاكمة حقيقية وان تنفذ فيهم الاحكام التى تصدر ضدهم وان تضع نهاية لنشاطاتهم يتحقق من ورائها نتائج ملموسة.
2 – ان تدعو الى تشكيل لجنة من حكماء افريقيا لزيارة المنطقة والقيام بدور كبار مشايخ القبائل المسموع كلمتهم، وان تبدى استعدادا لقبول ما سوف يقترحه اعضاؤها من خطوات عملية يوكل اليها تنفيذها.
3 – ان تسعى الى تشكيل لجنة من المنظمات الاقليمية صاحبة المصلحة فى استقرار الشأن السودانى لمراقبة ومتابعة الاعمال التى تعهدت بالقيام بها سواء لشخصيات عالمية اواقليمية او ستتعهد القيام بها فى ضوء ما سوف تتمخض عنه زيارة حكماء القارة الافريقية.
4 – ان تعلن بصدق وشفافية عن قطع كل علاقة وصلة لها بميليشيات الجنجاويد هذه وتحدد لها اقصر فترة زمنية ممكنه لالقاء ما فى حوزة افرادها من اسلحة وتهدد بالاستعانة بقوات افريقية لمحاربتها ان لم تستجب لمثل هذا المطلب.
الاصرار على التسويف والمماطلة والاحتجاج بان الوقت لا يتسع للاستجابة لكل المطالب التى تنادى بها واشنطن وترددها بريطانيا ويدعمها الاتحاد الاوربى لن ينفع فى ابعاد الحكومتين الامريكية والبريطانية عن اقليم دارفور الذى اصبح يمثل ثمرة قريبة النضج والقطاف.. رفض التدخل الاجنبى واعلان الحق فى المقاومة لن يقضى على اخطاء حكومة الخرطوم التى تحسن كل من واشنطن ولندن استخدامها لشحن القوى الفاعله على مستوى العالم ضدها ( حكومة الخرطوم ) والتى يقولون للآخرين انها تجردت من انسانيتها ودليلهم على ذلك ما يجرى هناك.. الادعاء بان هناك اصابع اجنبية تحرك الازمة وتشعل نيرانها كلما خمدت لا يجد من يستمع اليه خصوصا وان المسئولين لم يقدموا حتى الآن ادلة قاطعة عليه.. الترويج بان قلة من الاراضى الدارفورية هى التى تعانى من القلاقل وان الاستقرار يعم الآن معظم اراضى الاقليم بلا سند من شهادة خارجية امر لا يعكس الا الفشل وما هو الا ادعاء لا يجذب اليه آذان احد بل يشكل مادة خصبة للاطراف الاخرى لتزيد من ضغطها الفردى والجماعى فى الاتجاه الذى ترى انه سيؤدى الى تحقيق اهدافها.
قرار مجلس الامن الذى صدر الاسبوع الماضى سيف مسلط على رقبة الخرطوم لان العالم كله يراقب سلوكياتها.. وان لم تسارع هى بتغيير تكتيكها لمعالجة ازمة دارفور ستعطى لاكثر من طرف داخلى وخارجى بعضا من الحبل الذى سيضيق الخناق حولها !!.
الكاتباستشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
التعليقات