منذ فترة كتبت الحلقة الأولى من سلسلة " اللصقراطية الصحفية " وتحدثت فيها عن مؤسسة لصوص الصحافة والتي يستولي أعضاؤها من " الزملاء" الأشاوس في الصحافة العربية على أخبار هنا وهناك دون أن يتعبوا ويكلّفوا أنفسهم بتقديم خلفية خبرية من أرشيفهم أو تحليل صحفي خاص.

في هذه الحلقة، أفرغ شحنة غضب في داخلي من الأنباء الموثقة المتراكمة على مكتبي عن صحافيين بات همهم مزاحمة رفاقهم وزملائهم على لقمة العيش وذلك إما بشكل مباشر أو غير مباشر. صحيح ان حرية الصحافة ضرورة هامة لنهوض المجتمعات، ولكن حرية الصحافة أكبر من بعض الزملاء ولا تصلح لهم لأنه مهما كان رداء حرية الصحافة كبيرا فلن يستر عوراتهم الصحفية غير الأخلاقية التي تصل إلى حد محاولة مزاحمة زميل على رغيف خبزه الذي يحصل عليه بعرق جبينه وبقلمه الحر والذي لا يضخ حبرا فاسدا وساما.

في بريطانيا، والتي هي مملكة الصحافة شئنا أم أبينا، يكون الصحافي عرضة للحساب ليس بسبب مقال كتبه أو رأي أبداه وإنما بدواعي خجل الزملاء في بريطانيا من تصرفاته المشينة والتي قد تكون مثلا سرقة تقرير من صحافة اميركية ووضعه في "الجارديان" ليجري بعدها محاسبة زميل آخر اقترب من التقرير قليلا.يفر الصحافي الأول بجريمته النكراء ولكن لتكون النقابة الحرة المتحررة من الملكة ومن الأمير ومن بلير – لتكون في وجهه – وهذا لا نراه في عالمنا العربي.

عندما أكتب خبرا أذكر مبادئ مارك توين ( وهو صحافي بارز عرفناه روائيا عبر كتب مترجمة ) وهي مبادئ كتابة الخبر الصحافي : " الأقل تصنعا، والأقل جهدا، والأوضح، والأفضل شكلا وصياغة وتنفيذا وإنجازا ". ماذا فعل بعض زملائنا الأغرار؟ لقد كتبوا خبرا - ولكن كان : " الأكثر تصنعا، وبلا جهد بحثي وتنقيب تحريري، ومسروقا بالكامل دون صياغة جيدة بوضع النقطة بدلا من الفاصلة وفيه رائحة خبيثة من خلال كلمة ما ".

ببساطة تحول قلم هؤلاء إلى ساطور يدق عنق زملاء أبرياء، ويتسببون لهم بالمشاكل فيظهر الصحافي البريء مجرما ومذنبا ولصا ويبقى الصحافي اللص شهما وطيب الأعراق الصحفية. يمكن القول، وببساطة، إن مزاحمة زميل على لقمة عيشه عنوة عنه وبأساليب خسيسة يحوّل أخلاق العمل الصحافي إلى أخلاق عصابة. مرحبا بالمنافسة الشريفة والجدية والتزاحم على الخبر والسبق بطرق أخلاقية وليس عبر منطق العصابات لأنه في النهاية يمكن للقارئ أن يلاحظ القلم النظيف ويحبه.