تصرفات غريبة، وأساليب أغرب وأعجب تلك التي تلجأ إليها السلطات السورية أمنيا وسياسيا وإعلاميا وحتى دبلوماسيا !! في مطاردة وتقصي ومحاولة طمر أنباء وأخبار الضابط العربي السوري المختفي منذ عام 1970 السيد فرحان الزعبي الذي أسر في الأردن في أيلول / سبتمبر 1970 ثم سلمته السلطات الأردنية لنظيرتها السورية عام 1974 وحيث أعتقل منذ تلك الفترة وإنقطعت أخباره بالكامل عن أهله وذويه وعن العالم أجمع وظل ملفه حبيس الأدراج السرية الإستخبارية السورية حتى وقت قريب قبل أن يميط اللثام عنه المناضلون السوريون في المجلس الوطني السوري للعدالة والمصالحة ونتيجة لجهود ذاتية محضة وشجاعة وإستبسالية وحيث سمحت لنفسي بالتدخل في القضية والمساهمة البسيطة الإعلامية في تركيز الأضواء عليها ومتابعتها رغم أنني عراقي ولست بسوري! وذلك لإيماني المطلق بمبدأ التضامن الإنساني والوقوف ضد الظلم أيا كانت مصادره ومرجعياته، فكيف إذا كان المظلوم من أبناء الشعب السوري الشقيق الذي تقاسمنا وإياه كسرة الخبز وفتح صدره وقلبه لإستقبالنا أيام محنتنا ضد الفاشية البعثية السوداء وحيث عرفنا وعلى الواقع وتلمسنا معاناة السوريين من فاشية وإرهاب وتسلط ووحشية نظامهم البعثي الشبيه بالنظام النافق في بغداد مع إختلافات بسيطة في الرتوش والماكياج وبعض الإكسسوارات التزينية التي لاتستطيع إخفاء البشاعة الفاشية الطائفية المغلفة بالطلاء القومي والشعارات التضليلية المضحكة والمكشوفة!، ومبعث العجب في تصرفات النظام السوري تتمثل في مطاردتها لمقالاتي البسيطة عبر القنوات الدبلوماسية بهدف حجبها ومنعها والتعتيم عليها!! وهي مسألة صبيانية مضحكة وتعبر عن حقيقة الخواء الفكري والسياسي والرعب القاتل الذي ينتاب أجهزة دولة بوليسية وأمنية وإستخبارية تقمع الملايين وتنتهك الحريات وتحتل قواتها دولة مجاورة وشقيقة بينما تخاف من كلمات بسيطة لإنسان بسيط يدافع عن قضية إنسانية عادلة لإنسان مظلوم ومغيب يقبع في سجون الطغاة منذ أكثر من ثلاثين عاما تحطمت خلاله حياته وحياة أسرته ودون محاكمة قانونية معلومة أو تهمة مقنعة سوى ملفات مبهمة لانرى داعيا للتعتيم عليها بعد كل تلك السنين الطوال، وتتلخص قضيتي مع النظام السوري الخائف من أضواء الحقيقة في قيام السفارة السورية في دولة الكويت بالتحرك عبر القنوات الدبلوماسية لمنع نشر مقالاتي حول الضابط السوري المغيب فرحان الزعبي في وسائل الإعلام الكويتية المقروءة عربيا وحيث دأبت على نشر بعض مقالاتي في إحدى الصحف الكويتية لأفاجأ بمعرفة أن مقالاتي التي تشير لقضية السيد الزعبي لاتجد طريقها للنشر؟؟ ولما إستفسرت عن السبب عرفت بأن السفارة السورية في دولة الكويت قد إتصلت بالخارجية الكويتية مشددة على عدم التعاطي مع قضية فرحان الزعبي؟؟ وبرغم الحرية الواسعة المعروفة للإعلام الكويتي إلا أن هنالك ضوابطا تحدد التعامل الدقيق وبشكل لايضر بالعلاقات مع الدول الصديقة!! وهي مسألة أقدرها وأحترمها وأضع لها حسابا في موازين الكتابة! ولكن العجيب أن السلطات السورية لم تتدخل بشكل حاسم إلا لإيقاف الحديث عن قضية الضابط السوري المغيب فرحان الزعبي وهي قضية لاتخل من سيادة وأمن الدولة السورية إطلاقا بل أنها قضية رأي عام وحريات إنسانية تعلو فوق سيادة الأنظمة كما يفترض! ولاأعتقد بإن الصراع ضد ( الصهيونية والإستعمار والإمبريالية)! له علاقة بالدفاع عن قضايا المظلومين والمغيبين؟ والواقع إن في قضية الضابط فرحان الزعبي إشكالات وإحراجات عديدة لايريد النظام السوري طرحها على الملأ؟ لابل إننا علمنا بإن الأجهزة الإستخبارية للنظام أخذت تساوم عائلة الضابط المغيب وتدعي عدم معرفتها بمصيره ومآله تمهيدا للإفلات من شرنقة الورطة الموضوعية والمادية والقانونية لذلك الملف الشائك وإمعانا في التموية وخلط الأوراق وتمييع القضية وهي وسائل معروفة لدى أنظمتنا العربية ومشخصة جيدا وبشكل دقيق، رغم توفر كافة القرائن والأدله الوثائقية التي تثبت وجود السيد فرحان الزعبي حيا حتى صيف عام 1999!! لتنقطع أخباره بعد ذلك عن العالم وليدخل في دائرة النسيان المطبق ومانريده من النظام السوري الخبير في وسائل التغييب والإرهاب والتصفيات الجماعية كعدوه اللدود السابق النظام العراقي أمرا بسيطا وغير مكلفا ولايخل بأي مظهر من مظاهر السيادة الفارغة وهو تقرير مصير السيد فرحان الزعبي، فإن كان حيا يطلق سراحه مع التعويض الكامل له ولأسرته رغم أن أي تعويض لن يعادل مظلومية ومعاناة يوم واحد من الإعتقال التعسفي، فكيف بأثمان ثلاثة عقود!!؟، وإن كان شهيدا يسلم جثمانه لذويه مع التعويضات القانونية المناسبة وإغلاق الملف القانوني والإنساني وكما ترون فإن المطالبات بسيطة وقانونية ومشروعة ولاتتطلب من السلطات السورية كل هذا التكتم والمطاردات الإستخبارية والدبلوماسية ومحاولة تكميم أفواه المتسائلين وكسر أقلام المحتجين، والتعتيم على الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة للمغيبين ظلما وعدوانا، وقضية السيد الضابط المغيب فرحان الزعبي تفضح وتكشف ملف الإنتهاكات الإنسانية الفظيعة لأنظمة الموت والطائفية والحزبية ومدى عنادها وتجبرها في الرضوخ لأصوات الحق والعدالة، فبرغم إنكشاف كل الملفات لم تزل السلطات تسخر كل إمكانات الدولة والنظام لمنع الحقيقة من الإنتشار؟ فماذا يحصل حقيقة ضد الآلاف ممن لم يتسن لأحد الإطلاع على ملفاتهم ومعاناتهم ومصائرهم ؟؟ ويقينا أن السيد فرحان الزعبي ليس حالة منفردة بل أن هنالك حالات عديدة مشابهة له ولكن إنكشاف ملف الزعبي قد أكد حقيقة أن هذا الضابط قد تفوقت قضيته في المعاناة على أبشع قضية إنتهاك إنسانية شهدها العالم خلال العقود الأخيرة ممثلة في موضوعة معتقلي سجن ( تازمامارت الصحراوي المغربي الشهير) والذي كان موجودا وبشكل سري خلال الفترة الواقعة بين عامي 1973 و 1991 والمخصص لإستيعاب معتقلي بعض المتورطين في محاولتي إنقلاب ( قصر الصخيرات ) عام 1971 ومحاولة إسقاط الطائرة الملكية المغربية عام 1972 وحيث

دخل 58 معتقلا حيا لذلك السجن المرعب المظلم في صيف 1973 ولم يخرج منه في خريف 1991 إلا 28 معتقلا كانوا يمشون على أربع وبوضعية إنسانية مزرية ومرعبة حيث عاشوا لأكثر من ثمانية عشر عاما في ظلام دامس ومقبورين في زنازين مظلمة ضيقة وكانت واحدة من أبشع التجارب الإنسانية في العصر الحديث وقد إعترف النظام الملكي المغربي إعترافا رسميا وشجاعا وشفافا بتلك الإنتهاكات الشنيعة وتم تعويض بعض المتضررين فيما لاتزال مطالبات أخرى ينظر فيها القانون ولكن الخلاصة الأهم هي أن عقدة ( تازمامارت) الشنيعة قد تجاوزتها الدولة المغربية دون أن تغمط حق الذكرى والعبرة فلقد أتحفت المكتبة العربية والفرنسية أيضا بكتب ومؤلفات مهمة عن وقائع سنوات الدم والعذاب والرصاص خلال عقد السبعينيات المغربي والذي أدى في المحصلة لتحولات مستقبلية عميقة لم تبلغ درجة الكمال بالقطع ولكنها خطوة مهمة على طريق حل المسائل العالقة سلميا والوصول لحالة من التوافق السياسي والإجتماعي وإرساء الأسس الدستورية والقانونية لمجتمع أكثر تحضرا وأشد إلتزاما بموازين العدالة ضمن إطار الممكن والمتناسب مع الوضعية الإجتماعية والسياسية للمجتمع المغربي، وهي عملية معقدة وليست سهلة بالمرة وتتطلب التنازلات من مختلف الفرقاء من القمة وحتى القاعدة.. ولكن مع إستمرارية الغموض الذي يلف قضية السيد فرحان الزعبي ربما تكون تجربة تازمامارت المغربية المرعبة مجرد لعب أطفال بالنسبة لمعتقلات النظام السوري السرية والإستخبارية الرهيبة بفروعها المتعددة الأسماء والتسميات والأرقام !... لقد حانت لحظة الحقيقة ولن يستطيع أي نظام عربي مهما تفرعن وملك من وسائل السلطة المطلقة ومن أدوات القهر أن يحجب أضواء الحقيقة أو يمنع أشعة الشمس من التسلل لتغسل وتطهر بلادنا العربية من أدران الفاشية وتجار الموت، وأعتقد في أن تجربة ومصير النظام العراقي البائد تختصر كل الأحاديث والتكهنات، فقد تحول فراعنة البعث العراقي في لحظات التاريخ الحاسمة لجرذان خائفة تلتمس الأمان وتنتظر المصير المعروف !، فكم من الحفر القومية يحتاج العالم العربي لكي يستعيد توازنه المفقود؟

وقضية الضابط السوري المغيب فرحان الزعبي ستستمر في التفاعل حتى معرفة المصير النهائي وكل التهديدات الرسمية لاتعدو أن تكون سوى ( عفطة عنز )!. فإنتبهوا ياأولي الألباب!.

[email protected]