في "صولة" مباركة، انقضت هاونات مقاومة "الجزيرة" و"العربية" و"العالم" وكل زبالات الأرض على قلب بغداد الجميل فاردت الأطفال والشيوخ، واحرقت الحرث والنسل..

أهم أشاوس صدام، أم الصدر، أم الزرقاوي أم غيرهم ؟ لا فرق.. مادام القتلى أطفالنا وأخواننا واباؤنا وشارع الرشيد، والحيدرخانة، ومقهى أم كلثوم، ومكتبات المتنبي، وحسن عجمي، وكباب الإخلاص، وسوق الصفافير، وسوق الهرج، والخياطين والروافين والاسكافيين، وتاريخ صبانا كله واحلامنا التي كانت كبيرة يوما واختزلت الى ساعة أمان على ضفاف دجلة..

انها "معركة بغداد الكبرى" كما يدعوها عميان البصر والبصائر.. معركة الأقتصاص من أهلها بسنتها وشعيتها، ومسيحييها وصابئتها، وعربها واكرادها وأثورييها وكلدانها وأرمنها، ومؤمنيها وملحديها، ومصليها وسكيريها.. أ انتقاما لضرب رمزالأمة المقبور بالأحذية؟ ربما.. وربما لاصرار البغداديين على الحياة رغم كل هاوناتهم وسياراتهم المفخخة، وبياناتهم الكوميدية ورقاب الأبرياء المنحورة، وجعير أمراء الحرب الجدد اليومي، واطنان السم الاعلامي الفضائي الآتي من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها..

بغداد الحبيبة مدينة العجائب واللطائف، والحب والنهر، والرازقي والقداح، هي لمن لا يعرفها طلسم عصي، لا يمتلك مراهق معمم أوملثم مخدر أوقاطع طريق معتوه فك رموزه، وسبر أغواره.. بغداد، سر التاريخ، وبلد الجن والملائكة، والحب والحرب، وجنان النخيل على ضفاف النهر.. حيث الأرض أقدم من كل فكر، ومن كل دين، ومن كل مذهب.. بغداد التي شهدت دوما تعايش المسجد والكنيسة، وحتى الحانة.. فهي جامعة الجميع على اختلافهم، وهي مالكتهم وملكتهم..
بغداد، من الثورة والشعلة، الى الكاظمية والأعظمية، الى الباب الشرقي والميدان وباب المعظم، الى الكرادة والمنصور وبغداد الجديدة،، الى الشالجية والشواكة، متلونة متوحدة، قلبها أكبر من قلوب قاتليها، يأتون ويرحلون، وسيأتي أخرون ويرحلون..

لم يكتف اصحاب "المعركة الكبرى" بقتل المصلين الساجدين لربهم في الكاظمية، والالاف الذين نحروهم بسيارات جهادهم المشين في مختلف احياء بغداد الجميلة، والملايين المحتجزين قهرا في مدينة الثورة، التي شيدها المرحوم عبد الكريم قاسم للفقراء فسرق أمراء القتل السابقون واللاحقون أسمها مرتين، فلا زال هناك القلب النابض، شارع الرشيد، بأطفاله وشبابه وشيوخه ومكتباته ومطابعه ومطاعمه فأغمدوا فيه خناجرهم..

ملعونون قتلة بغداد الملثمون والمعصبون والملتحون والمفخخون.. يموتون ولا تموت بغداد، وتنتهي الحياة ولا تنتهي بغداد، فالجنان لا تموت.