يخطيء من يظن ان البعثيين قد انتهوا كحزب او تجمعات او مؤسسات او فكر، فلا الأحتلال الأمريكي ولاهيئة اجتثاث البعث استطاعتا القضاء على وجودهم وقوتهم في العراق. كانوا يملكون المال والسلاح وسطوتهم التي امتدت عشرات السنين على المواطن العراقي، ورهبتهم الممتدة على العقل العراقي المبتلي بالخوف منهم وخشيتهم.
كانوا ينتشرون في الوزارات والدوائر والمؤسسات ووسط المدن والحارات، تقاريرهم الخناجر التي تذبحنا، ورصاصهم يغتال اولادنا ويقتلنا في عز النهار وامام الدنيا دون أن ينبس احد بحركة شفة، البعثيين الذين ساهموا بقتلنا وتحريم البكاء على رحيل اولادنا، والبعثيين الذين ساهموا بالأمعان في أذلالنا واستيفاء رصاصات الأعدام من جيوبنا، والبعثيين الذين حرموا علينا المدارس والكليات والبعثات مالم نكن نتشبه بهم ونقلدهم، والبعثيين الذين دفنوا اولادنا وهم على قيد الحياة، والبعثيين الذين نهبوا بيوتنا وسفروا اهلنا وشردونا في المنافي.
البعثيين الذين ساهموا في التجسس علينا في غربتنا وفي اقصى منافينا بالتقارير وبالملاحقة وبالمعلومات، لم يزلوا يكتبون المقالات بصلافة ضدنا ومحرضين مرة اخرى على قتلنا ومحاربتنا، لم تستطع قوات الأحتلال أن تقصيهم بل اعتمدت عليهم في أهم مؤسسات الدولة، وعلمتنا قوات الأحتلال بأن لاحياة مستقرة لنا بدون البعثيين، وأن لادولة ولاسلطة تضمن بقاء وجودها في العراق دونهم فهم ملح العراق، وهم أيضاً صمام الأمان الذي يردع الأنفلات ويحول دون انتشار شرار النار والحريق الكبير.
أنهم يعودون تحت شتى المزاعم، ونكذب على انفسنا ونضحك على اهلنا حين نقول ان العراق الجديد سيكون دونهم، حقاً لم يزل البعثيون يملكون المال الوفير الذي سرقة الدكتاتور الجرذ ووزعه عليهم ليس لسبب سياسي ، وانما لنزعة مريضة في خراب العراق تأكل عقله، كما وزع عليهم كل سلاح وعتاد الجيش العراقي، كل مخازن الأعتدة والصواريخ والمتفجرات ليحرقوا بها العراق.
انهم يملكون الخسة وأنعدام الضمير والتلون كالحرباء وصمت الجبناء فيندسون بيننا بعمائم وبمسابح ودشاديش قصيرة ولحى مصبوغة وضحكات صفراء ، انهم يندسون بيننا بشتى الصور والأشكال يريدون بنا السوء ويزينون وجودهم ويندسون بيننا يريدون خراب بيوتنا وحياتنا ، ويجدون من يناصرهم ويتستر عليهم.
انهم بيننا يتهمون الآخرين بالولاء للمحتل ويصدرون احكامهم بأعدام الطيبين وأغتيال الشرفاء وتدنيس سمعة وشرف المناضلين ، ويزعمون انهم وحدهم ضد الأحتلال وانهم قادة المقاومة ، ويزعمون وحدهم انهم مع مقاومة الأحتلال ، ويزعمون وحدهم انهم من يساند أي انتفاضة أو حركة تسعى لطرد المحتل عن بلادنا، ويزعمون أن لاخلاص للعراق الا على اياديهم ، وهم وحدهم من جاء بهذا المحتل الذي نكث عهده معهم فخذلهم، وهم وحدهم من ابتلي بالتحالفات المشبوهة والمعاهدات المشينة، وهم وحدهم من باع الوطن والسيادة والكرامة والشرف، وهم وحدهم دون باقي الأحزاب السياسية في العراق من ركب القطار الأمريكي مرة، والقطار البريطاني مرات، وهم وحدهم من ابتليت قياداتهم السياسية بالتجسس لصالح الأجانب في العراق.
انهم يعودون بشكل ناعم، وسيعودون وأنتم منشغلين بالقتال والسجال فيما بينكم، وحسبنا ان الأمور تمشي دون ان يتعرف احد كيف تمشي !! وحسبنا أن السفينة مخروقة والثقب يتسع يوماً بعد يوم، ولم نزل نائمين لحد الظهر لاتوقظنا الشمس ولامرارة الحقيقة.
انهم يعودون مرة اخرى تحت سمعنا وأبصارنا دون ان تكون لنا ارادة الرفض او شجاعة الوقوف بوقف عودتهم المشينة.
انهم لم يزلوا يرعبون الناس، لم تزل لحد الان تخشاهم الناس الفقراء بالوقت الذي تنشغل الأحزاب والتجمعات السياسية بالركض نحو وظائف ومراكز ومكاسب آنية، بالوقت الذي لم نزل نسعى للأجتماع والتدارس والتباحث في امور بسيطة وغير مهمة.
انهم بيننا يراقبون لقمة عيشنا وشربة مائنا، انهم يرصدوننا في الطرقات وفي زوايا البيوت، لم تزل اوكارهم عامرة ، ومراسلاتهم وتقاريرهم مستمرة، لم تزل صفحات الأنترنيت وصفحات الجرائد الباهتة تفتح لهم أفخاذها، ولم تزل الفضائيات العربية جداً تضفي عليهم القاباً وأوصاف تختلف عن حقيقتهم، لم يزل ينوح عليهم العرب العاربة والمستعربة يريدونهم فوق صدورنا نحن، ويريدوننا الوقود لنارهم والزيت الذي يحترق به مرجلهم.
أنهم يعودون بأنسلال الحية الرقطاء دون أن نشعر بضجة أو ضوضاء، وحين ننشغل نحن بلم عظام الموتى ونختلف في اختلاط بقايا الجثث والعظام، ونهتم في نقل رفات اولادنا من مقابر ابو غريب ومحمد السكران والفضيلية والسلمان الى النجف، يكونوا هم قد عادوا وثبتوا اقدامهم.
انهم بيننا يملكون المال الذي اقتطعه القائد من افواه الجياع ومن حياة المرضى، ويمتلكون السلاح وقطع الغيار ومعدات التفخيخ، بعد ان أمنوا العقاب، وعلموا أنكم منشغلين عنهم ولن تفكروا بهم مطلقاً، فعادوا الى الشارع يرقصون ويهللون لجزارنا ويرفعون صوره البشعة والرديئة تحدياً لنا، بعد ان شعروا أن احاسيسنا في طريقها للموت، واننا اختلط حابلنا بنابلنا فلم نعد نتعرف على وجوههم ولانتذكر سكاكين الذبح المعمية التي كانوا بها يذبحوننا، ولانتذكر أسماؤهم وشكل وجوههم.
انهم بيننا أنسلوا بصمت بعد ان كانوا يرتجفون هلعاً في الأيام الأولى من سقوط طاغيتنا، الان بتنا نحن من يرتجف منهم، وزعوا ادوارهم بدقة بين كاتب ومحلل سياسي وصحفي ومتخصص في الموت والتفخيخ ومن يجيد اللطم على الوطن ومتخصص في خطابات الرثاء وعاهرة لاتجيد سوى الردح والشتائم واتهام الجميع سواها ومثلومين وأشباه رجال وشلة غادرة عدتهم وعددهم.
لكنهم بداوا يظهرون في الشوارع والمقاهي وفي التظاهرات السلمية يلبسون غير ملابسهم ويلتحون ويغيرون ملامحهم ويكثرون من ذكر الله في العلن وقائدهم الجرذ في الخفاء بصوت منخفض، ويعلقون صورته تعويذة وتذكار لعل زمانهم يعود مادام الناس في غفوة ثانية.
انهم ينافسون الشهداء في راحتهم فيقلقونهم، ويدنسون قبورهم وبصلافة العاهرة التي تعير الناس بالشرف يتحدون العراقيين.
انهم بيننا يعودون الى اعمالهم وتهتم السلطة الجديدة بهم، دموع الكثير انحدرت عليهم، وقال بعضنا ( أرحموا عزيز قوم ذل )، وقال بعضنا حرام ان لانستغلهم ونمنحهم فرصتهم العاشرة، وبقي المفصولين والمطاردين والذين ضحوا بأعمارهم وأولادهم وبيوتهم دون لقمة عيش أو سقف يأويهم وقيدناهم في الأنتظار لزمان جديد سيجيء وينصفهم.
وصاروا هم من ينصف الاخرين، وكيف ينصفنا قاتلنا ومشردنا ؟ وكيف نضع من كان متهما حاكماً في قضيتنا ؟
انهم يعودون بصلافة ويسرقون لقمة عيش اولادنا ويخربون بيوتنا ويفجرون انابيب النفط، ويضعون المتفجرات والسيارات التي تنفجر بالبهائم المفخخة بيننا ووسط اسواقنا الشعبية، وامام مراكز تطوع اولادنا للجيش والشرطة، وامام مدارس اطفالنا !!!
يريدون ان يسرقوا فرحتنا ويمنعوا أطفالنا من ملامسة الفرح والعبور الى زمن النور بعيداً عن الزمان الموبوء، انهم يريدون السوء بالأنسان في العراق.
لم يتعرضوا لسوء ولالاحقتهم الناس ولامسهم الخوف، كانوا يراقبون مشهد الذبح اليومي ويتشفون بنا، كانوا يراقبون القوات المحتلة كيف تفتك بأولادنا وتلبسنا أكياس وتربطنا بقيود دونهم، لم يتعرضوا للسوء ولاأهتمت قوات الأحتلال بملاحقتهم ولاالتفتت اليهم قوات الأمن والمخابرات، ولاتعرفت السلطات على المجرمين منهم، وبقوا مطلقين السراح يتزاورون براحتهم ويستعيدون تجمعهم ومؤتمراتهم وينتشرون كالمكروبات، في كل بلاد متجاورة معنا تجدهم لك بالمرصاد فهم احباب جيراننا وادواتهم ووسيلتهم في ذبحنا.