يقول بول فاليري «التقليد هو تحية الأغبياء للأذكياء». والحمد لله أن أعداء العراق هم أغبياء بامتياز، لأنهم غير قادرين على الإبداع وإيجاد خطط وتكتيكات جديدة لتحقيق أهدافهم الشريرة، بل يقلدون غيرهم في صراعاتهم والتشبه بالعمالقة وهم أقزام. فكما قال الشاعر:
إن الزرازير إذا طار طائرها توهمت أنها صارت شواهينا

إيران وسوريا ومنظمة القاعدة والصاخبون في الفضائيات العربية، يحلمون بتحويل العراق إلى "فيتنام جديدة" لأمريكا ويرددون ليل نهار هذه الأمنية كما لو أنها صارت حقيقة. التقليد هنا يتمثل بمحاولة هؤلاء المؤدلجين تشبيه الإرهاب الذي يقوده مقتدى الصدر وحارث الضاري والزرقاوي ومجموعة الجريمة المنظمة ب المقاومة الفيتنامية التي قادها (هوشي منه) وشتان بين هذا وذاك. وقد جاء هذا في أوضح في بيان أصدره الحرس الثوري الايراني يوم (12/8/2004) قائلاً: «على الشعب العراقي أن يتوحد في المقاومة ضد المحتل وان يضع خلافاته جانبا لأن هذا ألأمر هو ضمانة للنصر على الاميركيين وعلى الذين يتعاونون مع البيت الابيض». واضاف البيان العتيد إن «اليوم الذي سيشهد فيه المحتلون نفس الهزيمة التي لحقت بهم في فيتنام ليس ببعيد». وطلب البيان من «الاميركيين وحلفائهم مغادرة العراق المسلم». ما شاء الله!!!
وفي نفس الوقت دعا آية الله العظمى الشيخ علي المشكيني رئيس مجلس الخبراء (مجلس تنصيب القائد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية) الشعب العراقي قائلاً:( يجب على الشعب العراقي... أن يُخرجوا أمريكا ولو كلف ذلك مقتل نصف الشعب).
مشكلة هؤلاء أنهم لا يعرفون أن الأحداث التاريخية مرهونة بظروف زمنية ومكانية غير ثابتة. فأي حدث تاريخي، مهماً كان كبيراً أو صغيراً، له أسبابه وأغراضه والعوامل الجغرافية والتاريخية التي تحيط به وعقلية قياداته...إلى آخر القائمة من الشروط. فبتغيير أي عامل يغيِّ جميع العوامل الأخرى وبالتالي يؤثر على مجمل العملية التاريخية ومسارها ونتائجها. فظروف وأسباب وعوامل الحرب فيتنامية لا تشبه في أي منها لما يخص الحرب العراقية. وقد سبق أن تطرق عدد من الزملاء إلى هذا الموضوع، ولا ضير من العودة إليه. فالتاريخ لا يعيد نفسه. لذلك نذكر أدناه بإيجاز شديد، بعض الفروقات بين الحربين، لفيتنامية والعراقية، وذلك كما يلي:
1-لم يكن لأمريكا أي هدف مشروع من حربها في فيتنام ليفيد الشعب الأمريكي والسلام العالمي، عدا المنافسة بين المعسكرين، الرأسمالي والشيوعي في احتلال مناطق النفوذ. بينما حرب أمريكا في العراق جاء بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كجزء من حربها على الإرهاب في العالم وعلى من يدعمه من الأنظمة الفاشية الديكتاتورية.
2-لم تضطهد الحكومة الفيتنامية شعبها ولم تنشر المقابر الجماعية في بلادها بينما اشتهر نظام صدام حسين بارتكاب الفظائع بما فيها استخدام السلاح الكيمياوي لإبادة عشرات الألوف من أبناء شعبه. لذا كانت سمعة نظام البعث متردية إلى الحضيض في الداخل والخارج، إلى حد أنه حتى الذين ناهضوا الحرب لم يتجرأوا في الدفاع عن صدام ونظامه سوى عدد قليل من العربان المتنعمين بكوبونات النفط.
3-كانت الحكومة الفيتنامية تتمتع بتأييد شعبي واسع، أما نظام صدام فكان مكروهاً من قبل شعبه. لذا كان معظم الشعب الفيتنامي مع المقاومة، بينما معظم الشعب العراقي ضدها.
4- كانت فيتنام مدعمة من قبل الدول الاشتراكية وهي في أوج قوتها ومكانتها في حركات التحرر العالمي وعلى رأسها الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي. أما الآن فقد انتهى المعسكر الاشتراكي وتأسس النظام الدولي الجديد بقيادة أمريكا، الدولة العظمى الوحيدة. ولم يتوفر الدعم الخارجي "للمقاومة" العراقية إلا من قبل إيران وسوريا وبمنتهى السرية وعلى شكل تهريب الأسلحة وتسهيل مرور الإرهابيين عبر حدودهما مع العراق وحتى تنكر الحكومتان هذا الدعم.
5-أما مقتدى الصدر الذي يحارب باسم الشيعة فلم يتلق الدعم والتأييد من أغلبية الشيعية ولا من رجال الدين الشيعة العراقيين عدا القليل من الإيرانيين. فلم يصدر أي رجل دين شيعي عراقي أي فتوى لمقاومة القوات الأجنبية.
6-لم يكن للاحتلال الأمريكي برنامج إصلاحي في فيتنام أو جدول زمني معين للمغادرة، على العكس مما في العراق حيث تنوي أمريكا إعمار العراق وهناك جدول زمني لإعادة الشرعية والسيادة الوطنية وإجراء الانتخابات وإقامة حكومة ديمقراطية، كما وتعهدت أمريكا بمغادرة قوات متعددة الجنسيات العراق في غضون أسبوع واحد إذا طلبت الحكومة العراقية المنتخبة منها ذلك.
7-أمريكا وبريطانيا قدمتا المساعدات الإقتصادية الضخمة لإعادة إعمار العراق وإلغاء ديونه وحماية مؤسساته الاقتصادية، بينما لم تعد أمريكا بتقديم أي دعم اقتصادي لفيتنام.
8-تقوم "المقاومة" العراقية بتدمير المؤسسات الاقتصادية في العراق. وهاهو جيش المهدي وفلول البعث وجماعة الزرقاوي يقومون بتفجير أنابيب النفط مما تسبب في إيقاف تصديره حيث يخسر العراق مائتي مليون دولار يومياً، إضافة إلى نهبهم للبنوك وممتلكات الناس وتدمير الاقتصادية الوطني وتعطيل الخدمات. كانت المقاومة الفيتنامية حريصة جداً على سلامة المؤسسات الاقتصادية في بلادها.
9-لم تلحق المقاومة الفيتنامية الأذى بالشعب بينما يقتل الإرهابيون أبناء الشعب العراقي ولم يسلم منهم حتى أطفال المدارس والمواكب الحسينية ودور العبادة. وقد برر رجل دين شيعي في لبنان (الطفيلي) المؤيد للإرهاب، قتل الأطفال العراقيين إذا كان فيه فائدة للإسلام على حد قوله.
10-كانت القيادة الفيتنامية تتوسل بإجراء المفاوضات مع أمريكا لحل الخلاف سلمياً ولم ترفع السلاح إلا بعد أن نفدت كل الوسائل السلمية. أما في الحالة العراقية فالحكومة هي التي تطالب بالتفاوض والحل السلمي مع "المقاومين" وتدعوهم للمساهمة في العملية السياسية حيث هناك موعد محدد للانتخابات البرلمانية واختيار الحكومة المنتخبة وباب الترشيح مفتوح لهم كما لغيرهم. وإذا كانوا فعلاً يتمتعون بشعبية واسعة كما يدعون، فلتكن صناديق الاقتراع هي الفيصل، وإذا اختارهم الشعب فليحكموا العراق. ولكن إصرارهم على العصيان المسلح وترويع الشعب دليل على علمهم الأكيد بأن الشعب ضدهم، لذا رفعوا السلاح لفرض إرادتهم على الشعب بالقوة. وآخر محاولة سلمية هي عندما بعث المؤتمر الوطني الموسع وفداً للتفاوض والحل السلمي لحقن الدماء. وقد قرأنا اليوم (17/6/2004) رفض مقتدى الصدر حتى استقباله. وهذا يؤكد مرة أخرى ما أكدناه سابقاً، أن الرجل ليس سيد نفسه، بل يأتمر بأوامر أسياده من التيار الديني المتشدد في إيران الذي يسعى لتحويل العراق إلى "فيتنام جديدة" لأمريكا حتى ولو أدى ذلك إلى قتل نصف الشعب العراقي، على حد تعبير آية الله العظمى المشكيني.

الدروس والعبر:
الكوارث التي نزلت وماتزال تنزل على شعوب منطقة الشرق الأوسط هي نتيجة إصرار المقلدين الثورجية على فرض أنظمة آيديولوجية على شعوبهم بالقوة في الوقت الذي جاءت هذه الآيديولوجيات لمرحلة تاريخية معينة انتهت بانتهائها وبطل مفعولها وعفا عليها الزمن كانتهاء مفعول أي دواء بانتهاء تاريخه. فبدلاً من إجراء تعديلات على منظومة أفكارهم لتناسب المرحلة، يفعل هؤلاء العكس فيضطهدون شعوبهم ويعملون على تجميد الزمن لتطبيق هذه الآيديولوجات عليهم بالقوة، أي أنهم يقومون بسياسة تتريش القدم ليتناسب مع الحذاء بدلاً من شراء حذاء مناسب للقدم!!
خلاصة القول، فما كل تمرد مسلح هو مقاومة وطنية مشروعة ولا كل احتلال هو استعماري لنهب خيرات البلد تجب مقاومته. فهذا "الاحتلال" للعراق جاء لتحرير شعبه من مخالب الفاشية ومساعدته على النهوض ثانية لبناء وطنه والخلاص من التخلف والاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي وبناء اقتصاد مزدهر. وقوانين حركة التاريخ مع هذه المسيرة ولصالح الشعب العراقي. أما الحالمون بفتنة العراق فإنهم يحرثون في البحر.

http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliq.htm

l