عندما كنت أعيش بالقاهرة كان لدى هواية غريبة وهى قراءة العبارات الكتوبة خلف سيارات الأجرة والميكروباس والنقل، وكان الكثير منها يعكس خفة الدم، ومعظمها كان يحاول أبعاد "الحسد" و "القرْ" (لست أدرى أصل كلمة "قرْ"، ولكنها مرادف شعبى لكلمة (الحسد). وعبارات الحسد كانت متنوعة مثل: (ياناس ياشر كفاية قرْ)، (العين صابتنى ورب العرش نجانى)، (عين الحسود فيها عود) ومرسوم بجوارها عين وفى داخلها سهم، (ما تبصليش بعين ردية، بص للمدفوع فىّ)، (ومن شر حاسد اذا حسد)، والشئ الطريف فى الموضوع، أن حالة معظم تلك التاكسيات لا تسر عدو ولا حبيب، ولا تجذب اليها أى (عين) سواء كانت عين" ردية" شريرة حاسدة أوعين "طيبة"، لأن مناظرها بصراحة تنفر كل العيون و الأنوف أحيانا. ومن العبارات الحديثة التى تهدف اى إبعاد الحسد: "ما تبحلقش كده يالوح... دى جت بطلوح الروح"، وأيضا:"ما تبصش كده يا عبيط... الحلوة دى بالتقسيط".

أما الجزء الآخر من العبارات فكانت تعكس مدى فحولة صاحب التاكسى، وعدد أطفاله، فكان يكتب مثلا: (منى أخت على وحسين ومروة)، (شيماء أخت نهى ووليد وخالد وعبد الحميد ويسرا وتوحيدة)، أما البعض الآخر فيؤمن بتحديد النسل، فيكتب: ( أحمد أخومحمد)، (يمنى أخت سيد). وبعض سائقى التاكسى من الشباب الواقعين فى الغرام ويحبون الأغانى العاطفية كانوا يكتبون (حبك نار)، (الله يرحمك ياحليم)، (زحمة يا دنيا زحمة)، (الأطلال)، (ثومة وبس)، (يامة القمر ع الباب)، (كايدة العزال أنا من يومى).

أما الناس المغرمون بالرياضة فيكتبون خلف التاكسى عن أحب فرقهم الرياضية ونجوم الكرة لديهم: (الأهلى حديد)، (يازمالك يامدرسة.. لعب وفن وهندسة)، (اسماعيلية.. رايح جاى)، (ياأهلى ياكايدهم)، (بيبو..ياملك). وبعض السائقين تجده واقعا فى حب سيارته ويناديها بالحلوة ويكتب خلف سيارته: "الحلوة لما تتدلع... تخللى الأسفلت يولع"، أو يكتب:"حلوة ومتلمعة.. وع السكة متشخلعة"!!

والبعض الآخر كان يقول لك من خلال كتابته خلف السيارة عن مكان أقامته: (الحلوة دى من الشرابية)، (عروس الدرب الأحمر)، ( ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين)، (السبتية أجدع ناس) ومع أنتشار المد الدينى، كان و لا بد وأن تواكبها كتابات خلف التاكسى، فرأينا كتابات من نوع: (بسم الله الرحمن الرحيم)، (أشهد أن لا اله الا الله)، (الله جل جلاله)، (وسعت قدرته كل شئ)، (سبحان الذى سخر لنا هذا)، (الأسلام هو الحل)، (الله محبة)، (الرب راع ولا يعوزنى شئ). وبعض العبارات خفيفة الدم الأخرى مثل: "سوقوا بالراحة يابهايم... علشان سواق العربية نايم"، أو "عدى وأجرى على آخرك... وعند كمين الرادار حقابللك".

أما عبارتى المفضلة فقد قرأتها خلف سيارة ميكروباس فى آخر زيارة لى للقاهرة، فكانت تعكس الوضع السياسى والأجتماعى والأقتصادى ليس فى مصر فحسب، بل فى العالم العربى كله، اذ كانت تقول العبارة:
"علىّ الطلاق ما حد فاهم حاجة"

[email protected]