الغزلان أكتشفت ضريحها ورملتها صالحت بين الأزمنة والحضارات
جمعت النجف، بلا نفرة، بين الماضي والحاضر. فإن مررت ببابل، وأور، وسامراء، والمدائن وجدت الماضي بكل أصالته مرمياً إلى جانب حاضر خامل نافر لا يمت له بصلة. لكن ألف عام منذ حل في واديها شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي، قبل عشرة قرون وبضعة من القرن، والنجف تصالح بين الأزمة. سقط العباسيون والمغول والجلائريون والعثمانيون وعهود العراق الحديثة وعالم النجف الثقافي والتعليمي والاجتماعي واللغوي هو هو، حلقات علم تجمع بين العربي والأفغاني والفارسي والأندنوسي، لا تمنع القومية ولا البلدانية تبؤ أي منهم زعامة المذهب، فكم تبدو المدينة مفتوحة ورحبة الآفاق ومتعددة الثقافات!
يظهر لك الماضي الغابر جلياً وكأنه حدث البارحة وأنت تنظر إلى ضريح النبيين صالح وهود، وتتأمل مرسى سفينة نوح، ولحد آدم تحيط تلك التفاصيل بقبة مذهبة دلت الغزلان على شخصية دفينها، تفاصيل تبث فيها الحياة يومياً. فزائر النجف ليس مِنْ طلاب الآثار، وعشاق التاريخ بل هو طالب علم موروث من ألف عام، وطالب شفاعة أو مؤدي نذر. مَنْ يفقه تراكم تاريخ النجف، وتعاظم دورها في الفقه، واللغة، والأدب يجنبها قنابل مدفع الهاون، وإطلاقات الآربيجي. وكم تبدو الخطيئة عظيمة عندما يسور ضريحها وواديها السلام بجداول نفطية، وأحزمة متفجرات، تحولها سريعاً إلى مجرد حفرة ومقبرة جماعية هائلة.
فمن عبق تاريخها أن في يوم من أيام الربيع أطل صاحب الخورنق، النعمان بن أمرؤ القيس البدء، من على سطح قصره المنيف بالحيرة "على النَّجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب، وعلى الفرات مما يلي المشرق، وهو على متن النَّجف ... فأعجبه ما رأى من الخُضرة والنور والأنهار، فقال لوزيره وصاحبه: هل رأيت مثل هذا المنظر قطّ! قال: لا، لو كان يدوم! قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فبما ينال ذلك؟ قال: بتركك الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده! فترك مُلكه من ليلته، ولبس المسُوح، وخرج مستخفياً هارباً، لا يُعلم به"(الطبري، تاريخ الأمم والملوك). لم يفعل فعلة النعمان من خلفاء المسلمين غير معاوية بن يزيد المعروف بمعاوية الثاني يوم خرج إلى القوم بقرار اعتزاله بعد ولاية لم تدم أكثر من عشرين يوماً "أغلق الباب في وجهه وتخلى بالعبادة حتى مات بالطاعون"(ابن العبري، مختصر تاريخ الدول).
إن صحت الرواية، فللمنطقة، المحيطة بالنَّجف، متعلقها الروحي التاريخي حيث الأديرة وصوامع الرهبان بالحيرة، والفقه بالكوفة، دار الإمام أبي حنيفة النعمان ومنشأ مذهبه فيها، ثم الحوزة الدينية الشيعية بالنَّجف لأكثر من ألف عام وستبقى ما بقي الزمان إن جنبها الغاوون الشرور. كذلك للمنطقة متعلقها البيئي المقترن بماء الفرات وخضرة السواد، وما ترك هذا من نعمة في النفوس. سلك أغلب علماء النَّجف، خلافاً لضجيج الكوفة السياسي المعارض طوال الحكم الأموي والعباسي، طريق صاحب الخورنق الزهد بالملك والسياسة والمعارضة.كان تحصّنهم في البرية منذ القرن الخامس الهجري، أو أقدم من هذا، عزلة من أجل العلم، حافظوا على أسلوب وقيم المدرسة الإسلامية القديمة. شيوخ يتحلقون حولهم تلاميذهم بصحن الضريح، أو بباحات المساجد. كل تلميذ هو ضابط لنفسه، لا إدارة، ولا دفتر حضور، الهم والمبتغى هو التحصيل الفقهي والتربية الذاتية لنيل درجة الإجتهاد، لا ينتظر تلميذها شهادة أو وظيفة أو ترقية.
من حكايات تعظيم وتأبيد تاريخ النَّجف المتداولة في كتب الشيعة، أنه بدأ ببداية الإنسان على الأرض، فالنبي نوح حمل عظام آدم في تابوت ودفنها برملة النَّجف حيث الضريح العلوي، وأقيم في مقبرتها "وادي السلام" ضريحاً لهود وصالح، وأن جرف بحر النَّجف كان مرسىً لسفينة نوح. خلا ذلك ورد اسم النَّجف في يوميات معركة القادسية السنة 14 هجرية، أتخذها القائد الفارسي رستم قاعدة من قواعد جيشه بالمنطقة، فهي مفتوحة على المدائن. كذلك كانت أول محطة في طريق الحج بين الكوفة ومكة، الطريق الذي عُرف بطريق زبيدة، جرى فيها توديع قوافل الحجاج، ففي السنة 236هـ ودع منها الخليفة جعفر المتوكل (ت247هـ) والدته شجاع وولده محمد المنتصر على رأس حجيج ذلك العام.
لم يطنب الجغرافيون عند ذكرهم للنَّجف، مثل إطنابهم عند ذكر البصرة وبغداد وغيرها من الأمصار. لأنها كثيب أحياه ضريح، وما بحرها الذي يُزعم أنه يمتد إلى الهند والصين إلا أسطورة من الأساطير، فهي أكثر الأمكنة حاجة للماء. ذكرها الحموي مسنَّاة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها"(معجم البلدان). وذكر ابن بطوطة عن ضريحها العلوي أكثر منها، مفصلاً عمارته ومقتنياته النفيسة.
هناك قصص عديدة حول اكتشاف قبر الإمام علي بن أبي طالب ببرية النَّجف، فلو كانت مدينة عامرة لما اختفى قبر شخصية هامة فيها طوال العصر الأموي وربما بعده بعقود. جعل قربها من مسجد الكوفة، حيث قتل الخليفة الرابع، عدد من المؤرخين يشككون بوجوده بالمكان القائم حالياً. فتسائلوا: فلماذا لم يدفن بدائر الكوفة ومقبرتها، أو في زاوية من زوايا مسجده أو في داره كما جرت العادة؟
دخلت مثل هذه التساؤلات في الصراع الطائفي بين البويهيين والسلاجقة، فبالوقت الذي فيه يقوم عضد الدولة البويهي بتعمير وتوسيع القبر (العام 371هـ)، ثم يوصي ليدفن فيه هو وجماعة من الأمراء والوزراء، أثار الخطيب البغدادي (ت463هـ)، وهو من مؤرخي العصر السلجوقي، الشك في حقيقة صاحب الضريح. قال: "حكى لنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ (غير موجودة في كتابه حلية الأولياء) قال: سمعت أبا بكر الطلحي يذكر أن أبا جعفر الحضرمي كان ينكر أن يكون القبر المزور بظاهر الكوفة قبر عفى (هكذا وردت) بن أبي طالب، وكان يقول: لو علمت الرافضة قبر مَنْ هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة. وقال مطين (هو أبو جعفر الحضرمي نفسه): لو كان هذا قبر علي بن أبي طالب لجعلت منـزلي ومقيلي عنده أبداً"(تاريخ بغداد). لكن لا تؤثر هذه الرواية في واقع الحال شيئاً، فصاحب القبة هو علي بن أبي طالب، قرون والناس تشد الرحال إليه لترمي عليه بأحزانها، وتنتظر عند بوابته فرج بعد شدة.
أشارت لوحة فنية معلقة في الضريح العلوي إلى قصة اكتشاف القبر، استوحاها رسامها من السائر على لسان الناس، وما ذكرته بعض التواريخ. فحواها: كان هارون الرشيد هو وحاشيته في رحلة صيد ببرية النَّجف، فنظروا متعجبين إلى الغزلان، وهي تحتمي فوق تل من الأرض من متناول سهام وكلاب الصيد التي لا تصلها هناك، فلما أستفسر الخليفة عن الأمر قيل له: هنا يرقد علي بن أبي طالب. حينها، أي العام 175هـ، أمر الرشيد بتحديد المكان وحفظه. قال مؤرخون: إن ما عمله الرشيد كان إرضاءً للعلويين!
قصة أخرى تعود باكتشاف القبر، وبالتالي تحديد بداية مدينة النَّجف، إلى العام 132هـ، أي حال سقوط الحكم الأموي، فقيل أكتشف على يد عم خلفاء بني العباس داود بن علي، وكان يومها بالكوفة يوم ألقى خطبة النصر وقدم ابن أخيه أبا العباس خطيباً من على منبر مسجدها، وفيها أعلن لقبه بالسفاح. قيل أيضاً إن أبا جعفر المنصور لم يطمأن، لإخفاء القبر حوالي القرن من الزمن، فقرر الكشف والتأكد بنفسه فكان له هذا. غير أن روايات شيعية تقول: إن الإمام جعفر الصادق كان يعلم بمكان قبر جده وزاره سراً حتى سقط الحكم الأموي فكشف عنه، وأعطى صفوان الجمال "دراهم لترميم المشهد"(الخليلي، موسوعة النجف). بعدها تأتي رواية ابن حوقل القائلة: إن الأمير أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان (ت317هـ) هو الذي شهرَّ القبر وبنى عليه قبة عظيمة (صورة الأرض). خالفت النجف بواجدها الضريح مدن الدنيا الأخرى، التي واجدها عادة الماء أو المحتطب أو الحصانة.
بعد الضريح يأتي دور الحوزة الدينية في تأسيسها الروحي والعلمي. كانت البداية أن سرى من بغداد إليها شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي العام 449هـ، بعد حرق مكتبته من قبل السلاجقة، فأسس هناك الحوزة الدينية، وهي قائمة حتى الآن على المنوال نفسه. كرمت النَّجف مؤسس حوزتها بإطلاق اسمه على أحد أبواب الضريح العلوي الأربعة، وعرف الشارع المواجه بباب الطوسي، وله فيها مقبرة ومكتبة وعدة مساجد عرفت باسمه أيضاً. كذلك لفضله في الفقه الشيعي أُعتمد كتابيه"الاستبصار" و"التهذيب" من بين كتب الحديث الشيعية الأربعة المعروفة.
كان الماء أحد المؤثرات في تاريخ النَّجف وعلاقتها ببغداد، إضافة إلى الضريح العلوي والحوزة الدينية، فكل سلطان أو أمير أراد التقرب من المدينة يجدد لها عمارة الضريح، ويترك حوزتها دون تدخل ويزودها بالماء. فتنافس العثمانيون والصفويون على شق قنوات الماء وعمارة الضريح، لكن ما فعله نادر شاه، العام 1743م، لم يجاريه فيه أحد، فقد كسا القبة بالذهب الخالص بمبلغ خمسين ألف تومان، وهو مبلغ هائل آنذاك.
عدا هذه المتطلبات زهد مراجع الحوزة الدينية بالدولة والسياسة عامةً، ففي يقينهم أن الدول تتبدل والجيوش تكر وتفر لكن الباقي على مدى الدهور هو الضريح والدرس، فما يهمهم إعداد مجتهدين، بمستوى آل كاشف الغطاء وآل بحر العلوم وآل الجواهري، والبارع في علم الأُصول أبي القاسم الخوئي، وصمام الأمان بهدوئه وحكته آية الله علي السيستاني. ليس من طبع الحوزة ولا النجف كافة إقامة ميليشيات وجيوش باسم المهدي أو غيره، يتقدمها معمّمون يخطأون في النحو والتعبير، وهذا خطأ لا يغتفر لمن يدّعي أنه درس ما يعرف بالمقدمات ومنها: أجرومية وقطر ندى ابن هشام، وشرح ألفية ابن مالك دراسة متقنة، ثم دراسة الفقه عبر ما يعرف بالسطوح ودرس الخارج. لقد اعتاد العراقيون سماع الخطب المرتجلة المحبوكة لغة وبلاغة من أفواه المعمّمين، فأول مؤاخذة على معمّمي جيش المهدي هو إخلالهم في اللغة وأدب المناظرة والجدل، فالعمائم عادة تحفظ المشاعر من الانفلات، وتكظم الغضب، وتنقي الألسن. العمامة التي لا ترتقي إلى مستوى تاريخ النجف العلمي والأدبي والحضاري، وتجعل المدفع الهاون سلاحاً شخصيا، فما هي إلا عمامة أبي دُلامَة.
جعلت النَّجف لتاريخها الثقافي والأدبي والفقهي، ما لم أسمعه عن مدن أخرى في العالم، أنها جعلت عناوين كتبها ألقاباً لإسرها، فعنوان كتاب "كشف الغطاء" أصبح لقباً لأسرة مصنفه الشيخ جعفر بن خضر النجفي (ت1812م) آل كاشف الغطاء، وعنوان كتاب "جواهر الكلام" أصبح لقباً لأسرة مصنفه الشيخ محمد حسن النجفي(ت1859م) آل الجواهري، وبالعلم عرف آل بحر العلوم، وبالبلاغة عرف آل البلاغي، وعرف النجفيون الأشخاص بعناوين كتبهم مثل صاحب "البرهان القاطع" وصاحب "البلغة الفقهية" وغيرهم.
جعل الإرث الثقافي والعلمي، ووجود مشهد الموت اليومي حيث استقبال مقبرة النَّجف المترامية الأطراف لمئات الجنائز يومياً، عقلاء المدينة ينظرون إلى الدنيا بمنظر الهازئ بها. فقد تحولت متعلقات الموت من دفن وتغسيل وتكفين مصدر رزق للأهالي. فهل سمعت مدينة جعلت رؤية الجنازة بشارة؟ إلا النَّجف هناك شبان يترقبون الطرق الداخلة إلى المدينة، فيسألون الجنازين مَنْ دفانكم؟ وبلمحة البرق يخبر المبشرون الدفانين ليحصلون على البشارة. كان الطوسي قادراً على المكوث ببغداد، وقادراً على تجييش الجيوش والدخول في حرب طائفية، لكن خسارته تكون كبيرة في انقطاع صناعة المجتهدين، وهتك حرمة الحوزة الدينية والضريح، وإضعاف هيبته العفوية على الأتباع. وبطبيعة الحال يتصل هذا التعقل والمضي في الجهاد بالعلم بأئمة يعشى بنارهم مثل الإمام جعفر الصادق. لم تخالف النَّجف سلوك شيخ الطائفة الطوسي فاعترضت بشدة على الثائر الشيعي علي بن فلاح المشعشع (ت863هـ) "كان منفوراً من الجميع بسبب ما قام به من إهانة العتبات الشريفة"(تاريخ العراق بين إحتلالين). معلوم أن إدخال السلاح إلى الأضرحة وتحويلها إلى ساحة قتال هي من أكبر الكبائر، وهذا ما يحدث اليوم.
كذلك مَنْ يطلع على سير الأحداث التي دارت بين جعفر كاشف الغطاء والسلفيين القادمين من الجزيرة تظهر له جلياً مرونة المرجعية القصوى من أجل حماية الضريح والدرس الديني. ومَنْ يتابع الصراعات بين مَنْ عرفوا بالزقرت ومَنْ عرفوا بالشمرت، التي استمرت من بادية القرن التاسع عشر وحتى الاحتلال البريطاني للعراق، سيجد الحوزة بمراجعها الكبار في منأى عن الصراع، تعطي نصيحتها إن طُلب منها، وتتدخل إن شعرت بالخطر على مكونات النَّجف الأساسية الدرس والضريح ووادي السلام والماء. كان المرجع الكبير كاظم اليزدي (ت1919م) منسجماً مع تاريخ مرجعيته في عدم تشجيع مَنْ أراد الثورة على الإنكليز بالعصي والبنادق العثمانية الهالكة، فمثلما تحمل احتلال خمسة قرون عثمانية، أبدت خلالها المرجعية صبراً لا مثيل له، حفظت به جامعتها وضريح المدينة فسيمر الاحتلال البريطاني بلمحة بصر، وهو لا شأن له بإعاقة الدرس وزيارة الضريح، وعمل على تزويد المدينة بالماء. فاليزدي يعلم علم اليقين ما هي غاية ثورة النجف 1918، ليست ضد الإنكليز بقدر ما هي من أجل الإتاوة التي حُرم منها عطية أبو كلل على قافلة تجارية، فالثائر أبو كلل، حسب تاريخ الشيخ النجفي محمد رضا الشبيبي، كان أول المهنئين للإنكليز بالنصر. ومثله الشيخ ضاري كان مكلفاً من قبل الإنكليز بحفظ النظام في منطقته، الممتدة بين بغداد والفلوجة، وخُصص له راتباً قدره 750 روبيةً، لكن تقليل الراتب ثم قطعه وإهانات العقيد لجمن له كانت وراء تمرده على الإنكليز. أكاذيب يجب فضحها حتى لا نبقى نعيش وهم البطولات. نعم، هناك عراقيون تصدوا لمشاريع الإنكليز، وثقفوا بنواياهم دون أن يبخسوا فضلهم في التحديث العمراني والثقافي، والتحرير من الهيمنة العثمانية المتخلفة. فلحزب الاستقلال فضله، وللحزب الوطني الديمقراطي فضله، وللحزب الشيوعي العراقي فضله، وللضباط القوميين فضلهم، ولآل كاشف الغطاء فضلهم، ولآل الشبيبي فضلهم، وللشاعر معروف عبد الغني الرصافي فضله، وهؤلاء جميعاً لم يعملوا حراساً لدى الإنكليز، ولم يستلموا روبية ولا جنيه.
النجف يون اليوم، الناس والمراجع، لا يؤيدون جيشاً مثل جيش المهدي، وهم يستشعرون الخطر على تاريخ المرجعية والحوزة الدينية، فهؤلاء طلاب دنيا وبتولات، لا هم لهم في الدرس والمكتبة وقدسية الضريح، وهم مع تشددهم في الهتاف لا يملكون القدرة على المواجهة، لذا تمرسوا بين أروقة الضريح العلوي، الذي أخفاه الأئمة الأعلون طوال الحكم الأموي خشية من نبشه، ولو تمت المواجهة غير المتعادلة آنذاك فلم يبق ضريح ولا حوزة دينية. يدرك المراجع جيداً أن حرب مثل هذه لا يسلم منها ضريح ودرس وتعطل دفن الأموات، والنتيجة معروفة. سوف يكشف النجفيون ومدينة عبد الكريم قاسم الثورة حقائق إذلالهم باسم المهدي المنتظر والتيار الصدري، ستكشف ضحايا محاكم هذه الجماعة، وحجم إيذائها للعراقيين.
النَّجف رهينة بيد المعصبين بالخرق الخضراء، وهي خزانة أدب وشعر وفقه وطرافة، وقبلة للمثقلين بشدائد الدنيا، والمتعثرين بأحزانهم، كناها أحد رجالها: بكونية الشعر، فلا أرى في ملامح هؤلاء غير متأبطي الشر بها. أختم كلمتي بنداء إلى آيات إيران، وما لها من شأن محوري في جيش المهدي. أذكرهم بما قاله ملكهم الغابر في بغداد بالفارسية القديمة، وهو تحت طاقه بالمدائن "هلدوه وروز" أي خلوها بسلام، والنجف وإن خالفت تشيعكم الصفوي، وحوزتكم بقم، فهي احتضنت إمام ثورتكم، ومرشدكم كان يقرأ مجلس حسيني فيها، وما من عمامة من عمائمكم، بيضاء أو سوداء، إلا وفضل النجف بين طياتها، فخلوها بسلام.
التعليقات