"سأصاب بصدمة فيما لو أكدّت الولايات المتحدة تحولاً في سياستها حيال المستوطنات." أحمد قريع، "رئيس الوزراء الفلسطيني.

لا ندري على أي كوكب يعيش السيد قريع، ولكن الصدمة الوحيدة يجب أن تكون صدمة الذين يُصدمون من صدمته. فأي طفل فلسطيني يدرك أن الولايات المتحدة لم تتخذ أيّة خطوة عمليّة في سبيل وقف المستعمرات الإسرائيليّة بل على العكس، إنها ما انفكّت يومًا عن تشجيعها، وتسهيل قيامها، سواء في الدعم المالي والعسكري الذي توفره لإسرائيل، أم في الغطاء السياسي الذي توفره لها في مجلس الأمن الدولي. واللائحة في هذا المجال أطول بكثير من أن تضمها هذه المقالة القصيرة ولا نخال أن السيد قريع يجهلها، ولكنه يتجاهلها على ما يبدو.
إن صدمة السيد قريع هي جزء من الهذيان العربي العام الذي يبدو أصحابه وكأنهم يعيشون فعلاً خارج التاريخ المعاصر. شأنهم في ذلك شأن من يضبط زوجته بالجرم المشهود، تكرارًا، وعلانية، ساعة على شاطئ البحر وساعة في حديقة عامة، ويحاول إقناع الناس بعفّتها، متظاهرًا بالصدمة من تقوّل الناس عن إمكانية خيانتها له.
وليس أدعى للغرابة من صدمة السيد قريع سوى صدمة الاخوة والخؤولة والعمومة. فالسيد صائب عريقات يقول إن هذا من شأنه أن ينهي "المسار السلمي"، والسيد نبيل أبو ردينة يقول إن هذا التصرف "مخالف لخريطة الطريق". أما السيد عمرو موسى فيقول إن التحول في السياسة الأميركية هو "تحول خطير". يا للصدمة!
ليت السيد قريع قال إنه يدرك أنه ليس في حجم العشيق الإسرائيلي مكانة ودلالا ولكنه لن يكف عن محاولة كسب ود الزوجة اللعوب . ليته قال إنه يعرف أن زوجته عاهرة ولكنه مع ذلك مصر على التفاهم معها لما فيه مصلحة العيال. كنا اكتفينا عندها بتسجيل شفقتنا عليه كرجل يعرف حقيقة أن زوجته لا تحبه بل لا تطيقه قلبًا ولا قالبًا، وأنه برغم كذبها المستمر عليه، يحاول أن يتمسك بحبال الهواء علّه يصل إلى نتيجة معها.
لا ندري ما إذا كان السيد قريع يراهن على تغيّر في سياسة الزوجة الأميركية إذا ما تمت صدمة انتخاب رئيس من الحزب الديموقراطي لها. الواقع أن المرشح كيري قد أعلن أن ولعه بالعشيق الإسرائيلي أكبر من ولع منافسه.
المشكلة هي أن السيد قريع وباقي المصدومين لم يعد لديهم ما يملكونه بعد أن تخلوا عن الأرض والبشر إرضاء للزوجة التي بددت كل آمالهم سوى التظاهر بالصدمة.
المشكلة هي أن التظاهر بالصدمة لن يغير واقع الحال ولن ينفي عن السيد قريع وبقية المصدومين كونهم في خانة الزوج المخدوع الذي يرفض حتى أن يكون آخر من يعلم. إنهم لا يريدون أن يعلموا.
المشكلة هي أن رفضهم للحقيقة أو التظاهر بالصدمة حيالها لن يغير من واقع الحال، وواقع الحال هو أن الراكض وراء الدجل الأميركي هو كالراكض هربًا من سراب إلى سراب.
المشكلة هي أن السيد قريع يتظاهر أن الولايات المتحدة هي أم البنين الفلسطينيين، فيظهر الصدمة من خيانتها، فيما هي تقول له مرة تلو الأخرى إن الولد الوحيد الذي تعترف به هو الولد الإسرائيلي، وإن أولاده الفلسطينيين ليسوا شأنها، بل إنها، بصفتها الخالة الأميركية، لا تريد سوى الخلاص منهم صيانة لمصلحة ابنها الوحيد.
المشكلة هي أن السيد قريع صدّق أن الولايات المتحدة تزوجته حبًا به وليس طمعًا بميراث أبنائه.