عندما أقرأ بيانا يدعو إلى الديمقراطية اشعر أنني أقرأ كتاب حكايا أطفال تصوّر صراع الخير ضد قوى الشر " الوحش " وفي النهاية لا بد أن تنتصر القوى الخيّرة. لكن لم نعرف إن كان كتّاب هذه البيانات الداعية إلى الحرية والديمقراطية مؤمنين بالديمقراطية أم أنهم يضربون بسيفها لغاية في أنفسهم؟ والحال أنني لا أعمم هنا وإنما أتحدث عن شريحة تتوسع دائرتها كل يوم. وفي أحيان كثيرة تتناول أقلام رسمية وشبه رسمية هؤلاء من زاوية أنهم " عملاء الإمبريالية والغرب " وهذا خطاب يضجر قارئ القرن الحادي والعشرين وكلمة باطل ( أحيانا حق ) يراد بها باطل، إلا أنني في مقالي هذا أتحدث عنهم وعن مشاكلهم الداخلية انطلاقا من رغبتي قول كلمة حق يراد بها حق.

لصوص الديمقراطية

القسم الأول من هؤلاء هو " لصوص الديمقراطية ". في السنوات الأخيرة توجهت منظمات اميركية وهيئات الإتحاد الأوروبي إلى دعم منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ماليا وحتى تمويل مشروعات نشطاء يعملون بشكل مستقل، فكانت " مهنة الدعوة إلى الديمقراطية " مربحة على الكثيرين حيث أدرّت وتدرّ عليهم أكثر من أي مشروع تجاري. يحق لنا أن نتساءل: ماذا حققوا بهذه الأموال؟ مؤتمرات تحضرها بقايا السياسيين أصحاب التجارب الفاشلة ليجربوا حقوق الإنسان كموضة العصر.. بيانات ضد حاكم فلاني في النهار وفي الليل يرسلون له بريدا الكترونيا يسبّحون بحمده.. حملات دولية من أجل سجناء فنجمع ما تيسّر من وراء هذه الحملة باسم عمل الخير؟!! إن هؤلاء مطالبون قبل الحكومات أن يعلنوا الشفافية ويخرجوا علنا ليصرحوا بما لديهم من أرقام في البنوك.

يحكى أن جهازا أمنيا في بلد عربي اعتقل ناشطا حقوقيا وقال له الضابط المحقق أنه سيحاول إطلاق سراحه إذا اقتسم معه ما يأتيه من نشاطه وسوف يغطي له هذه النشاط، وكان أن وافق هذا الناشط الذي ما زال حتى اليوم يضع على جهة نصيب " مستشاره الأمني " في منظمته الحقوقية العتيدة. ولم يعرف زملاؤه بهذه القصة أبدا وتوقعوا أنه خرج بدواعي مرضه!

فاشيو الديمقراطية

وقسم آخر لا يقل عن الأول خطورة وهو الفاشيون من دعاة الديمقراطية العربية الحديثة، والذين يرفضون قبول غير آرائهم ولو تمكنوا لكانوا شيدوا معتقلات يضعون فيها من يخالفهم الرأي.. منهم من يصفع ومنهم من يشتم ومنهم يقمع كل من حوله من زوجته حتى جيرانه وزملائه - ولكنه طيب ومتسامح ولذيذ مع حكومته في الأوقات العصيبة حفاظا على الوحدة الوطنية !. ينتقد الانقلابات العسكرية ويمارسها في حزبه عندما يتآمر على رفاقه وأصحابه ويبقى زعيم الحزب المعارض خالدا فيه، ويكتب تقارير " حقوق أمنية " لجهات معينة بحق زملائه الذين يزاحمونه منصب جمعية هنا أو منتدى هناك فيدخلون السجن ويبقى هو الزعيم البطل الذي يعمل من أجل إطلاق سراحهم، ويقول للمنظمات الدولية ان زملاءه في السجن اتخذوا مواقف متخاذلة !!.
وأنا على يقين ان من يصل من هؤلاء لمنصب وزير فإنه سيبني غرفة اعتقال سري في وزارته أو يضع عينيه على السكرتيرة لأنه مؤمن بالحرية والشفافية والأمور الشفّافة !!. وعلى الأرجح يستخدم هؤلاء مفردات " حقوق الإنسان والحريات والإصلاح " حتى تتحقق الأمنيات السياسية في منصب أو لقاء حاكم أو ظهور إعلامي، دون إحساس بمواطن يأكل طوال الشهر الخبز اليابس مع الشاي أو خمس حبات زيتون على الفطور أو عائلات يقتلها الجوع.. فماذا تقدّم البيانات والاجتماعات في المقاهي والمؤتمرات؟!!

كيف يمكن أن ينشط الإنسان من أجل الديمقراطية ويكون طائفيا؟. طالما أن الانتهاكات تتعلق بطائفته يكافح ضدها ولو بنشر معلومات غير صحيحة، وإذا كانت الانتهاكات على فرد من غير طائفته سوف يتجاهلها، فهل تعلم المنظمات الدولية وهيئات الإتحاد الأوروبي عن دعاة الديمقراطية هؤلاء كيف ينتهكون حقوق الإنسان؟! إنها لعمري حكاية مخجلة حقا أن ينتهك دعاة الديمقراطية كل الحقوق الإنسانية ويدمنون على الطائفية.

ديمقراطيون ولكنهم مع صدام!!

هذه شريحة أخرى من دعاة الديمقراطية الذين يقفون وقفة شهامة وعز وكبرياء لإدانة التعذيب في سجن أبو غريب على يد جنود أميركيين ويبحثون عن حجج واهية للقول ان صدام لم يضرب " حلبجة "، ينددون بالاستقواء بالخارج ولكنهم قبضوا دنانير صدام وحضروا مؤتمرات في بغداد تحت حماية حرسه بحجة حماية الطفولة العراقية من الحصار، وعندما كانوا يقبضون منه كان يرسل سيارات مفخخة إلى بلدانهم لقتل الأبرياء !!! إنها أغرب قصة في العالم والتي لم استطع أن أعثر على مثيل لها في الأدب العالمي.. هم ديمقراطيون ولكنهم مع صدام!

خاتمة غانديّة!

فهل شريحة هؤلاء قادرة عن القضاء على الفقر أو إصلاح حال وإقامة حريات؟ لا أعتقد. عندما عاد غاندي إلى الهند أطلق خطابا رائعا انتقد فيه الأحزاب السياسية التي كانت تعارض الاستعمار البريطاني والتي استمرت بخطاب سياسي تقليدي تعمل من أجل الوصول إلى السلطة أو لعب دور سياسي.. وتساءل غاندي عمن يطعم فقراء الهند ويزرع حقولها ويساعد المرضى ويبني المشافي.. بالتأكيد ليست الخطابات السياسية التي مشت عليها تلك الأحزاب الهندية والتي لم تدخل قلوب الفقراء.