كان الكردي في الماضي يتأثر بأبسط الشعارات التي يطلقها بعض، وأقول بعض، والبعض لا يعني الكل، الشيوعيين الأمميين والقوميين العروبيين والمتحزبين الإسلامويين. فكان يخشى من كلمة البرجوازية والرجعية والطبقة الوسطى حين كان يلتقي بالشيوعي العربي والفارسي والتركي. وكان أولئك الشيوعيون يستغلون عواطفه وسذاجته لصالح قضيتهم. فكانت شعارات الحكم الذاتي تُرفع بدون تنفيذ بأسم الأممية التي ترفض القومية. وكان منهاج تلك الاحزاب التقدمية، بالمعنى المرحلي المحلي المحدد للكلمة، يتضمن قضية الشعب الكردستاني في الحكم الذاتي، ولكن الافعال لم تكن غالبا مطابقة مع النظريات التي كانت تطلق عليها بالتقدمية والثورية.
أما القومي العروبي فكان يرفع شعار الأخوة العربية الكردية، ويدَخلها في مناهجه الحزبية والدراسية كشعارات براقة، وبأسم تلك الأخوة الكاذبة كانت القنابل العنقودية تسقط على الشعب الكردي، وتحرق القرى الكردستانية تحت حجة أن الكرد عصاة وإنفصاليون. وكم من الكرد خدموا العدو بأسم فرسان صلاح الدين وماشابه، لكي يعتبرهم النظام وطنيين بينما أطلق عليهم الكرد "الجحوش". وهنا أورد مثالا على تاجر ترك قصرا فخما ميراثا لولديه. فقال الأخ الكبير لأخيه الصغير، تعال يا اخي لنقسم المراث بيننا. القصر لي من الأرض الى السقف، ولك من السقف الى السماء، وأنك أخي الصغير ولك مساحة أوسع وأكبر. وبأسم تلك الاخوة حرمه من الميراث.
أما المتحزبون الإسلامويون فأفتوا بقتل الكردستانيين بحجة أنهم علمانيون كفرة. بينما هم أنفسهم يخدمون الجهات العلمانية الإستبدادية تحت واجهة الإسلام. فيقتلون المدنيين لكي يُقال لهم أنتم اسلاميون. وهنا أورد مثالا عن كردي مسلم كان في أفغانستان، وقد حمل السلاح مع الأفغان لمدة أربع سنين. وكان في كل قرارة قلبه يعتقد أنه يجاهد في سبيل الله. وبعد أن سقط الطاغية صدام حسين ونظامه الفاشي، قال لرفاقه سوف أرجع إلى وطني كردستان. فاستغربوا منه وسألوه : هل أنت كردي ؟ فقال نعم. فقالوا له : لايقبل منك جهادك، وكل ما فعلته ليس جهادا لأن الكرد حاربوا نظام صدام حسين، ومطالبتهم بحقوقهم يُضعف الإسلام. وفي حالة أخرى أعتقلت السلطات السورية الكردي جواد ملا المقيم حاليا في بريطانيا، ويشغل مسؤولية قيادة ما يسمى (المؤتمر الوطني الكردستاني). وفي السجن التقى ببعض الاسلاميين السوريين، فسألوه عن أسباب الأعتقال، فجاوبهم بأنه يطالب بحقوق شعبه الكردي في كردستان سورية. فقالوا له، رغم أنهم معارضين للنظام البعثي السوري، أنت كافر. بهذه الخزعبلات كانت الجماعات اليسارية الاممية والقومية اليمينية والدينية الاسلاموية تخدع الكردي، لأن الكردي كان يقف عند جدار الخوف ويخضع للتأثيرات الدعائية.

ضرورة فتح الأبواب الدبلوماسية لمواجهة الحرب على السيكولوجية الكردية
تظهر اليوم دعاية قديمة جديدة من نوع مبرمج تتفاعل معها بعض القنوات الفضائية ومواقع الانترنت والصحف العربية والاسلامية والاسلاموية، بإتهام القيادات الكردية بأنهم يتصلون بإسرائيل، وأن هناك زيارات متبادلة بين الجانبين. لقد شبع الكرد من هذه الأبر المورفونية. ماالعيب أن يتعاطى الكرد مع إسرائيل إذا كانت إسرائيل قد دخلت بيوت العرب والفلسطينيين أنفسهم ؟ ألم يتعاقد الفلسطينيون مع إسرائيل ووقعوا إتفاقية السلام معها في مدريد وأوسلو وطابا وواشنطن ووو؟ أليست هناك سفارات وقنصليات إسرائيلية في القاهرة وعمان وعواصم عربية أخرى ؟ أليست المليارات العربية تستثمر في البنوك الصهيونية ؟ أليس هناك آلاف السواح اليهود في مصر والمغرب؟ لم أتعجب أن اجد هؤلاء في القاهرة والأسكندرية عندما كنت في زيارة دراسية هناك. وكانوا يتمتعون باحترام العرب في قلب العالم العربي والاسلامي، وكانوا يصرفون بسخاء ونحن فقراء. لماذا يجب على الكرد أن يكونوا ملَكيين أكثر من الملك ؟ لماذا يجب على الشعب الكردستاني أن يغلق جميع الأبواب أمامه، والأنظمة العربية والفارسية والتركيـة ترفض الحقوق الكردستانية، وتتعاطى مع إسرائيل ؟ لماذا هذه الهجمة الشرسة على الكرد من ايران وتركيا وبعض الدول العربية ؟ ألم تشتري ايران السلاح من اسرائيل في حرب الثماني سنوات مع النظام العراقي المنهار ؟ ألا يتمتع اليهود في ايران بمركز أكثر احتراما من مساجد المسلمين السنة، بل من الكرد كلهم ؟ أليست هناك اتفاقية عسكرية وأمنية بين تركيا واسرائيل ؟ ألم نطلع على تلك الاتفاقيات التجارية بين نظام أربكان ونظام رجب اوردكان الأسلامويَين مع اسرائيل ؟ أليس هناك يهود الدونمة في مجلس الأمن القومي التركي ؟ ألم يكن هناك تحالف بين القوى العربية اللبنانية بقيادة ميشيل عون لضرب القوى الوطنية اللبنانية الاخرى؟ أليست العلاقات التجارية الاسرائيلية متينة مع كثير من الدول العربية والمسلمة كقطر مثلا ؟ لماذا يُلام الكرد حين يطرقوا الأبواب، ويقفوا عند منتصف الطرق، ويترددوا ويخافوا في التعامل مع امريكا والغرب واسرائيل، والكرد لم يعتدوا على الآخرين ؟ أليس من أجل أن يعزلوا القضية الكردية، ويضربوها ؟ إنهم فعلا يضربوها كل يوم عبر المؤامرات، ويصرحون علنا بأنهم يرفضون حتى حق الشعب الكردستاني في الفدرالية ؟ أي مهزلة سياسية هذه ؟ بل أي غباء أن يتقوقع الكرد مع آلامهم ونكساتهم، ويركضوا وراء السراب ؟ أليس من الافضل الاعتراف بحق الشعب الكردستاني في الحرية والمساواة بدلا من التهامات الفارغة لالهاء الكرد بالفراغ ؟ أليس من الضروري أن يعقد العرب والفرس والترك مع الشعب الكردي تحالفا ضد الأعداء بدلا من تحريمه من حقوقه، بل منعه من الحركة، وكأن الكرد عبيد مأجورون ؟
التعامل الكردي مع أمريكا واوربا وإسرائيل ينبغي أن يستمر ويتعمق على مستوى المصالح المتبادلة في ظل هيمنة العلاقات الاستعمارية التي تحكم الشعب الكردستاني في كردستان من الأنظمة التي تشرده وتضطهده وتستغله. ويجب أن لايكون هذا التعامل على حساب قضايا الشعوب الأخرى، ولكن يجب أن يكون، على أي حال، في صالح القضية الكردستانية والتوازن في المنطقة. ولابد للقضية الكردستانية أن تتعامل مع النظام الدولي وتدخل الحلبة الدولية من جميع الأبواب دون أن تعادي قضية أي شعب بشكل عام. وبالمقابل يجب على الشعوب الأخرى التعاطي مع قضية الشعب الكردستاني لأن عداءهم لحقوق الشعب الكردستاني قد يُجبره بالتعامل مع الجهات الأخرى اكثر فأكثر للدفاع عن نفسه. أي غريق يرفض أن يأتيه منقذ لإنقاذه من الغرق؟ أليس انتحارا أن يقول الغريق للمنقذ، ابعد عني فأنت تظلم الذي يظلمني ؟
يجب أن تكون العلاقات الكردستانية العربية والفارسية والتركية والأمريكية والإسرائيلية والأوربية والدولية على أساس المصالح المشتركة. والكرد لايملكون القوة، ولا يفكروا أن يعتدوا على الآخرين، لأنهم لم يحتلوا ارض أي شعب آخر بل أن أرضهم محتلة وتضطهدهم الأنظمة التي تحكمهم فوق أرضهم.
لا أخال بأن الشعب الكردي سيعادي أحدا في المنطقة، لأنه ذاق مرارة الإحتلال، ولن يقبل الإحتلال لنفسه كما لن يقبله على الآخرين، لكنه يجب أن يتعلم من التاريخ، بأن لا يكون ملَكيا أكثر من الملك كما قلت، وأن لا يخاف في اقامة العلاقات مع كافة الأطراف اذا تطلبت مصلحة القضية الكردستانية ذلك من اجل الحرية والتوازن والسلام للجميع على قدم المساواة.

العلم الكردستاني غذاء النفس ورمز الشخصية الكردستانية
يبدو أن سلطات الحلفاء في العراق إعترفت بالعلم الكردستاني ذات الألوان الخضراء والبيضاء والحمراء يتوسطها قرص الشمس الصفراء. وبذلك قررت السلطات الكردستانية التي تقبض على السلطة في أقليم كردستان بمركزَيه أربيل والسليمانية برفع العلم الكردستاني على المباني والمؤسسات الكردستانية في المدن الكردستانية دون أن يواجه أي معارضة من القيادة العراقية طالما أن القيادات الكردستانية متمسكة بالفدرالية الجغرافية. وبهذه الخطوة تقدمت القضية الكردية خطوات كبيرة إلى الأمام نحو تثبيت الشخصية الكردستانية على جغرافية كردستان العراق. فالعلم رمز شرف الشعب، وعنوان وجوده وإثبات ذاته إضافة إلى الدلالة السياسية الكبيرة في الإعتراف بالوجود الكردي، وبالمعاني التي تحملها الألوان الزاهية التي تزين العلم. والأهم من كل ذلك، القوة السيكولوجية للإنسان الكردستاني وشعوره القومي والوطني بالدفاع عن ذلك العلم الذي يرمز كرامته، ويعبرعن الإعتراف بوطنه.


يتبع
القسم الثاني: المواقف المتباينة في النظام الدولي