الصورة المأساوية والمريعة التي وصلت لها حالة الصراع في مدينة النجف تشير لحجم الروح الإجرامية التي تهيمن على العصابات الدينية الجديدة وهي تخوض بدماء الأبرياء وتضحيات الجهلة والمغفلين والمحبطين والمحرومين حروبها التسلطية الخاصة التي تحاول إلباسها صفة القداسة الدينية عبر التسلح بالخطابات العقائدية والنهل من التراث الطائفي، وتطويع النصوص التاريخية الفقهية لتستخدمها أسؤأ إستخدام وأبشع إستغلال من أجل فرض الزعامة والتسلط وممارسة الأهواء السادية المعبرة عن أزمة أخلاقية وضميرية محضة !، فالتكتيكات المخادعة التي يلجأ إليها المختل مقتدى لاعلاقة لها إطلاقا بحالة الشفافية الفكرية والسياسية والصراحة العملية وروحية التسامح التي ميزت زعماء الفقه والفكر الشيعي عبر العصور، وحالة الثورية المزيفة التي يحاول مقتدى إبرازها لاتتناسب إطلاقا مع أساليب زعماء وقادة الفكر الثوري الشيعي المجاهد ضد الظلم والرافع لشعار (هيهات منا الذلة)!! فلم يعرف عن شيعة العراق تعصبهم وولعهم بمناظر الدماء والأشلاء، ولم يعرف عنهم الجنوح الجنوني صوب لغة الشعارات والتهديدات وإمتهان الأبرياء، وكانوا على الدوام صمام الأمان للمجتمع العراقي عبر مختلف حقب وفصول وأيام الأزمات العاصفة وماأكثرها التي مرت بالعراق؟ ولم تكن مطالبهم في يوم ما الإنفصال عن العراق وإقامة كيانهم الخاص ! بل إعتبروا أنفسهم جزءا رئيسيا وفاعلا من النسيج الوطني العراقي يفرحون لأفراحه ويحزنون لأحزانه ويساهمون في النضال الوطني وبشكل يسمو على كل صيغ الخلاف الطائفي والسياسي، وهم أي شيعة العراق رغم مظلوميتهم التاريخية ومحاولات عزلهم والتشكيك في أصولهم وإسلامهم وحتى إنتماؤهم الإثني لم يحاولوا في يوم ما القصاص أو الإنتقام ممن ظلمهم بل كانت مكارم الأخلاق الإسلامية تعلو عندهم فوق كل الإعتبارات، ولو لاحظنا ماحصل في الفلوجة مؤخرا من قتل على الهوية لمجموعة من العمال العراقيين الشيعة من سائقي عربات النقل الذين غدرت بهم قطعان الأصولية والسلفية المجرمة ومثلت بجثثهم أشنع تمثيل وبشكل بعيد عن القيم الإسلامية الواضحة التي نهت عن (التمثيل ولو بالكلب العقور)!! فإن عموم الشيعة وعشائر المقتولين لم تنجر للفتنة بل صبرت على القذى وهي تنتظر أن يتم تسليم القتلة المختفين وسط البعثيين والمخابرات في الفلوجة لمحاسبتهم قانونيا وأصوليا، ولم يتم اللجوء الشيعي مطلقا لأسلوب الخطف المتبادل وهي عملية سهلة ولاتتطلب مشقة في ظل الأوضاع السائدة في العراق حاليا!! إلا أن مافعله ويفعله أقطاب عصابات مقتدى من عمليات قتل وخطف ولصوصية وتعذيب تفصح أساسا عن براءة شيعة العراق من تلكم الممارسات الإجرامية واللصوصية الشبيهة بأساليب المدرسة الإرهابية البعثية الصدامية والتي يبدو واضحا أن مقتدى من المعجبين بها ومن الأمناء على ضرورة إستمراريتها وهو لايرعي حرمة الدماء والأعراض والأموال ويتمنطق بمنطق إرهابي وتقسيمي مريض وشاذ يعبر عن حالة خواء فكري وسلوكي فاضح، فهو حين يشعر بالحصار والضيق يمارس تكتيكا مراوغا يدعو بواسطته للتفاوض في حين تستمر عصاباته في إنتهاك المحرمات وتستمر أقاويل وتخرصات وأكاذيب رموزه الإعلامية وتصريحاتها السقيمة المتضمنة كل أساليب الكذب والمراوغة والرياء والدجل فالمدعو أحمد الشيباني قد تحول لصحاف معمم جديد والمدعو عبد الهادي الدراجي من بغداد ينشر الأكاذيب ويطلق الإشاعات ويعمم الكراهية والحقد، أما المدعو أوس الخفاجي ورائد الكاظمي فتصريحاتهما التلفيقية لاتختلف عن سابقيهم ولن نتحدث عن الكفر البواح المنطلق من افواه قادة عصابة مقتدى في البصرة والعمارة حول الدعوات التقسيمية والتشطيرية والإنفصالية والتي تفضح عن الحقيقة الطائفية المريضة والمشبوهة لتلك العصابة التي ترفع زورا الرايات المهدوية... وفي ذلك فإن الروايات الشيعية المتعلقة بظهور المهدي تؤكد على أن المهدي حين يظهر سيحصد رؤوس أكثر من سبعين ألف معمم بعمائم الزور والدجل؟ فهل ستكون العمائم الإيرانية وعمائم هيئة العلماء البعثية من ضمن العمائم المحصودة؟.

إنها أساليب مريضة لأوضاع مريضة تؤكد على أن حبل الكذب والدجل قصير ولو تشبث بالروايات والشعارات الدينية التي ثبت بطلانها لأن مقتدى في البداية والنهاية لايشكل سوى مشروعا بدائيا وضئيلا لديكتاتورية دينية ومذهبية جديدة يراد لها أن تكتسب صفة القداسة ولكنها لن تحوز إلا على لعنة كل الأحرار، فلامكان في عراق المستقبل الحر للدجل والدجالين.

[email protected]