لم يهتز العالم الأسلامي ولاالمنظمات العربية لما يحدث من حرب طاحنة وقتال بين أنصار حسين الحوثي والقوات اليمنية المسلحة، ولم تبد دول الجوار أي اكتراث لهذه القضية ولما يذهب بها من ضحايا بشرية سواء من المتقاتلين أو من الأبرياء، ولم تطلب مصر أن يتم تدويل قضية الحرب الدائرة في السودان، ولم يطلب أي احد ان يتم تدويل قضية الصحراء المغربية والقتال الذي يدور بين البوليساريو السلطات المغربية، لم تهتز شوارب أحد من المتسلطين على المؤتمرات الأسلامية أو العربية.
لم تكترث كل هذه المنظمات التي تجتمع وتنتهي اجتماعاتها على بنود من الورق والكلمات المكررة والمعادة والتي لاتفيد في حلول عملية، لم تكترث لما حل بالشعب الكردي من مأساة ومن فجائع ومجازر أقدم عليها الدكتاتور العراقي، وراح ضحيتها مئات الالاف من الكرد الأبرياء والعزل، ولم تلتفت هذه المنظمان الأنسانية الى محنة الشعب العراقي وماحل بالكرد الفيلية حين أضحوا دون جنسية ودون وطن ودون ممتلكات والغت السلطة الشوفينية كل مالهم من حقوق، لم يطالب احد أن يتم دراسة ماحل بالملايين التي هاجرت هرباً من الطاغية أو هجرت رغماً عنها لتملأ اصقاع الأرض.
لم يلتفت أحد من هؤلاء الى ماحل بالشعب العراقي ومالحقه من ضيم وحيف وظلم وتراجع وتخلف وافقار وضياع مستقبل اولاده وأستمرار سلطة الطغيان في ذبح الناس بالسيوف والسكاكين والرصاص والحروب تحت شتى المزاعم والحجج.
لم ينبري احد ليطالب بتدويل قضايا العراق، فلماذا يطالب البعض من دول الجوار أن يتم تدويل قضية النجف بدلاً من مد يد العون للسلطة المؤقتة أو لأهل النجف الذين صمتت المنظمات الأنمسانية عنهم صمت القبور.
دخل أهل النجف محنة لم تمر بها مدينة مثلما مرت بها ظروفهم، فالنجف مدينة صحراوية لا يمر بها نهر يعين اهلها الحصول على الماء وهو ضروري في الحياة اليومية، والنجف لايقع عليها طريق عام ومدينة منقطعة تقع في أقصى الطرف الغربي المحاذي للصحراء العراقية، وقد اوغلت السلطات التي تعاقبت على حكم العراق أن لاتكون في النجف معالم المدن المهمة، فلا قطار يمر بها ولامطار يقوم فيها ولاطريق سريع يخترقها ولامعالم سياحية تشيد عليها، ولخصوصية النجف الدينية جعلتها مدينة مزدهرة دينيا وتجارياً رغم انف السلطة التي كانت مهمتها مراقبة الناس والحفاظ على امن الدولة وتحجيم القدرات الدينية والثقافية فيها. ولهذا فأن السلطات وضعت في النجف مؤسسات أمنية ومخابراتية وأستخبارية أكثر من المعامل والمصانع والجامعات.
وفي النجف يعيش الناس من جميع القوميات والأجناس لذا فهي محطة عالمية تستطيع ان تستمع الى لغات متعددة وتشاهد اشكال متعددة للبشر في نفس الوقت.
والجدير بالأنتباه أن الجامعة العربية التي كادت ان تبكي من فرط حزنها لسقوط صدام البائد، وافرطت في اظهار معالم الحزن والتضامن حين تم ضرب أرهابيين في قضاء صغير من اقضية العراق، وبادرت دول الجوار لأرسال مساعداتها الأنسانية والطبية والغذائية لأهل تلك المدينة، وبادرت فضائيات عروبية الى نقل الأخبار ومناشدة منظمات الدنيا من اجل مد يد العون والمساعدة لهذا القضاء، وقابل المسؤولين في العالم العربي والجامعة العربية وفود وممثلين عن ذلك القضاء حتى ظن العالم ان في العراق دولة اخرى توازي الدولة العراقية.
غير أن للنجف لغة اخرى يفهمهما اهل العراق، فالحقد الدفين المترسخ في الذهنية العروبية ضد النجف يتعدى المناشدة الأنسانية، والكراهية التي تكنها الجامعة العربية لمدن يعتز بها اهل العراق تبدو واضحة في التفريق المريع في التعامل والنظرة المختلفة بين مدينة ومدينة في العراق، والتجمعات الشوفينية العربية تعتبر النجف الشوكة التي لم تزل منغرزة في عيونها، وهي المدينة التي بالأضافة الى كونها المركز الأساس والرئيس للفقه الجعفري والمركز الحوزوي العالمي والساحة الثقافية والفهية لهذه المدارس الأسلامية، والنجف بالأضافة لكل هذا معقل وطني ومركز من مراكز الحركة السياسية الوطنية في العراق، بالأضافة الى كون النجف لها ثقلها المؤثر في التاريخ العراقي المعاصر، وهي فوق كل هذا تضم ضريح الأمام علي بن ابي طالب وداره ومقر الأمارة ومركز الخلافة في عهده، وهي تضم ايضاً اكبر مقبرة أسلامية في العالم.
ولهذا فأن الصمت وعدم الأقدام على فعل في مساعدة الناس من اهل النجف وهم بحاجة ماسة لهذه المساعدات الأنسانية بالنظر لأنقطاع أمدادهم بالمواد الغذائية وعدم تمكن السلطات من توزيع الحصة المقررة في المواد الغذائية في موعدها المحدد، وبالنظر لقطع الطرق عليهم ومحاصرتهم من كلا الطرفين المتحاربين.
وبدى واضحاً التقصير في مواقف المنظمات الأنسانية تجاه مدينة النجف والناس فيها تعيش تحت رحمة القنابل والرصاص والقذائف، وتحت رحمة المجهول والخوف والرهبة في مساكن عتيقة وبدائية ولايمكن ان تصمد امام آلة الدمار التي حلت عليهم دون ان يكونوا طرفاً فيها.
وأمعاناً في أيذاء النجف وأهل النجف تبادر دول الجوار الى طرح لقاءات وتحالفات بغية ايجاد بدائل غير مقبولة لامنطقياً ولاسياسياً في طرح تدويل قضية النجف كبديل عن مواقف واضحة وصريحة وأنسانية في الكف عن ايذاء العراقيين وعدم الأستمرار في ترويعهم والمساهمة في أستمرار تدفق السلاح والبهائم المفخخة اليهم.
تدويل النجف التي طرحتها بعض من دول الجوار ورقة خاسرة ومرفوضة عراقياً وقانونياً ولاتكفي هذه الورقة لتستر الخلل في مواقف هذه الدول، ولايمكن ان تكون البديل عن الموقف الأنساني في هذا الظرف تجاه أهل النجف والشعب العراقي، فالقضايا الداخلية غير قابلة للتداول الدولي والشأن الداخلي لايمكن أن يحل في مؤتمرات مغلقة وفي الكواليس، وطالما كانت مشاكلنا العراقية خالصة فنحن الأجدر على حلها وفهمها، كما اننا لانسمح لكائن من كان ان يتدخل في شأننا الداخلي طالما أحترمنا شأن الآخرين الداخلي، وهذا الأمر نابع من الخلق العراقي في التعامل السياسي الدولي.
وستبقى النجف مدينة عراقية وأصيلة، وستبقى النجف رغم محنتها المدينة التي يضعها اهل العراق في قلوبهم وينظرون لها بكل اجلال وأحترام، وسيبقى علماء النجف واهل النجف والرموز التي يعتز بهم اهل العراق لتميزهم وعطائهم بالرغم من النظرة الشوفينية والحولاء التي تنظرها السلطات العربية او الأجنبية المجاورة للعراق التي لن تتمكن من النظر بشكل طبيعي وأنساني للقضية العراقية.
ولهذا فأن جميع العراقيين يتطلعون الى حل عراقي ينهي أزمة النجف بالشكل الذي لايكرر المأساة والأزمة والمحنة التي حلت بالناس، وحل شامل يتطلع له اهل العراق من رجال الدين والأحزاب العراقية الوطنية من خلال التوحد العراقي المشترك والألتقاء حول قضية بناء العراق الجديد، عراق ديمقراطي فيدرالي يحترم حقوق الأنسان ويتطلع الى حياة نحترم فيها جيراننا الذين يجب ان يحترموا أرادتنا وشؤوننا الداخلية وخصوصيتنا العراقية.
- آخر تحديث :
التعليقات