بعد اتفاق ليلة الخميس "العظيمة "، هل سيحل السلام على المدينة المقدسة؟ سؤال يحير اكثر من متتبع لما يجري في العراق. ان الجواب عليه ليس صعبا على الاطلاق باعتقادي، لان السلام المتفق عليه ركيك لان من رفع السلاح ضد امن العراق غير مؤمن به. ان المجموعات الارهابية التي وقفت وراء سفك دماء العراقيين واستباحة مقدسات الاغلبية منهم نجت من الحساب الذي كان من المفترض ان تقوم به الدولة العراقية ضد الخارجين على القانون العام. ان الذين القوا سلاحهم هم الاقلية. الاخبار جاءت بان الجماعة التي حاربت في الصحن الحيدري هربت اسلحتها في حقائب السفر. وعلى الرغم من الارتياح الذي احس به الناس في مدينة النجف بعد الاتفاق، لكن سحب الدخان ورائحة البارود لا زالت تملئ سماء المكان وكذلك سماء الكثير من المدن العراقية، حيث عصابات التي تسمي نفسها جيش " المهدي" ترفع صور قائدها مقتدى وتعد العدة لجولة اخرى. وقد صرح الشيباني الناطق باسم الصدر يوم الجمعة بانهم سوف لن يحلوا جيش " المهدي". ان الاتفاق شمل مدينتي النجف والكوفة ولم يشمل مدن البصرة حيث تفجر تلك العصابات انابيب النفط وكذلك لم يشمل مدينة الناصرية التي يتم فيها الاعتداء على السكان الآمنين او في مدينة العمارة وحتى مدينة الثورة "الصدر" بقيت خارجة من الاتفاق وبالتالي ابقاء بغداد عرضة لاعمال ارهابية تساهم بها عناصر ذلك الجيش. فاي اتفاق هذا الذي ابقى السلاح في يد القاتل واطلق سراحه وترك النظام اسير عصابات؟ نعم ان الاتفاق اتاح للمدينة الهدوء ليوم واحد او عدة ايام قادمة، وفي ذلك جانب ايجابي، ولكنه لم يحل القضية بالكامل كما انه نزع هيبة الدولة العراقية وزاد من صورتها الهزيلة.
اتفق مع الكثيرين بان السيد السستاني رجل دين معتدل بعيد عن الخط المطالب بولاية الفقيه الذي تتبناه القيادة الإيرانية والمبني على خلط الدين بالسياسة، اي سيطرة الدين ورجاله على الحياة العامة وفي مقدمتها الدولة وفرض قوانينه على الناس اجمعين بغض النظر عن دينهم ومعتقدهم. والرجل اثبت في الاقوال كما في الافعال رفضه المساهمة في الحياة السياسية معتبرا ان السياسة نشاط انساني، في ممارستها ما هو بعيد عن مهمات رجال الدين . اما الدين بالنسبة لرجال مثل السيد علي السستاني، فهو تهذيب للنفس وتعليم القيم الروحية، مبشر بالخير وينهي عن الشر والمنكر. ولكن ضعف الدولة العراقية الانتقالية وعدم جديتها في التصدي للقوى الشريرة الخارجة على القانون مثل جماعة المراهق الصدر وغيرها توجت الرجل حاكما فعليا للعراق ووضعت في يده صنع القرار في ان تكون الحكومة او لا تكون. في الوقت الذي كان يفترض من الحكومة الانتقالية ان تكون جادة في انهاء المليشيات المسلحة جميعها وتنظيف مدينة النجف المقدسة من عصابات مارقة لا تعرف حرمة لدين ولا لوطن وهو مثخن بالجراح، وفي نفس الوقت تقدم لجميع رجال الدين من جميع الاديان الهيبة والتقدير وفي طليعتهم السيد السستاني. ليس اياد علاوي وحده يتحمل ما آلت إليه الحالة، ولربما هو الافضل من حاول ان يعطي للدولة العراقية والحكومة الانتقالية الهيبة كما فعلا وزيري الدفاع والداخلية، ولكن السياسين الآخرين المشاركين في قيادة الفترة الانتقالية كاعضاء في الحكومة او ممثلي الاحزاب الدينية وسياسين لبرالين يحاولون ان يكونوا شعبوين على حساب امن العراق وشعبه في مطالبتهم انقاذ رأس الصدر وجيشه الارهابي. هم وغيرهم من ساهم بشكل مباشر في تكون ان الدولة العراقية بيد رجال الدين. هذا ليس معناه ان العراقيين ضد رجال الدين، ولكن القاعدة في انهم مهما كانت كفائتهم ومستواهم ودرجة اجتهادهم ليسوا سياسيين. ان الدور المزدوج الذي لعبه سياسي الاحزاب الإسلامية الشيعية داخل الحكومة وخارجها ساعد الصدر والمجموعات المحيطة به وكذلك جماعات هيئة علماء غير " المسلمين " من التمادي في مقاومة الحكومة وبالتالي تطلعات الشعب العراقي نحو الاستقرار. ان تصريحات الدكتور اياد علاوي في الاسبوع الماضي كانت صادقة :" تقولون في الغرف المغلقة شيئا ًوفي الخارج شيئا ً آخر !! بعضكم يُبدي حماسة في الأجتماعات للحسم ونحن نهدئه وينتقـد في الخارج أسلوبا لمعالجة الأزمة بما في ذلك التلويح با لقوة.... ونحن لانتحدث بلسانين ولغتين !! ". ففي داخل اروقة الحكومة طالبوا رئيس الوزراء بالوقوف بحزم ضد المليشيات المسلحة ومنها مليشات الصدر، وفي خارجها نادوا الحكومة بان تكون مرنة معها، خاصة جماعة الصدر وعصاباته التي استباحت مدينة النجف المقدسة. حتى وذهب البعض بعيدا بالمطالبة بتدويل قضية محلية عراقية كما أرادت إيران، او دعوتها للمشاركة في حلها. ان من المؤسف ان يذهب الوضع العراقي بعيدا إلى هذا الحد بان تتخلى الدولة العراقية والحكومة التي يفترض بانها تمثل الشعب العراقي بكل اطيافه القومية والدينية في التنازل عن حقها في اتخاذ القرار الحاسم في انهاء عصيان ضد السلطة الوطنية والسماح لرجال الدين التصرف بدلها واعطاء حياة جديدة وشرعية لمن فقدها ولم يقبل ان يساهم بشكل شرعي في العملية الديمقراطية واعادة بناء العراق كالصدر وجيشه المتخم بالمجرمين واعوان النظام الساقط. ان السيد السيستاني يلقى الاحترام من اغلبية العراقيين، ولكنه لا يجب ان يكون حاكما لبلد يحتاج إلى حنكة السياسي ومقدرة المتمرس فيها لكي يمارسها ويتقبل نتائج لعبها التي في بعض الاحيان دنوية القاعدة. فالسيد السستاني رجل دين ملتزم، فلا داعي لتتويجه حاكما، لانه لا يريد ذلك وهو غير مستعد لدور بعيد عن مهماته الارشادية الدينية التي يمارسها باقتدار. فهل لا زال العراق يعيش عملية مخاض عسيرة لاستقرار الامن فيه؟ ومتى تنتهي؟ وان تخلت الدولة العراقية عن حقها في القيادة لرجال الدين لربما تسهل في تعبيد طريق لظهور خميني آخر. وفي هذه الحالة إلى اين سيسير العراق؟


[email protected]
بالتزامن مع عراق الغد
www.iraqoftomorrow.org