يُعدُّ يوسف القرضاوي أحد الشخصيات المعروفة في العالم الإسلامي، وهو عالم دين مصري معروف في قطر حالياً كأحد رواد الإعلام الإسلامي الجديد، وله برنامج تلفزيوني على قناة الجزيرة يقدم خــلاله الفتاوى في كثير من الأمـور في موقــع على الإنترنت يدعى Online Islam وقد التقى القرضاوي الأسبوع الماضي علماء دين آخرين في الاجتماع السنوي للمركز الأوروبي للفتاوى والبحوث في لندن، حيث قامت الهيئات الصحفية الأكثر جرأة في العالم بإعطاء هذا الشخص البارز أهمية قصوى، عبر نشر اسمه على صفحات الانترنت، ورسم كل حركة من تحركاته.

"ليس غريباً أن أزور لندن" . قال القرضاوي، "فلماذا إذاً... هذه الجلبة عندما أزورها اليوم؟" وبلا شك، فقد أحدث بعض خصوم توني بلير ضجة حول القرضاوي لجمع نقاط سياسية على حساب رئيس الوزراء، غير أن معظم الناس لا يحبون ما يمثله هذا الشيخ. فقد غضبت الحركة النسائية من أحكام القرضاوي التي تسوّغ ضرب الزوجات (ولو أنه ضرب خفيف دون ضرب الوجه ) وختان النساء. كما غضب الشاذون لوصفه ممارساتهم بأنها "فعل شنيع مناف للطبيعة". وكذلك غضبت الجماعات اليهودية لتأييده العمليات الانتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين. وبما أن جميع الإسرائيليين يخضعون للخدمة العسكرية، فجميعهم أهداف عسكرية بنظر القرضاوي. وقد كان موقفه هذا سبباً في رفض واشنطن منحه تأشيرة دخول منذ 1999.

قد يكون للبريطانيين سببهم الوجيه في إبقاء القرضاوي خارجاً هذه المرة، رغم أن عمدة لندن (كن ليفنغستون) قد دعاه للعودة. وقد فشلت الصحافة البريطانية وسط كل هذه الجلبة في ملاحظة أن القرضاوي يؤمن بأن الجنود الأمريكان هم أهداف شرعية للجهاد في البلدان الإسلامية كأفغانستان والعراق. وكما قال القرضاوي "إن مقاومة الغزاة هو فرض عين على كافة المسلمين"، ويجب على أعضاء الأحزاب السياسية الفاعلة أن يستنتجوا فيما إذا كان هذا الرأي ينطبق أيضاً على قوات التحالف كالقوات البريطانية المتمركزة في البلدين المذكورين. هل يجب مقاومتهم وقتلهم أيضاً؟ وإذا كان كذلك، فإنه لشيء غامض أن ترغب الحكومة البريطانية بالترحيب بشخص يبيح قتل قواتها. وكان لبريطانيا العظمى نصيبها من الخوف من أخبار المسلمين مؤخراً: اُعتقل أبو حمزة المصري، وهو إمام مصري، في أيار في جامع فينسبوري بارك الشهير بلندن وسُلّم إلى الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالإرهاب.

ويعتبر القرضاوي أقل تطرفاً قياساً بأبو حمزة، ويختلف مناصروه بشأن منحه مصداقية لإدانته هجمات 11 أيلول- كما لو كان ذلك قراراً يصعب اتخاذه. وخلال زيارته لندن خرج القرضاوي عن أسلوبه لتهدئة بعض نقاده، حيث أوضح بأنه لم يكن يروّج لحملة فعالة ضد الشواذ وبأنه قد فرق بين اليهود ،الذي اعتبر بعضهم صالحاً، وبين الإسرائيليين الذين يمثلون جميعهم أهدافاً عسكريةً. وقد تساءل أحد القادة المسلمين البريطانيين "إذا كان القرضاوي متطرفاً فمن هو المعتدل؟".والحقيقة أن القرضاوي ليس معتدلاً ولا مجاهداً بمعنى الكلمة. فقد رفض مراراً عرض تسلّم قيادة الإخوان المسلمين، بيد أنه ما يزال مقرباً منهم ومن حماس التي تقف وراء العديد من العمليات الانتحارية التي يبررها. أما فيما يتعلق بأسامة بن لادن رئيس "القاعدة"، فإن القرضاوي يزدريه نوعاً ما.ففي كتابه الحالي (بزوغ القمر السيئ ( ، يسأل الطالب الفرنسي جيل كيبيل القرضاوي عن رأيه بأسامة بن لادن. ويقول القرضاوي على لسان كيبيل بأن ابن لادن "لا ينشر أي شيء يمكن للمرء استخدامه كمستند حقيقي ليحكم على ثقافته؛ ولا يستطيع أن يعتبر نفسه حتى أستاذاً في القانون، ولذلك لا يمكن أن يعطي رأياً قضائياً أو فتوى: فهو "مبشر"؛ أي المرتبة الدنيا في التصنيف الهرمي الحالي."

لا تكمن مشكلة القرضاوي مع أبن لادن في كونه سفاحاً بل في كونه جاهلاً في أمور الدين. فآراء القرضاوي المتماسكة قادرة على تبرير مقتل المواطنين الإسرائيليين، في حين لا يملك ابن لادن مسوغات تبرر إعدام 3,000 شخص في أحداث 11 أيلول. إن ابن لادن ليس شخصاً غير سوي ولكنه شخصٌ مخطئ. "القرضاوي علاّمة غير متساهل" كما يقول كيبيل، وهو "ضليع في معرفته العقائدية." وهذا يعني أنه أصولي قديم الطراز ليس إلا.

يكتب بعض معجبي القرضاوي، مثل ريموند ويليام بيكر، بأن الشيخ يؤيد الديمقراطية، ويكتب فتاوى تظهر بأن الديمقراطية تنسجم مع الإسلام. غير أن المفكر الأردني، شاكر النابلسي، الذي يعيش في الولايات المتحدة، يؤكد بأن مفهوم الديمقراطية الإسلامية عند القرضاوي ليس سوى مصطلح متناقض ومضحك. فالديمقراطية كما يكتب النابلسي:" ليست مجلساً دينياً ولا الالتزام بنشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة. الديمقراطية ليست التسامح الديني أو العدالة أو أية قيمة دينية أخرى بل هي مبدأ مدني وليست قيمة دينية."

لو كان النابلسي بين وفد الولايات المتحدة المفوض في القمة الثمانية التي عقدت مؤخراً في جورجيا، فلربما أحرز تقدماً أكبر في مناداته للديمقراطية العربية الحقيقية، وهي موضع لعنة من قبل الديمقراطيين المسلمين كالقرضاوي ومن القادة العرب ككل.وعلى كل حال، فكما يذكرنا النابلسي فإن هناك نظام سياسي هو "هل يحكم الشعب من قبل الشعب ولصالح الشعب" تاركاً مجالاً بسيطاً للديكتاتوريين العرب الذين يعتقدون بأنهم مصدر السلطة كلها أو لأولئك المسلمين الديمقراطيين الذين يعتقدون بأن مصدر السلطة السياسية العليا هي الله.

قام البيت الأبيض في الشهر الماضي في قمة الثمانية وتحت ضغط العرب والحلفاء الأوروبيين بإلغاء مشروع الشرق الأوسط الكبير الرامي إلى ترويج برامج إصلاح مختلفة في المنطقة ككل. وإذا فكر الأوربيون بأنه ليس للولايات المتحدة الحق بفرض فكرة حكومة جيدة على الآخرين فلن يكون لديهم وخز ضمير لتلقين واشنطن درساً في معنى الديمقراطية.

لا يريد العالم العربي "مبشرين" للديمقراطية، كما قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وأردف شارحاً: "كي تأخذ الديمقراطية جذوراً عميقةً متينة في العالم العربي عليها قبل كل شيء أن تكون ديمقراطيةً عربية". ومن الواضح أن أغلب الدول العربية لا تريد أو لا تستطيع أن تتحول إلى دول ديمقراطية، وإلا لفعلوا ذلك منذ زمن طويل. وكما يعرف شيراك بشكل أكيد فالبرهان على أنهم غير قادرين على الإصلاح الذاتي واضح بسبب الهرب المستمر للعديد من العرب من بلدانهم الفاشلة إلى كل من أوربا وأمريكيا.

لا يدافع شيراك عن العرب، وإنما فقط عن موقعه كصديق عزيز لأولئك القادة الذين لا يرغبون في إصلاح حكوماتهم. ربما لا يمكن فرض الديمقراطية، غير أنه يمكن فرض الإصلاح الديمقراطي والعلماني. وكصحفي في مجلة Slate كتب ميشيل يونغ في الصحيفة اللبنانية Daily Star ، إن مشروع الشرق الأوسط الكبير "اعتبر الإصلاح العربي حاجة أمنية وطنية للشرق." وكما أظهرت أحداث 11 أيلول فقد أثرت المجتمعات الفاشلة على حياة المواطنين الأمريكان العاديين. كانت الفكرة التي تكمن فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير في أنه إذا قامت الدول العربية بدورها بشكل أفضل وأعطت المواطنين صوتاً في العملية السياسية وفرصة في تنمية مصالحهم الاقتصادية، فإن عدد الشبان العرب الراغبين باقتحام أبنية الولايات المتحدة بطائراتهم سيقل بالتأكيد. غير أن الفكرة ليست أقل عقلانية الآن وليس هناك سبب واحد للاعتذار عن الحماس التبشيري، خاصة عندما يكون هدف الإصلاحات الثقافية التي ترعاها واشنطن هو، كما يقول القرضاوي متذمراً، "أنهم يريدون حذف تعاليم الجهاد."

يعتمد العرب الذين يشغل الإصلاح تفكيرهم على الولايات المتحدة في قيادة هذا البرنامج. وقد سمعنا ومن مصادر عدة كم يحب العرب الأمريكان، لكن ليس السياسات الأمريكية، وربما ينبغي أن نتساءل عن الأشياء التي يحبها العرب فينا. موسيقانا الشعبية وأفلامنا؟ أم رغبتنا في صرف الكثير من النقود في العطل؟ أم التنافس بين فريقي اليانكي وريد سوكس؟

إن سياسات الحكومة الأمريكية مستمدة بشكل كبير من أفكار الشعب الأمريكي. وبصراحة لا يوجد شيء يميزنا كأمريكان إلا أفكارنا. فإذا كان مقيضاً لهذه الأفكار أن تتصادم مع الغامرة السياسية للرئيس الفرنسي أو الآراء الدموية ليوسف القرضاوي فسيكون هذا أفضل.

الكاتب باحث امريكي، ويُعدُّ كتاباً للنشر عن "ثقافة العرب".