ذكرتني تصريحات رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري لصيحفة (زمان) التركية القريبة من أوساط حزب العدالة والتنمية، حول الشعب الكردي وقضيته القومية(الآخذة في التطور والتصاعد الدراماتيكي منذ حرب تحرير العراق) بمرويّة كردية قديمة تتحدث عن طائر بائس يتعرض كلما ذهب للقنيص في الفضاء الرحب إلى مضايقات وضرب من بقية الطيور الجارحة، والتي تبعده عن مناطق "صيدها" وتسد عليه سبل الرزق والإعاشة، فلا يكون له بعد أن يعود إلى عشه سوى التعرض بالضرب والتنكيل لفراخه والنقر على رؤوسهم، أي إنه( وبالتعبير السوري الأفصح) لا يجد سوى صغاره يتمرجل عليهم...

السيد عطري في حديثه ل(زمان) التركية28/12/2004 عرجّ مرة أخرى وهو يخاطب الرأي العام التركي على قضية الشعب الكردي ، وكرّر ما قاله سيده الرئيس بشار الأسد أثناء زيارته لتركيا مطلع العام الفائت بإن "وجود دولة كردية في شمالي العراق هو بمثابة خط أحمر لسورية". والتعبير ، لمن لايعرف القاموس الإعلامي/الشتائمي في تركيا، هو عسكري تركي بحت ، تكررّ ، ويتكرر دائماً وكلما إقتضت الحاجة، على لسان الجنرالات الترك حينما يتعلق الأمر بالقضية الكردية وتطورتها وبشكل خاص في جنوب كردستان(كردستان العراق). وهو الشعارالذي فقد بريقه التهديدي مع تهاوي النظام الصدامي المندثر ومشاركة الكرد بقوة في الدولة العراقية الجديدة وتداعي كل "خطوط أنقرة الحمراء" التي رسمتها حماة الأتاتوركية العصبوية في مجلس الأمن القومي التركي.

ولايعلم المرء ، بعد تفتيش وتقليب للحال السورية على أكثر من جانب ، أين تكمن المصلحة الوطنية السورية في إعلان المعاداة الواضحة والصريحة للشعب الكردي وأخذ جانب العسكر الأتراك الملطخة أيديهم بدماء الأكراد منذ 82 سنة، وسورية تتعرض لضغوطات خارجية هائلة تحتم على حكومتها ، كما يقول المنطق السياسي( وإجتهادية أخذ العبرة والإعتبار كذلك) أن تقوي وتمتن جبهتها الداخلية في وجه كل التدخلات الخارجية المحتملة، كتلك التي بدأت فعلاً في أمثلة ضربات "عين الصاحب" وحادثتي المزة التفخيخيتين...

ثمّ، ماذا يجني النظام في سورية من الركوب المجاني في القاطرة التركية والسير في ركب التدخل السياسي والعسكري في شؤون الجيران ياترى ؟.
أية مصلحة أو ضرورة إستراتيجية لسورية/الوطن في ذلك؟. وأين تتموضع "الأولوية الإستراتيجية" للشعب السوري ـ التي يخمنها النظام هنا ـ هل هو في حل جميع إشكالاته مع الولايات المتحدة الآتية بكل جبروتها التغييري للمنطقة وتسوية مسألة الحدود مع العراق والكف عن دعم الإرهاب والقتل الحادث فيه والقرار 1559 وحساباته التي يجب أن يٌعاد التفكير فيها مجدداً بعد إعادة إنتخاب الرئيس الأميركي جورج بوش لولاية ثانية، أم اللعب بأوراق محروقة وشديدة الخطورة والإنفجار إذما ترجمت معانيها وتضاعفت على الصعيدين الإقليمي والداخلي؟.

أليسّ حرياً بالقيادة السورية ومؤسساتها التسييرية( بما فيها حتى جيوش القطط السمان المستفيدة من صفقات التجارة والبزنس السوري ـ التركي) أن تقوم بجردة حساب وطنية ووجدانية فيما يتعلق بالشعب الكردي في سورية والذي يشكل القومية الثانية في البلاد، ورفع السوط عن ظهر أبنائه و"إرجاعهم" إلى خانة الوطنية التي أخرجوا منها عنوة تحت شعارات ومزايدات قومية: تحررية ووحدوية ذهبت وإلى غير رجعة( بعد التخلي الصامت عن لواء الإسكندرونة) أدراج الرياح والعواصف؟.

أي سياسة و أية منهجية هذه التي تركل شعباً مؤسساً للدولة وتتعرض لشعور الملايين من أبنائه عندما تدخل حقوقهم الإنسانية و القومية في أطر"الخطوط الحمر" وتعلن عدائها في حال نيلهم هذه الحقوق؟. وأي دعم أو"لحمة وطنية" أبقت تلكم السياسة، والحال هذه، وهي تقدم على تصنيفها الغير مدروس والمنافق لدولة جنرالات تركيا التي قضمت حتى الآن أربعة أجزاء من أربعة بلدان جارة ولها معها مشاكل تاريخية مزمنة؟.

ثمّ، ماهو المقابل إزاء كل هذه التنازلات/التخبطات، وإلى متى يبقى المواطن السوري الطرف الذي لا يعلم( والذي لايجب أن يعلم) السر وراء هذه السياسات ( تماماً كما لايعلم على ماذا وقعت حكومته في مدينة أضنة التركية عام 1998 ).

إنه إذاً التقليد الساذج و"جبر الخواطر" الأخطر، والأمر الذي يجعله خطراً حقاً هو حدوثه في هذا التوقيت الحساس والسيء، بالنسبة للنظام في سورية على أقل تقدير...

صحافي كردي مقيم في ألمانيا
[email protected]