سيشهد العراق قريباً محاكمات رموز النظام الصدامي الزائل، وسيتابع الشعب العراقي أخبار هذه المحاكمات التي تهمه في الصميم، فكل واحد من هؤلاء يمثل حقبة مظلمة تفوح برائحة الحزن والألم والظلم. ستكون المحاكمة بلا شك موضع إهتمام المواطن العراقي، لأن الأشخاص الذي يجلسون في قفص الإتهام، سينشطون ذاكرته، وسيستعيد المواطن المضطهد ذكريات أليمة، لما لحق به أو لحق بأفراد أسرته، فيتمنى أن يكون هو القاضي ليصدر حكمه عليهم بالموت ألف مرة، وهذه حالة طبيعية تحدث عندما يكون المجرم موغلاً في جرائمه، إذ يبدو العقاب مهما كانت درجته مجرد خدشة بسيطة مقارنة بما قام به.
المحكمة بخصوصيتها هذه هي محكمة من أجل شعب مظلوم، يريد أن يدخل مرحلة الحرية والديمقراطية والعدالة، وهذا ما يتطلب أن يحظى القضاة وأعضاء المحكمة بالدعم الحكومي المطلوب من أجل إنجاز مهمتهم على أكمل وجه، فهي حدث كبير، بل هي الأكبر في مسيرة الديمقراطية، لأنها نقطة البداية، ولأنها تعني في حقيقتها محاكمة الدكتاتورية والظلم قبل أن تكون محاكمة مجرمين بأشخاصهم. فهي إذن تجربة حضارية لا بد أن ترقى الى مستوى الفعل الحضاري المدني بكل أبعاده القانونية.
إننا نلاحظ أن هناك بعض التسامح مع مقدمات المحاكمة، وهذا ما يجعلنا نؤشر على نقاط الخلل هذه، إذ نرى أن فريق الدفاع عن رموز النظام بدأ يخرج عن حدوده وصلاحيته، مستغلاً تسامح الحكومة، ويحاول أن يشوش على الرأي العام من خلال نشره أكاذيب ملفقة عن حالة المعتقلين من رموز النظام، ويحاول فريق الدفاع أن يحرف مسار المحكمة ويحولها الى مادة دعائية للتداول الإعلامي والتحريض، بعيداً عن أصولها القانونية، وبعيداً عن رسالة العدالة، فالمحامي نراه يمارس دور الإعلامي التحريضي الذي يحاول أن يؤثر على الرأي العام من خلال إثارة قضايا هامشية مختلقة.
إن محاكمة رموز الدكتاتورية في العراق، هي قضية تحقيق العدالة، وليست مناسبة إعلامية أو موضوعاً مثيراً للرأي العام، فهذه الممارسة إساءة للعدالة وتطبيق القانون، فضلاً عن كونها أشبه برش الملح على جراح ضحايا النظام والتي لم يتوقف نزفها بعد.
الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا المجال، باعتبار أن هذه المحكمة هي محكمة حقبة تاريخية سوداء من تاريخ العراق، وهذا ما يجعلنا نأمل أن تقدم الحكومة دعمها لأعضاء المحكمة وبالخصوص قاضي التحقيق، القاضي رائد جوحي لانه قبلة هذه المهمة الصعبة والشاقة، لأن مهمتها كبيرة، وصعبة وهي تواجه حشداً إعلامياً مضاداً، يحاول التشكيك في كل خطوة من خطواتها، وتسجيل النقاط عليها، للنيل من نزاهتها وجديتها وحياديتها وتمسكها بالأصول القانونية.
إن المحكمة تواجه تحديات كبيرة، لأن الجبهة المعادية للمحكمة تضم كل الذين يعادون مسيرة البناء الديمقراطي في العراق وكل أنصار الدكتاتورية السابقة، وكل المتضررين من سقوط النظام الصدامي، إنها جبهة واسعة مدعومة من جهات كثيرة، ولها وسائلها وقدراتها في التشويه والإختلاق وتهويل الأمور الهامشية.
ننتظر من الحكومة العراقية المزيد من الجدية والدعم لمهمات المحكمة التي تقوم بدور الضمير العراقي في تحديد الموقف من رموز النظام وفق القانون واصول العدالة الحقة. فهذه محكمة أمة مظلومة وشهودها أحياء لا تزال شواخص الظلم ناطقة على أجسادهم وحياتهم.

كاتب وأعلامي عراقي