[ شبق كبير يمور في بواطن الطبيعة، وبين اغراض مخلوقاتها، وهو يوحي لهم بصلاح اعمالهم،فيما هو تمثيل لهياج ذلك الشبق المدمر، وقد حضر مشتهاه ومتاعه تصرفات البشر وجشعهم على خرق اسس التوازن والخطوط الحمر، مستهترين بنظام التكافل والتوازن، كما لو انه مزاح عالم او حماقة عراف، ولعلهم يهرشون بمحيطهم وبيئتهم كمن يهرش بجسد اولاده لياكلها، الا ان البشر لا يعترفون بجريمة اكل الابناء، الا حين يمتد لسان تسونامي على السواحل الهانئة كي يتطفل على سلام المنتجعين، ويقص عليهم حكاية اعماقه الدامية حين يداهمها شبق الثورة والخراب، وقد اختارت،كصانعي الدراما السينمائية،اجمل السواحل واكثرها هناءا وانسا وسرورا لتقلب مشهدها الجميل الى اشد مشاهد القبح والخوف والخراب، لعله التحضير النفسي في سياق تقديم اضداد المشهد، ولكن بعيد اعصار تسونامي بقليل عادة الحياة لسابق عهدها، صفقات خشب وبترول وبورصات، عادة ادارة الحروب تدير اوركسترا الموت،وعاد البحث عن أراض للذهب المخزون في امعاء الارض،عاد كل شيء كي يحضر الطبيعة لشبق جديد ربما سيكون من نوع اخر غير معروف، اذ لا احد يحسد الناس على تحدي الطبيعة والعودة الى ممارسة حياتهم العادية كما السابق، حيث يجدون الاستمرار بالحياة دون نظام اخلاقي يضبط كل ذلك الجشع هو القدر المقدر لهم، ثمة خلل في تصورات انظمة الوجع والالام في الطبيعة، ثمة امية كبيرة في حواس البشر حول عدم قدرتهم الاستماع الى اوجاع حجارة وبكاء شجرة ذبيحة، ثمة امية بصرية لا تعرف ان الجبال تبكي حين تتقطع اكتافها وتقتلع امعاءها خلال الانفاق، والبحار تختنق فتطلق صرخة مثل استغاثة تسونامي على تلك الشواطئ الانيقة وهي تنعم بمسرة على حساب اعماق مخنوقة الحنجرة مزدحمة بالاوجاع]

حشد كبير من المفارقات التي تتجاوز الكوميديا الدارجة، ركامات من البؤس والمراثي التي لا تستحق دمعة ولا تتقبل تحجر العاطفة عند تهطال الحزن، في المثنويات الضدية علينا ان نتعقم من اغراء الانحياز ولنكن لاشيء افضل من التشيء بخزي ما، وضع البشر حدود فضله ورذله، لاننا لم نعد قادرين على اعادة صياغة مسرحة النسمة حين تدخل الرئة ونتنفسها كما ارادت الفضائل لانها تدخل دون حاجة لمسرحة كما تريد منظومات الفضيلة وخداع فكرة خيال الخلاص.. يبدو ان السحرة استغرقوا كثيرا في تكريس استغفالنا الى حد طالبونا به ان ندخل صياغة فن التمثيل على انفعال الفرح والحزن، ذلك الذي تخبره الحيوانات والحجارة والموجة والزلازل والصمت وحتى العدم.. تلال من المفارقات غير المفاجئة : مسرحة الزمن بين مغادرة عام ومجيء اخر، كما تشتهي هندسة التواريخ التي صنعها البشر دون اذن الزمن نفسه، زلزال شرقي اسيا، اقداح الدم الاصولي حيث يشرب انخاب الفرج المنتقم في سكرة عجيبة تقدم انفعال الفرح على الاشلاء المقطعة، وكل هذا يدعو للاعتراف ان الجنس البشري قابل للفرح في هكذا احتفالات دموية، وما دام كذلك هل يستحق شرف الانتماء له ؟ لا يحسد من تفاءل وافتخر بالانتماء لهذه المجموعة التي تقوم على فرج الاذى والاعتداء والتعذيب كي تقطف نوعا من الفرح النادر جدا، ككل ثري يبحث عن غذاء خرافي كي يبذر ما لديه من اموال فائضة.. هتلر وابن لادن والمسيح وغاندي كل هؤلاء هم جزء فينا ولا خلاص للتبرؤ منهم، كما لا يمكن من جعل احد الاطراف غالبا على الاخر لانه اصلا بحاجة لطرفيته وضده، هكذا تتشكل وقائعنا بما لا يسهل الخيارات المتبطرة والاقل معرفة وخبرة كي تجد عزاءا في الانتماء لاحد الاضداد، هذا كلام وعظي وتعبوي وتجاري منمط على طريقة التاريخ الممسرح بالخداع البلاغي، حيث صنع البشر بافكارهم ما يخدر حواسهم ازاء الوقائع الصارمة، قوة الميل نحو الخير ستوصل العالم الى العدم واللاشيء، وقوة الشر لا تحتاج لاثبات كي تصل لنفس النتيجة المفزعة !! يبقى خداع الذات هو المحصلة الوحيدة التي تقدم فكرة الشكر والرضا كي تستمر الاشياء على ما هي عليه، الا ان ثقب المعرفة الضارية اعتاد ان يجعل الطوفان القاتل متسربا من ذلك الثقب كي يفسد احتفالية الرضا والشكر، اذ لا خيار لنا غير ان نكون بحجم بؤسنا وموجوديتنا الضئيلة ولا تخدعنا بالونات التكبير المعرفي باننا قد نضاهي او نساوي تمركزات السر الكوني او نصبح،في الشائع خدعة جديدة من مثل الهة او قادة اوركسترا براكين وعواصف وزلازل.. لا شيء من هذا غير ضآلتنا المسكينة حيث خسرنا الرهان التربوي الاول حين زرعت امهاتنا بنا دفء حكاياها، وزرع الطغاة بنا،بدءا من الاب حتى الحاكم قوة الشراهة الخيالية على تصور ان الحياة تستحق كل هذا السجود والعبادة والبخل كي يدخلونا ملكياتهم كاي طالب حاجة ضعيف فيما لا هم ولا مبتكراتهم تستحق شكرنا اكثر مما يستحق شكرنا عدالة العدم وتلك الانفجارات الكونية التي تذكر كل مرة كم هذه الحضارة تعيش كذبة العرافين والاميين والشرهين على ابتلاع المزيد من شهوات الاذى والاعتداء والتسلط، تحت لغة مصوتة اصيبت بالخرف والهرم والشيخوخة المؤتسية.. وهي لا تطلق اصواتها الا وهي مغمضة العينين لئلا تشاهد عار خداعها، لعل اغماض العين قناع اخر يلبس العالم خيال التصور لا حقيقة الصورة.

في مسبار عميق وسط الحياض المتاملة، ذات الهيام المدمن في العصمة القاسية بحيادها والتبرؤ من مهادنة الاضداد.. تبدو صور الخراب السعيد في شرق اسيا والمنشغلون في الانتخابات، وبعض سهرات اخر ليلة في السنة المنصرمة على شاشة تستضيف معمر القذافي، وقراء الابراج والعبور على جسر فوق البحار الرعديدة في عمقها،يربط الدنمارك في المانيا، هذا الجسر الذي اهان سطوة البحر على حيازة الاعماق العملاقة حتى جعله سخرية تقنية تهين حرفة الغرق والخوف التي حازها منذ الازل،حيث تبدو امواجه المهزومة والمنكسرة امام عبور القطار فوقه يخبئ امرا ثاريا مرعبا، وهو يجد من شوه خلقه ونظامها وتوازنه في اقامة الرعب والمسموحات العائمة، بحيث لم تسلم تلك الاعماق العذراء من حضارة الكونكريت، التي جعلت الحديد يسير على تلك الامواج المفزعة ساحقا هيبتها باقدامه، في تلك اللحظة التي لم اكن اعرف بها زلزال شرق اسيا ادركت ان البحر يخفي قصاصا مدويا لحضارتنا وهو يتلقى كل تلك الاهانة!! لعل فرنسا فعلت خيرا حين انحنى نفقها تحت اقدام وعلو البحار، ولعل هذا البحر سيقبل المنحنين لسموه لكنه لا يقبل المتعالين عليه،ولننتظر ماذا سيفعل هذا الصامت الذي حين يمد لسانه كي ينطق كلمات الوجع ستكون كارثة كسواحل شرق اسيا وافريقيا، حيث لا يعرف البحر توجس الحقيقة الا بلسانه المتموج وهو يدفع النار في جوفه ليستبدلها بلسان مائي عملاق!!

مسكينة هي الافكار حين نشاهد رجلا مستألها على التلفاز، وامام هذه الاحداث الخرافية ليقول لنا ان هذه الازمنة هي ازمنة الكتاب الاخضر، وليس ازمنة فوكوياما الذي تملقت يابانيته اميركا..تصوروا هذا التعبير الناهل من ارث قبلي عشائري،متهما الفلسفة بالتملق كما لو ان الكوكب يعيش في خيمة القبيلة القذافية، كوكب باكمله قابل للتمركز في خيمة تمثل اقدم عصور الحضارة في سياق من البنية المسرحية من اكسسوار الى ازياء الى مكان الى اقوال ونص مسرحي يقول انه اخضر يميل بسحنته للزرقاوية القاحلة.. هذا الحدث الذي يفترض انه فاعل في الزمن المستمر بانفعاله يعيش الزمن المعلب في المسرحة وتادية حركات مسبقة التصور كما لو ان الزمن المعاش هو ملك زمن سابق خلد حدثه الاول، اذ لا قيمة لحيوات الزمن الحالي طالما تجمد في نص مقدس وحسم ملكية كل الازمنة،واي نص مقدس هذا، انه نص جعل اغنى بلاد من اكثر فقراء العالم !! ما هذا الفردوس حيث رفاه الفقر وسعادة الجوع يكتشفها نص طل علينا مؤخرا كي يقلب القدريات البيولوجية مؤكدا ان الرفاه والمسرة في القمع والجوع والفقر والذل والعذاب.. لم نعرف سر هذا الاكسير الخفي الذي وجد في تكويننا، وفضل اكتشافه يعود للكتاب الاخضر او الازرق في ذلك الجوار العراقي … الم يبتلي البشر في مشكلة اسمها الدماغ وليتهم بلا دماغ، لان هذا الدماغ يعمل على تقبل كل الانقلابات الشاذة ويؤدي وظيفة التواطؤ والخداع الذاتي لاسيما في عالمنا،حيث بقيت الادمغة تحضر الناس للتضليل والزيف ولم تطلقهم الى قوة الانضباط الشعوري والحسي لان ذلك منافي لوظيفة الدماغ في تلك العوالم،والكارثة كل الكارثة في الوظيفة الاولية للادمغة،وهي تقدم مادة التضليل كنوع من الفضيلة والمثال.. ما اكبر حظ الطغاة في عالم ادمغته تنفي وظيفة الادمغة… بين كارثة شرق اسيا وحديث القذافي يكمن الرابط المسباري حول تفاهة العقل والادمغة، سواء في مجال الاستفادة الحسية وتطوير الرفاه او في مجال التزييف والخداع المتبع في عالم مهمش،يختار هزيمته المعرفية والعلمية بنفسه ليكسي كل معرفة وعلم بخرافته واساطيره وطواطمه، كما يحاول الكتاب الاخضر ان يعيد تحديث الطواطم الافريقية العتيقة في هذه الازمنة، مفترضا ككل المخلصين وكهانة الانقاذ ان العالم متازم وبحاجة لمخلص، وبالتالي يكتشف البشر ان كل افكار الخلاص كانت هي الازمة والكارثة وصار على البشر ان يبحثوا في طرق تخلصهم من افكار هذا الخلاص،لانها سبب في مظالمهم وماسيهم وكوارثهم، بعد ان اصبح ارث الخلاص عبئا مؤذيا على ادارة حياة الناس … ولعل المكان المناسب لهذه الافكار النبوئية والنبوية لابد ان يصنف مع رهط قراء الفنجان والكف ومحللي الابراج والنجوم، فلم تعد الحقيقة بقادرة على تقديم عصمة التاله لاحدهم، فالله الذي يبكي الام مخلوقاته لا يملك حق توجيه خياراتهم نحو الرفاه والخير او نحو العدم والشر، لانه يحترم عهده في خلقه كائنات نسجها من ماثرة الحرية، وصانع الحرية لا يمنعها من راغب في العيش بزنزانة!!

اين الرابط بين الكتاب الاخضر وبين ذلك البحر الذي جرب لحس افخاذ اليابسة بلسان اسطوري؟ كم هو بائس ان لا يعرف الناس ان يابستهم هي سفينة عائمة في البحر، والسفن قابلة للثقوب، لانها منذورة دائما لملكية الغرق والاعماق.. لنتصور ان اليابسة ستختفي وتبقى بعض حياة عائمة لبضعة مئات او الاف من السنين، ثم تدريجيا تصبح كائنات البر كائنات برمائية فتنتهي تواريخ سفينة نوح وتستغني الكائنات عن اي منقذ لان الغرق يصبح مصدرا للحياة لا للموت، فلم تعد السفن المنقذة تتمنن على البشر حيث تطالبهم بدفع فاتورة الانقاذ سجودا للمنقذ، فيما القذافي الذي يلوح بانقاذ البشر وهم بعيدون عن الطوفان ولا كتابه يرمز لفكرة من كل زوجين اثنين، يخلق فرضية الازمة ثم يفترض حلها وكلا الامرين افتراضا، لكن هذا الافتراض اضاف للناس كارثة وبؤسا وعليه تاتي نتيجة الانقاذ، وهي بالتخلص من هكذا سفن صنعت فوق رمال صحارى وليس على مياه طافية … في ضفاف اخرى من العالم نفس الهموم القذافية التي لن تهزها غضبة الطبيعة بحيث يفكر البشر في اعادة صياغتهم الشراكة مع الطبيعة بعد ان شوهوها واعتدوا عليها واغتصبوها بلا رحمة، بشر غارقين بهموم انتهى العالم منها منذ قرون خلت، يتحدثون كما لو ان الارض مكان امن للعيش،معتقدين ان تفصيلاتهم السياسية ترتكز على امن ابدي، مستغرقين بطرق نصب صناديق الاقتراع وفتاوى الانتخابات او حوار الذكر نصيب الانثيين، حضارة تفجر نعيمها التقني ليصبح شضايا للموت،اراء حول حجاب النسوة، وزعامة قبائل السماء على الارض..تقليم الاظافر ونوع العلم، شرعيات المناضلين وتخوين البشر في الانتماء لنسمة وخيانة الدخان الاسود، شيعة وسنة ويهود وكاثوليك وبراسنة واراكسة – من بروتستانت وارثوذوكس- شيوعيون وقومويون وعبثيون وطلاب سلطة على مطايا بشرية.. احزاب الكهنة والعرافين يحاولون ان ننسى علاقة الرئة بالوردة، وعلاقة الشواطئ بالوداع وعلاقة الرحم بالقبر، كل شيء اقل صدقا من الموت.. اوراق، ادلة، عقارات، اوراق ثبوتية.. وعلى اي شيء؟ لا شيء غير ان نصنع من الاكذوبة بقايا حق.. كما العبيد السعداء نوظف الاكف للتصفيق كي ننسى انها خلقت لمسح دموعنا فقط،حين نتعرف جيدا على صداقة العشب وشراكة الذئب … قوائم انتخابية،جيوش تملك حرائق معلبة في صفائح نحاسية جميلة تطلق خرابها على الباقي من الاوكسجين، ونصفق لانتصارات الجنرالات على نسيمة عذراء بلا عهر هباب اسود، الرياح الخائفة في اقاصي الشمال المثلج تلوذ ذعرا من اغتصاب حريق وتحضر نفسها للعرس في رئة تختنق من مجد الحروب… شكرا لزلزال اسيا ذلك المربي الكبير الذي علمنا كيف ننسى خداع الادمغة، علمنا كيف نحترم شراكة الشجرة حيث تصبح عائلتها في الغابة الى غرف نوم ومكاتب وشبابيك زنزانة او غصونا تحترق على مذابح مواقدنا، شكرا لهذا الشبق المجنون الذي ارتعشت فيه شهوة عناقنا فالبسنا الثرى فستانا لصمتنا الابدي الاخير، حيث علمنا نحن الاحياء ان لا ننتمي لمحددات البشر بل ننتمي لشراكة سنابل مهملة، ونبتات طفيلية ذليلة تسلقت شبابيكنا الخارجية، فجززنا اعناقها الخضراء كاي نفاية وزبالة … المهملات كلها اكثر جلالا من ملوكنا ورموزنا المخيبة.. شكرا ايها البحر ننتخبك نائبا عنا في حوار الكون، فكل موجة فيك صندوق اقتراع للحرية، ولكن لم نردد الحرية ما دام نظام الكون من دون قمع وطغاة غير امن وكاف لرفاهنا ؟ اذن نريد ان نخرج من مكرساتنا الغبية لنعيش حريتنا، نحتاج للتملص من اوهامنا كي نعيش مرارة الحق، هكذا الخيار : مرارة الحق او رفاه الوهم وحرفة العبيد!!

العفاف من الرفاه، قتل الحواس، تفجير الانتماءات للعشب، الايمان بعدم الثواب، خلق حماية من فخ الثنائيات المتفاضلة، التعقيم تماما من فراديس الولاءات والمعارضات، كلها تجعل قادة الاوهام عاطلين عن العمل، وتجعل المدافع ذات سبطانات معقوفة على نفسها كقضيب رجل عجوز، وتجعل خوذ الجنود مبولة للاطفال لا تاجا لمجد الحروب، كل الاحذية الحربية من شانها ان تكون اعشاشا وبيوت للجرذان الشريكة في بيوتنا … هكذا ربما لم يكرر البحر عاداته السرية ويلحس افخاذ المنتجعون على شواطئه، كي يقذف شهوة الموت على جلودنا الزاهية بزيوت الشمس!! انها دعابة سمجة اعتادها مزاح الصامتين على اذلالنا لهم.

كيف ننتمي لعالم لم يصدق حتى الان ان الله لا يحترم العبيد ؟ كيف ننتمي لعالم يحمي زنازينه بافكار الحرية، ولم يتفق منذ الاف السنين على ان الاوجاع لا تحتاج لنظرية بل تحتاج لمشاعر حمار كي يعرفها؟ كيف ننتمي لعالم يحتكر الالام والماساة لقلة نادرة كي يبيعها باسواق احتكار الفضيلة ؟ اي عالم هذا الذي خلق من القتلى والضحايا ارصدة ادبية لسلطانه ؟ فالشيطان ذاته يخجل من هذا ولم يخجل منه نواب الآلهة وقادة الخير؟ ان عالما يمتلك فيه الشيطان قدرا من احترام فطنة الاخر وذكاءه ولم يمتلك بشره مثل هذا القدر لا يستحق الانتماء ولا المعارضة.. اذ من الافضل رميه في مكبات النسيان …

لان الكلمة بلا قيمة، فان العرب اصبح لديهم فائضا من العباقرة والحكماء، خصوصا وسط المجانية الاعلامية التي نشهد، مئات الالوف من الخبراء والمحللين، حزم من الصفيح والبراميل الذكية سوف نضطر للبحث عن سوق تصريف كل هذا الخناق العبقري وهو يحاصرنا، جتى ليبدو لكل فرد عربي ثلاثة فلاسفة وخبيرين وعشرات محللين!! وفي النتيجة كل هذا الخيال لم يحقق دلالة واقعية واحدة حول تنظيف شوارع عاصمة او تكرير مياه، او حل مشكلة انسانية الاناث لانهن في ارث الحيوانات المملوكة والتي ما زال حق قتلها اختبارا لملكيتها!! لقد اصبح هذا العالم مصابا بنوبة اعلامية او حصبة تلفزيونية تغترف من ارث منظومتها اللغوية الاولى،وهي تقوم على قتل الحقيقة بالبلاغة، فالكلام يعمل على تقديم القناع ومنع الحقيقة، كما يسموه الموقف الرسمي، اللغة هي غلاف للمستور، وهذا ما يجعل خبراءنا كلهم مستنسخي الاراء، كلهم في طهارة الحقيقة، لا احد يعرف الخطا،مما يزيد من الشعور بالروتين والضجر، لم يقل احدهم باني لا اعرف، اخطات، كذبت، زيفت، نكثت العهد، لا احد يجيد فن تشويه ذاته كي يعطي المزيد من الطمانينة للمتلقي الذي ينتظر منذ ازمنة بعيدة ان يحطم احدهم صورة الوثن القديم بالحداثة الاعلامية والتقنية. الم يدرك البعض ان اكبر دعاية للذات هو تشويهها وادعاء خرابها،لان فن كسب المتلقي هو بالقدر الذي يشعره بالامان والطمانينة على احترام عقله وفطنته وليس في تقديم صور متقنة له، تضمّر كل الارهاب الادبي عبر تمامية المادة المعروضة فيما نقصها وانعدام تمامها يشكل مصدر الجذب والامان والتربية الصادقة، الا ان القيم البدائية فطرت على تقديم صور الكمال، والكمال نزعة لااخلاقية خدعت وظائف العقل وخدعت العالم لردح طويل من الزمن.

الظواهري وابن لادن والقذافي وصدام وملالي ايران وزلزال شرق اسيا وثقب الاوزون وسيارات العراق المفخخة حيث نعيم التكنولوجيا يصبح جحيما في العقل الاسلامي والعربي، الجنوح العدمي في الاصولية الاسلامية،الايدز، تراجع النزعة الحضارية في الجاليات الاسلامية في الغرب وعدم قدرتها على اختبار نظام الظلم من العدل، وقوع العقل في تاريخية البدء الفوتوني للانفلاقات الكونية الاولى وتمثله الخفي اللاواعي بالعودة لتاريخ العدم الاول في تاريخ الاكوان وهذا تدل اشاراته في معاداة الحياة برمتها في عقل ما..كلها انذارات مبكرة لخطر القصاص الكوني الذي يؤكد تهور البشر على عدم استكناه شراكتهم مع هذه البيئة المعطاة لهم،وتاليا الاخلال بتوازن الشراكة مع الالام المهملة في الكيانات الاخرى المؤثثة للوجود الحسي،افكار الظواهري لا تقل تناغما في سياقات حكمة القصاص الكوني لمثل هذه الحضارة الباغية التي لم تولد ولم تستمر الا باتباع شروط اخلاقية جبرية،والا فزلازل الدمار الاصولي الشامل متواترا مع اللحسات الصغيرة لغضب الشواطئ والامراض والجريمة ستجعل العالم اقل رفاها من الموت ذاته، وكل عام وانتم على سحاق بحري جديد.