قد لايكون من حقي البتة أن أناقش قرارا ومصلحة تخص الشعب المصري المثقف والواعي والمحنك سياسيا ، لأنه هو وحده صاحب القرار بمن يولى رئيسا عليه في المستقبل القريب إذا لم يشأ الرئيس حسني مبارك أن يترشح لولاية رئاسية جديدة وهذا أغلب الظن لأن الرئيس المصري لايؤمن بفكرة الخلود أبدا وهو ماقد يجعله أسير رغبة تلح عليه بإفساح المجال أمام قيادة جديدة تخلفه لأن هذا من حق المصريين.
أنا أمارس العمل الصحافي وحسب وهذا هو المقال الثاني لي طيلة تلك السنوات التي عملت فيها صحافيا بعد أن كتبت عن مشاعري وتألمي لفقدان رئيس دولة الإمارات العربية الراحل الشيخ زايد آل نهيان، فقد كتبت عن رحيل موحد الإمارات أولى مقالاتي، واليوم سأتجرأ ربما بثقلة دم على الأشقاء المصريين لأحشر أنفي فيما يخصهم وحدهم محاولا الفهم والتبصر بمراد الأشقاء في مصر من عملية ارتقاء قيادة جديدة.
لندخل صراحة الى لب الموضوع فالنجل الأصغر للرئيس المصري المشتغل والمولع بالعمل السياسي العام منذ سنوات يريد أن يصبح رئيسا لمصر وهذا وبدون جدال من حقه لأنه مواطن مصري وأكثر من ذلك هو واحدا من الشباب المصري الذي خدم مصر والمصريين، لكنني أتفق مع المصريين وبلا هوادة على أن الذي ليس من حق جمال حسني مبارك هو توليته رئيسا بإجراءات غير دستورية لايقرها المصريين ولا المحبين لمصر وعظمتها وشموخها وأنا واحدا منهم، فلاجمال مبارك المصري ولاحسني مبارك المصري أيضا يقبلون لمصر أن تهتز صورتها دستوريا وهي التي كانت لها صولات وجولات في احترام الدستور وإعلاء شأن مواده وبنوده، فهل يعقل أن مبارك وهو خريج المدرسة العسكرية وصاحب الضربة الجوية في عمق وحضن الإسرائيليين أن يقبل بغير الإنضباط والنظام الذي ظل وفيا له في بلاده منذ أن تسلم أمانة مسؤولياته الجسام.
أنا بكل صدق وتجرد أقول أنني لاأعرف الرئيس مبارك أو نجله إلا من نشرات الأخبار أو ما تيسر لي معرفته عنهم من خلال القراءة والدراسات ، ومن الظلم القول بأني عميل مصري مثلا كما يحلو للبعض التجريم والإتهام المسبق، لكني بكل صدق أيضا أشعر بأن من سيتولى رئاسة مصر فسيتولى في الواقع رئاسة أمة العرب فدور مصر المصيري في رعاية ولم شتات العرب لاينكره إلا جاحدا ومن هنا أقول أن مصر تستحق أن يقودها من هو أهل لاستمرار نهج مبارك وتلك أمانة في أعناق المصريين، فلم يعد مقبولا البتة أن يأتي من يحكم مصر بالخطب الحماسية ولغة "تجوع ياسمك" فالمصريين قد حسموا خيارهم بالسلام بعد أن خاضت مع الإسرائيليين أربع حروب غير الفكة كما يقول المصريين على مقاهيههم الشامخة والعبقة بطيب أصالتهم.
جمال مبارك يستحق أن يكون رئيسا لمصر لأسباب عدة يأتي في مقدمتها أن نجل الرئيس المصري هو ليس الإبن البكر له ليقال بأن هنالك سعيا لتوريث الخلافة في مصر أو على عادة الجملكيات فكثير من الدول خلال السنوات الخمس الماضية كان زعمائها قبل رحيلهم يعدون أبنائهم الأكبر سنا لخلافتهم بعيدا عن شعبيتهم او ثقافتهم أو قدرتهم أو علاقاتهم مع الخارج ، لكن الأمر في حالة جمال مبارك مختلفة تماما فجمال هو النجل الثاني والأصغر للرئيس المصري كما أن علاقته بالشارع المصري طيبة جدا ويمكن للبسطاء من الشعب المصري أن يعددوا لك مزايا جمال ويشرحون لك صعوده خطوة خطوة، والأهم من ذلك كله أن لادلائل البتة على أن الرئيس المصري يريد الرئاسة من بعده لأبنه وإلا لكان قد اختار إبنه الأكبر علاء مثلا هكذا تقول القاعدة والعرف، ومن الأسباب أيضا التي تجعلني أتطاول لأطلب من المصريين اختيار جمال رئيسا بأنه لن يفرض عليهم فرضا أو لن يعدل دستور بلادهم في أقل من ربع ساعة، ولم تفصل مادة دستورية لتجعل منه رئيسا كما أنه يقترب من العقد الخامس من العمر فهو ليس طفلا أو حديث العهد في التعاطي مع الشأن السياسي فلاننسى أنه ابن بيت الحكم المصري ولاننسى كذلك أنه واحدا من رجال المقدمة في الحزب الوطني الحاكم في مصر، وأقول بكل صدق أن تنصيب جمال مبارك بترشيح الحزب له وموافقة المصريين عليه بإستفتاء عليه هو أبسط ماقد يقدمه المصريين من وفاء عظيم لأم الدنيا وليس من أجل أي جهة أخرى.
واسمحوا لي أن أختم مقالتي بسؤال للمصريين قاطبة : إذا نهر الرئيس المصري حسني مبارك بإبنه الصغير جمال وطلب منه عدم الترشح لمنصب الرئاسة هل سيتخلى الحزب الحاكم عن حقه في ترشيح أحد رجالاته لذات الموقع؟!! قد يقول قائل طبيعي وعادي أن يرشح الحزب أي شخصية، المهم أن لايكون ابن الرئيس. وأنا هنا أتساءل لماذا جمال مبارك لا، اسمعوا له وتحاوروا معه وحاسبوه لكن لاتحرموا مصر الحبيبة من قيادة شابة وواعدة ولاتعاملوه كإبن للرئيس بل انتخبوه كمصري تقدم الصفوف للمنافسة على خدمة "الشقيقة الكبرى" لكل العرب.
وأقول ثانية جمال مبارك رئيسا لمصر لم لا ؟!!

صحافي أردني

[email protected]