يقول كاتبنا تركي الحمد في زاويته في جريدة إيلاف الإنترنتية، واصفاً عالمه العربي، متحدثاً بلسانه، قائلاً: (نحن نعيش في عالمٍ مُتغيرٍ لن ينتظرنا، ولن يخضع لمطالبنا، فنحن قد نعتقد في أنفسنا أننا نعيش في هذا العالم، ولكن لننظر إلى الإحصائيات والأرقام، فحقيقة الأمر ـ وإن آلمنا هذا الشي وأشعرَنا بالمرارة ـ أننا لاشيء في عالم اليوم، لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا سياسياً، فحياتنا الثقافية بالذات ساكنةٌ، والعقل العربي بالذات ساكنٌ.. إنه عقلٌ غير قادر على التعامل مع المتغيرات أو استيعابها، لأنه خضع خضوعاً كاملا للنصوص الجامدة، وبالتالي أسرْنا أنفسنا في هذه النصوص، رغم أن النصوص نفسها أمرتنا ألاّ نكون أسراها)!
تركي الحمد صديق قريب من القلب، ويهمُّني الأخذ بيده، وتنبيه إلى مواطن الضلالة ومكمن الخلل في كتاباته، لأنه تركي، ولأن ما قاله فيه إجحاف وظلم، والظلم حُرِّم في كل الأعراف والقوانين!
لأنه تركي الإنسان والمثقف المخلص، يجب علينا مدّ يد المساعدة الثقافية له، فالمثقفون في تشابكهم وتناصحهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منع عضو ثقافي تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمى، أو بالنصح والتوجيه! والمثقفون كالعشاق رفقاء، وشركاء في "الدّم واللغة والمصير المشترك"، كما تقول خطابات جامعة الدول العربية، ولأن تركي قوي شديد، يجب محاسبته على هذا الاتهام الظالم، حتى لا نكون مثل بني إسرائيل، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا فعلها القوي الشديد تركوه.. من هنا لا مفر من محاسبة كاتبنا ـ أبو طارق ـ تركي الحمد!
يقول تركي عفا الله عنه حين قال: (إننا لاشي في عالم اليوم)، هداك الله يا تركي من أنبأك بهذا؟! عهدناك ثاقب النظر، حادّ البصيرة، تلمحُ الأمور وهي طائرةٌ في سماء تكوينها، ولكن يبدو أن الخلل في ناقل المعلومة هذا اليوم الذي أخبرك بمثل هذه "الفرية الكبرى"!
يا سيدي تركي: إن العرب اليوم شيءٌ، بل شيءٌ كبير، ولكنه ـ مع صغير الأسف ـ في الاتجاه المعاكس.. إنهم ليسوا ببعيدين عن تلك الوجوه التي خاطَبهم المولى ـ جلّ وعزّ ـ بأنهم "عاملة ناصبة"، ولكنها ـ رغم عملها ـ تَصْلى ناراً حامية!
إن العرب ـ يا أستاذي ـ بوضعهم الراهن يفعلون ويفعلون.. إنهم يُعادون الحضارة، وهذا عمل جليل.. إنهم ينشرون الأذى، ويشيعون المنكر في الاتجاهات الأربع من كرتنا الأرضية، وهذا عمل جليل أيضاً.. إنهم يتعاونون على الإثم والعدوان، ويتآمرون بالمنكر، وكل هذه أعمال ضخمة لا يمكن أن يتجاهلها أحد، وإذا لم تفطن لها ـ يا تركي ـ فلا محالة بأنك "حاقد" أو "حاسد" لا ترى هذه الأفعال، وبالتالي تنكرها، و"العرب تعرف من أنكرت والعجم"!
تقول يا تركي ـ رحمك الله ـ أن: (العرب لاشي في عالم الاقتصاد)، وهذا فيه إجحاف واعتداء على الحقيقة.. إن الاقتصاد الأمريكي العملاق تأثّر بأفعال العرب، بل حتى اقتصاد "فولتا العليا" تأثّر، حين ذهبت المبالغ المخصصة لتطوير الحياة، وتحسين العيش إلى المحافظة على الأمن المُهدَّد من قِبل "المجرمين العرب".. إنهم حوّلوا الميزانية في كل دولة من بنودٍ لبناء الدولة وتطوير مشروعاتها، إلى بنودٍ لتحقيق الأمن، وتكريس المزيد من المتاريس والخَرَسانات الإسمنتية.. ومثلك يعرف أكثر!
تقول يا تركي ـ غفر الله لك ـ أن العرب غير مؤثرين "اجتماعياً".. ولا يسعني إلا الدعاء لك بأن يُنير الله بصيرتك حين تجاهلت هذا الأثر الكبير، ألا ترى ـ يا أبا طارق ـ كيف غيّر العرب المواصفات الاجتماعية والحياة الأهلية في كل مكان، بدءاً من الأقطار العربية، وانتهاءً بجمهورية موزمبيق؟! أنصحك ـ وغيرك المنصوح ـ بأن تجلس مع أي إنسان بوسني وتسأله عن أثر دخول العرب إلى بلاده، ليخبرك كيف أفسد العرب تَدَيُّنَ أهل البوسنة والهرسك، وجعلوهم مجتمعاً شكَّاكاً، لا يجلس رجلاً مع امرأة إلا كان الشيطان ثالثهم!
ثم تقول ـ رحمك الله ـ أن العرب غير مؤثرين "سياسياً".. لا أقول إلاّ كما قال أهل الشام: "يا عيب الشوم عليك يا تركي".. كيف تقول هذا وأنت الضليع في السياسة، والخبير بممرّاتها؟!
إن العالم كلّه أصبح مُعاقاً ـ أو مُعوقاً كما يحبّ الفُصحويّين أن يقولوا ـ بسبب العرب وقضاياهم، ومُخاصماتهم و"مضارباتهم" الكثيرة والوفيرة، مثل قضايا: فلسطين، العراق، الجولان، السودان، الصومال، الصحراء الكبرى، أبوحنيش، أم المعارك، أهل القاعدة، أهل الجهاد، لوكرجي ولو كربي، دارفور ودار تو ودار ثري، طُنب الكبرى وأختها الصغرى، والجزيرة الثالثة الأخرى.. الخ! إنك ـ يا سيدي تركي ـ لن ترفع حجرا في هذا الكون إلاّ ستجد تحته شيئا من آثار العرب ومآثرهم!
ثم يقول تركي ـ أصلحه الله ـ: (حياتنا الثقافية بالذات ساكنة، والعقل العربي بالذات ساكن.. إنه عقلٌ غير قادرٍ على التعامل مع المُتغيرات).. إن هذا الكلام فيه مُجانبةً للصواب، وابتعاداً عن الحقّ واقتراباً من الباطل، لأن فيه تَسَتُّرٌ على الحقيقة، وإخفاءٌ للعامل الأصلي، وإبرازٌ لنائب الفاعل!
حياتنا الثقافية غير ساكنة.. إنها متحركة في كل الاتجاهات.. خذ الفتاوى مثلاً، كيف تتفاعل مع المتغيرات و آخر هذه الفتاوى: "تحريم تصفح الإنترنت للمرأة من غير وجود محرم!
بل الأمر تجاوز ذلك، ليصبح الجنون العربي أو التحرّك العربي، مُلهماً للآخرين من غير العرب، ليصوغوا أفكارهم منه، وما تجربة المخرج الأمريكي مايكل مور في فيلمه "فهرنهايت" عنّا ببعيد!
بل يمكن إضافة الكتاب الكارثة "الخديعة الكبرى" للفرنسي تيري ميسان، الذي قال بأن الأبراج لم تُنسف أصلاً! والغريب ـ يا تركي ـ أن هذا الكتاب صدر في نفس اليوم الذي ظهر فيه شريط "الداشر" أسامة بن لادن الذي أعلن فيه مسؤوليته عن نسف البرجين! ولكن العرب فَرِحوا بالكتاب الفرنسي، وصدّقوا ما جاء فيه، مع أن مؤلفه "كافر" لكنه كما يقولون: "أَجْرَى اللهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ"! بينما كذّبوا شريط أسامة "المسلم"، وقالوا: إن الشريط مكذوب على الشيخ أسامة، وأنه مُدبلج في "هوليود"!
افتح ـ يا تركي ـ أي صحيفة، وستجد ما يُذهلك من أخبار العرب، ومسالكهم وتحركاتهم، وتعاملهم مع المتغيِّرات، ثم إني أعرف أنك مثلي لا تجيد اللغة الرواندية، ولكنك ـ يا أستاذي الكريم ـ لو قرأت صحف رواندا، ستجد العرب وتلمحهم من خلال صورهم، وستعرفهم من أثر الأذى، وانتظار لحظة الانقضاض!
وأكثر ما يجده العرب من خلال تعاملهم مع المتغيرات، أنهم أثّروا على دُول الغرب، وجعلوا هذه الدُّول تتنازل عن قِيَمها وأعرافها ومبادئها التي سنّتْها منذ مئات السنين، وهناك صديق لي في بريطانيا بدأ يرصد الآثار السلبية التي سبّبها العرب على أعراف بريطانيا، وفي هذا الرّصد يُثبت الباحث البريطاني أنّ "بركة" الشرّ العربي قد وصلت إلى الدستور البريطاني، الأمر الذي جعل هذا القانون يتغير.. حدث هذا الأمر في بريطانيا، أقوى الدول المتمسكة بالأعراف! أمّا ما سواها فقد تغيّرت بُعيْد الفاجعة الأمريكية مباشرة، وكل ذلك من أجل عيون العرب العسلية!
أيها الصديق: اعلم أن العرب أناس غير ضروريين، ولكنهم مجتمع ضارٌّ، وما ضرّ قليله فكثيره يقتل.. أتذكّر قصةً طريفة، كتبها الأديب فولتير يقول فيها ما معناه: "إن حشرةً بسيطة نظرت ـ ذات يوم ـ إلى عقارب الساعة، فلم تفهم ماذا تعني هذه العقارب، ولم تستوعب دورانها، فقررت ـ بحماقة عريضة ـ محاربة الساعة، والحشرات كالبشر أعداء ما جهلوا، فما كان من الحشرة إلاّ احتجاز عقرب الثواني، فأعاقته لثواني معدودة ولكن في النهاية انتصر العقرب وواصل مسيرته وسحق الحشرة، وأكمل دورانه وسار وفق سُنن الكون المبنية على الاستخلاف وعمارة الحياة الدنيا"!
والعرب ليسو ببعيدين عن هذه العقلية.. إنهم يتعاملون ويُؤثِّرون ويتصارعون، ولكن في اتجاه الهدم والدمار!
أخيراً: أخبرك ـ أيها العزيز ـ أن أحد الخبثاء اقترح أن يتم استبدال كتاب ويليام كار: "اليهود وراء كل جريمة"، ليكون: "العرب وراء كل جريمة"، فاعترضت على ذلك، "وأنكرته عليه"، حتّى لا يُقال عنّي أني حاسدٌ أو حاقد، أو ثالثة التُّهم وهي أني "أحب جلد الذات"، لأن قومك ـ يا تركي ـ حديثي عهد بالنقد، لهذا يحسبون كل صيحة مؤامرة عليهم!
إنك ـ أيها الأستاذ ـ كبير في عيون محبيك ـ من أمثالي ـ لذا ليس أمامك إلا التوقف عن ظلم العرب، وإعلان التوبة النصوحة، وللعلم فإن مجالها ليس ثلاثة أيام، بل أمامك ثلاثة سنين، لتتأكّد بنفسك من كميّة الضرر العربي!
والله الهادي إلى سواء السبيل!

[email protected]