السيد رئيس المجلس الوطني المؤقت، د. فؤاد معصوم المحترم

السيدات والسادة أعضاء المجلس الوطني المؤقت المحترمون

السلام عليكم
أحيي جهودهم الطيبة في تعزيز الدور الرقابي لمجلسكم الموقر على عمل الوزارات والمؤسسات العراقية، تطلعا لتعزيز الشفافية وقيم النظم الحديثة والحد من الفساد الإداري المستشري في بلادنا. اطلعت على بعض تفاصيل جلسة مجلسكم الموقر بتاريخ 29-12-2004 والذي استضاف السيدة وزيرة البيئة. وبالنظر إلى أن جزءً من إجابتها تتعلق بدوري كوكيل للوزارة الناشئة، أود توضيح الحقائق التالية:
1- عند تكليف السيدة الوزيرة بمهامها في حزيران من العام الماضي كنت اعمل كوكيل أقدم مع الأستاد عبد الرحمن صديق كأول وزير للبيئة العراقية. مبديا رغبتي لها، تقديم خلاصة تجربتي في الاستمرار لخدمة هده المؤسسة الحديثة، وكشريك في صياغة وتنفيذ القرار، على أسس من الشفافية والعمل المؤسسي.
2- وبعد فترة وجيزة اتضح إن للسيدة الوزيرة أجندتها المتمثلة بما يلي:
* إحداث تغيير في هيكيلة الوزارة.
* إستقدام طواقم من وزارات أخرى لإشغال المفاصل الحساسة في الوزارة، تحت حجة التحديث.
* العمل على تغيير طابعها من وزارة رقابية إلى وزارة تقترب من وزارة خدمات.
* تحقيق استفادة قصوى من الموارد المتاحة والامتيازات التي توفرها الظروف الجديدة.

وجميع تلك الأجندة تتعارض مع كون الوزيرة مكلفة بتصريف عمل الوزارة خلال الفترة القصيرة المكلفة بها، ولبس استحداث تغيرات جدية. كما إن عليها احترام تقاليد العمل التي بدئها الوزير السابق وطاقمه، الذي اسهم بفعالية في إعداد استراتيجية للوزارة (قصيرة ومتوسطة المدى).
3- ومنذ اليوم الأول لتولي السيدة الوزيرة مهامها شرعت بتنفيذ اجندنها بهدوء، مصطحبة معها عدداً من مستشاريها الذين وفرت لهم الإمكانيات وفتحت أمامهم الابواب لتسلم المراكز الحساسة في الوزارة. فعينت وكيل وزير للشؤون الادارية وتبعته لاحقا بتعيين وكيل وزير آخر للشؤون الفنية. وضمن هدا المخطط لابد من افتعال الأزمات وتضييق الخناق على وكيلي الوزارة السابقين
4- ان الخطوة المميزة في سياسية السيدة الوزيرة، ومند الايام الاولى لتوليها مهماتها، إبعادها للمفتش العام للوزارة. وبقيت الوزارة دون رقابة لفترة تقارب الاربعة شهور، أتيحت لها الفرصة للتصرف بالمال العام بشكل عشوائي وبطرق مثيرة للانتباه. فقد ورثت السيدة الوزيرة ميزانية متواضعة تقارب الأربعة عشر مليار دينار عراقي، أما الان فالميزانية تعاني من نقص تهدد بالتخلي عن العشرات من المتعاقدين الجدد.
5- الفساد الاداري: من المؤسف القول ان بلادنا غدت واحدة من اكثر بلدان الشرق الاوسط غارقة في بؤرة الفساد الاداري. ويمكنني الاشارة الى بعض مظاهر الفساد الاداري في وزارة صغيرة وحديثة العهد كوزارة البيئة.

* وزارة البيئة هي وزارة رقابية، شانها شان وزارة حقوق الإنسان وجهاز الرقابة المالية وغيرها، وهي تختلف عن وزارات خدمية (كالتعليم والصحة والبلديات)، كما تختلف عن وزارات إنتاجية (الصناعة، الزراعة). فوظيفتها الأساسية هي رصد ومراقبة مستويات التلوث لمكونات الحياة المختلفة، سواء ناتجة عن العمليات الانتاجية او الخدمية او الاستهلاكية وغيرها. وإذا كانت الظروف الجديدة توفر إمكانيات لتحسين الموارد المالية لدى الوزارات، فيجب أن تتجه تلك الأموال لتعزيز البنية التحتية وبناء القدرات لتلك المؤسسات. غير إن اتجاهات بدأت تتجه صوب ميادين أخرى منها مثلا :

* إجراء تعديل لصلاحية السيدة الوزيرة والمتضمن حق صرف مبلغ 500 مليون دينار عراقي لغرض التعاقد المباشر، مع صلاحية التخلص من مواد بقيمة 500 مليون دينار. ومورست تلك الصلاحيات بالتعاقد المباشر على شراء مواد ليست لها صلة بتعزيز البنية التحتية لمكونات الوزارة، أو تعزيز سياستها في الرقابة. حيث تم التعاقد المباشر لشراء كميات كبيرة من مياه الشرب المعبئة، أو مواد غذائية وتقديمها لبعض المناطق المتضررة، (وهي مهمات لمؤسسات إغاثية) ولا تدخل في مهمات وزارة رقابية كوزارة البيئة. وسبق وان نبهت في إحدى الاجتماعات من مغبة خطر الانزلاق في حرف مهمات الوزارة الأساسية، إلا إن لدى الآخرين مشاريع وأهداف أخرى؟؟.

* المبالغة في صرف ما يسمى (بالنثريات اليومية) حيث كانت تصل الفاتورة الاسبوعية لمكتب الوزير ما بين 5-7 مليون دينار، علما إن مكتبها صغير لا يتجاوز قوامه اكثر من عشرة موظفين.. وهو ما كان موضع تندر وتعجب من قبل العاملين في مركز الوزارة.

* المبالغة في صرف المكافئات، اعتمادا على مقياس المزاج، والولاء. كما جرى استثمار توفر الإيفادات الخارجية وأرسلت أعداداً واسعة من المتعاقدين الجدد أو المنتسبين من وزارات أخرى، وهو ما يتعارض مع القوانين المعروفة. وقد بدأت تتكشف بعض خيوط تلك الممارسات في الفترات الأخيرة، مما اضطرها لعزل بعض الرموز في فريقها. ومن المؤكد إن هناك تفاصيل كثيرة ستتكشف إدا ما بذلت جهود صادقة عن مستويات الفساد الإداري في هده المؤسسة الصغيرة.
6- وإزاء هده الأوضاع الصعبة تلك قدمت مذكرة الى السيدة وزيرة البيئة بتاريخ 19-8-2004 بعنوان (ملاحظات حول سياسة وزارة البيئة) مسجلا اعتراضي عما يجري من انتهاكات ومظاهر معيقة لبناء مؤسسات الوزارة الحديثة، وموضحا البدائل المناسبة مع الاستعداد للحوار حول تلك الجوانب. وبدلا من احترام الرأي والتداول، اتخذت خطوات إضافية لعزلي وتهميشي.
7- ومع استمرار تفاقم سوء الادارة، اضطررت مع بعض كبار المسؤولين في الوزارة، لتقديم مذكرة أخرى إلى السيد نائب رئيس الوزراء د. برهم صالح بتاريخ 14-9- 2004،موضحين خطورة ما يجري والحاجة الماسة للتدخل وفحص الأمور وإرسال مفتش عام جديد للوزارة، والحد من العنف الإداري الذي يمارس ضدنا.
وبالنظر الى تفاقم الأخطار التي كانت تحيط بنا من داخل الوزارة وعدم سماعنا اجابة واضحة على طلبنا، اضطررت لتقديم استقالتي من منصبي بتاريخ 29-9-2004، وسبقتني السيدة وكيلة الوزارة للشؤون الفنية لتقديم طلب لاحالتها على التقاعد. وقد حملت استقالتي معطيات ومبررات متعلقة بسوء الادارة واستخدام السلطة. وطالبت برفع طلب الاستقالة الى السادة رئيس الجمهورية ونوابه والسيد رئيس الوزراء ونائبة. وكان هدف الاستقالة إثارة الانتباه الى السادة في مجلس الوزراء الى نوعية الممارسات في هده المؤسسة.
غير ان السيدة لم ترفع طلبي واصدرت أمرا وزاريا باعفائي من مركزي، وتكليفي كمستشار، وهو امر لم اتسلمه.
8- خلال العرض الذي قدمته السيدة وزيرة البيئة امام مجلسكم الموقر، فقدت من تقديم اجابات موضوعية تتسم بالمسؤولية، واكثرت في تقديم مبررات وافتعلت الذرائع لاتهامي وآخرين في إعاقة عمل الوزارة. وغالبية ما عرضته لا يتسم بالدقة والأمانة. وعلى سبيل المثال فقد أشارت الى إنها اطلعت على أطنان من الوثائق في مكتبي وهو تحتوي على برامج ومشاريع لم تتعرف عليها؟. وحقيقة الأمر ، ان مكتبي لا يحتوي الا على وثائق لا يتجاوز وزنها بضعة كيلو غرامات وليس أطنانا، وان جميع الكتب الواردة الى الوزارة تمر عبر مكتبها وبعد اطلاعها عليها تحيلها لدوي العلاقة. بل إن الرقابة الشديدة تحرمنا من الاطلاع على البريد والرسائل الالكترونية التي ترسل على عنوان الوزارة، يضاف إلى ذلك أن مركزي (اسميا) كوكيل علمي، يتكون من توابع إدارية قوامها موظفين اداريين (اثنين) مع حارس وسائق لا غير ومن دون أية صلاحيات. أما بشان البرامج التي تحدثت عنها فهي معروفة لدى الدوائر الفنية في الوزارة بالإضافة إلى الهيئة الاستراتيجية العليا في وزارة التخطيط. وقد حصلت إرباكات ناجمة عن التغيرات التي تحدثها على الدوام في طاقم المشرفين على البرامج.
9- من المحزن سماع السيدة الوزيرة، تتحدث عن قضايا مالية وهي تعرف انها محض افتراء. فقد اشارت الى انها عثرت على نصوص تشير الى أن ثلاثة من موظفي الوزارة خصصت لهم منظمة الصحة الدولية مبلغ تسعة آلاف دولار، كنت أحدهم . وهي بدلك تعمدت طريقة تجزئة الحقائق لخدمة هدفها، وحقيقة الأمر كانت كالآتي:
معلوم أن المنظمات الدولية-بما فيها منظمة الصحة الدولية وغيرها تنفذ ومنذ سنوات طويلة برامج ومشاريع في العراق. وبما إن المنظمة الدولية محدودة الامكانيات في تنفيذ تلك المشاريع، فانها تستعين بإمكانيات المؤسسات ودوائر الدولة في تنفيذ تلك المشاريع.. وكانت وزارة البيئة قد نظمت اتفاقا مع منظمة الصحة الدولية في أواخر عام 2003، بإجراء مسح لمصادر تلوث المياه الجارية ومياه الشرب. مقابل دلك تقدم تلك المنظمات أجور متواضعة جراء استعمال المختبرات والسيارات ومكافئات مالية لكادر الوزارة المنفذ لتلك المشاريع ضمن ما يعرف دوليا (Per diem)، خصوصا وان جزءً كبير من العمل يجري خارج الدوام الرسمي. وتم تشخيص العشرات من الموظفين لانجاز المشروع من المركز والمحافظات. وهو تقليد دأبت وزارات أخرى على تنفيذه، كالصحة والتعليم العالي وغيرها. وبحكم كوني المستشار الوحيد، فقد وافق السيد وزير البيئة الأول على أن أكون أحد المشرفين، مع اثنين من المدراء العامين. علما إني لم استلم مليما واحدا. كما كلفت فيما بعد-تحت إشراف الوزير السابق-على اختيار أربعة من خبراء البيئة في الجامعات العراقية لتنظيم اتفاق مع البنك الدولي (أواخر آدار 2004)، للقيام بمسح سريع لبعض مشاكل البيئة العراقية، ونفذنا نحن الخمسة الخطوة الأولى من المشروع، واستلم الخبراء حقوقهم، ورفضت استلام أي مبلغ بالرغم من أني لم اكن موظفا يتقاضى راتبا من مؤسسات الدولة. ترى ما الهدف من تشويه الحقائق ومن قبل شخصية نحتل ارفع موقع في الوزارة. علما إن زملائي في الوزارة تحدثوا معي مستغربين من جميع الموضوعات التي طرحت، مؤكدين إن لها هدف اساسي، هو صرف النظر عن الفساد الإداري والمالي، ومحاولة الإيقاع بآخرين؟؟.
10- عند استعراض رحلة العمل مند تسلم السيدة الوزيرة مهامها وحتى اليوم، نرى أن هناك تسللا من مجموعة النظام السابق إلى المراكز الحساسة، وبالأخص من الفريق المقرب منها. وقد مارس مجموعة منه تصرفات مثيرة للدهشة عبر مشاركاتهم في الاجتماعات أو اللقاءات المؤتمرات الدولية والاقليمية. وتنصب تلك التصرفات في تشويه العلاقات أو التصريح بما لا ينسجم وخدمة النظام الجديد. ويثار تساؤل مشروع هل نحن أمام انقلاب بعثي ابيض في هده المؤسسة؟؟.
11- إن مشهد السيدة الوزيرة وهي تلقي كلمتها، في حالة من الشد العصبي، تكيل الاتهامات يمينا والمدائح شمالا، وهو أسلوبها المفضل، تعتمده كنهج عام. فهجومها الأول كان ضد الوزير السابق، وتابعته حتى مع صغار الموظفين ورؤساء الأقسام، مما اضعف من هيبة وصفة الوزير، مستغلة انعدام أي رقابة فعلية على عمل الوزارة.
ان إحدى ابرز الخلاصات التي يمكن الاستفادة من هذه التجربة، الحاجة الماسة لوضع إطار عام يعزز من العمل المؤسسي المبني على الدراسات الاستراتيجية، وتعزيز الشفافية وروح الشعور بالمسؤولية. كما تؤكد تلك الأحداث أهمية تشخيص كبار المسئولين(بمن فيهم الوزراء) والتأكد من مدى صلاحيتهم(بما فيها الصحية) لتولي المهام، وبالأخص في وزارات حديثة، تمر بمراحل نمو، وبحاجة للمراقبة التدقيق المستمر.

وأخيراً أتمنى أن تتعزز تجربة استضافة الوزراء وكبار المسؤولين والتدقيق بما يطرحونه من أفكار وإجابات، والكشف عن أنماط الفساد الإداري، والتخريبي السياسي الذي اصبح شائعا في الوزارة. وأود الإشارة إلى استعدادي لتقديم الإيضاحات والمسائلة عما دونت في هده الرسالة أو الرسائل الأخرى، خدمة لعراق حلمنا به، ونتطلع لبزوغه على ارض الواقع.

وتقيلوا خالص التقدير والامتنان
د. علي عزيز حنوش
وكيل وزارة البيئة (سابق)
3-1-2005