يقودنا البحث عن مواقف ايران الشوفينية الإستبدادية في عهد الشاه البهلوي الى التعرف على خطوط الوصل والنهج المتواصل في عهد الجمهورية الاسلامية الإيرانية منذ ان برز على رأس السلطة كقائد وامام ومرشد السيد الخميني رحمه الله فبدلاً من قطع الصلة " وهي ليست بصلة الرحم" مع الشوفينية والعنصرية الفارسية فيما يخص الخليج العربي والجزر العربية المحتلة وشط العرب، وبخاصة ان المناطق العربية ذات الأكثرية العربية والتي ضُمت في زمن الشاه رضا بهلوي إلى أيران فارس تمتد بأراضيها على أكثرية ضفاف الخليج ، وقضايا القوميات والاديان والمذاهب فقد استمر هذا النهج الشوفيني المتعصب تحت يا فطة الدين الاسلام هذه المرة بدلاً من عَظَمة العرق الفارسي وتميزه عن باقي الأجناس، ضد جميع القوميات المتواجدة في إيران ونالت القومية الكردية والأكراد في البداية القسم الأكبر من الاضطهاد القومي فسحقت دبابات الحرس الثوري الإيراني في القرى والمدن الكردية عشرات الآلاف من الشعب الكردي شيوخاً ونساءً وأطفالاً قدرت في حينها ( بــ 50 ألف ضحية ) واصبح مجرد الحديث بالكردية عقاب شديد يلحق بهم مما ادى الى هرب الكثيرين منهم الى الدول المجاورة ثم دول اللجوء في اوربا وكندا واستراليا وحتى الولايات المتحدة الامريكية كما نال عرب الأهواز وغيرهم نصيبهم من الاضطهاد والتعسف وحرمانهم من أبسط حقوقهم القومية والثقافية ، وعندما بدأ النظام العراقي حربه عليها في 22 / 9 / 1980 وألغى من طرف واحد اتفاقية الجزائر التي سجلت أكبر خيانة وجريمة في حق الوطن في تاريخ حزب البعثفاشي لأنه تنازل عن أراضي عراقية وعن نصف شط العرب للشاه لضرب الحركة الكردية حينذاك.. وبقى قادة جمهورية إيران الإسلامية بعد سقوطه مصرين على الاحتفاظ بما ليس لهم حق فيه وهم يدركون جيداً ذلك وهذا لا يعني من ناحية ثانية ان النظام الجائر البعثفاشي وقادته كانوا وطنيين شرفاء شنوا الحرب على اساس وطنيتهم بل والحقيقة ان شن الحرب كان بسبب الخوف من شعار تصدير الثورة الاسلامية والضعف الذي آل إليه الوضع العسكري بعد سقوط النظام الشاهنشاهي، وبالنيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية التي اصبحت الحليفة الجديدة التي كانت تزود النظام العراقي بجميع الاحتياجات وتقديم المساعدات اللازمة له حتى بعدما وجه سلاحه الكيمياوي الى صدر الشعب الكردي في حلبجة والانفال..

ايران الإسلامية هذه مازالت بمطامعها التوسعية تسعى الى فرصة لكي تعيد نفسها الى الموقع الاول " شرطي المنطقة " ولكن بطريقة جديدة وتكتيك جديد هذه الامنية أخذت تتنامى بعد حرب الخليج الثانية حيث اصبح النظام البعثفاشي ضعيفاً منبوذاً في الداخل وفي الخارج بعد هزيمته واسترجاع دولة الكويت ، بينما أخذت الجمهورية الإيرانية تسعى وتعمل بدأب ومثابرة لتطوير اسلحتها التقليدية واعتمدت على الاموال الطائلة من واردات النفط، وبينما بقيت الجماهير الايرانية الكادحة تعاني الفقر والبطالة ولم يطرأ على حياتها المعيشية الا النزر القليل راحت الماكنة العسكرية تتطور وتمتلك اسلحة جديدة متطورة بما فيها صناعة بعض الغواصات وتطوير نظامها الصاروخي ثم سعيها الحثيث لتطوير برنامجها النووي لامتلاك السلاح النووي وهو أخطر اتجاه في السياسة الإيرانية التي يخطط لها المحافظون، واتخذ هذا الاتجاه طابعاً سرياً للغاية لكن ذلك لم يكن خافياً على اجهزة الاستخبارات الغربية والولايات المتحدة الامريكية بالذات وما الضجة الكبيرة التي صار الداني والقاصي يعرفها الا مسلسلاً عرفه الجميع وكشفته وسائل الإعلام في العالم وما جرى من تنازلات من جانب إيران والعهد الذي قطعته في تعهداتها بوقف تخصيب اليورانيوم لتطوير البرنامج النووي وانتاج السلاح النووي والسلاح الصاروخي المتطور البعيد المدى . ان هذه التنازلات اضرت أهدافها من اجل الوصول الى الموقع الذي كانت وما زالت تخطط له وتعتبره نقطة التوازن في الشرق الاوسط حسب استراتيجيتها بحجة أن اسرائيل تمتلك السلاح النووي ولا نعرف ان كان ذلك صحيحاً أم من أجل تخويف دول المنطقة، ولكن بالتأكيد لإيران هدف مخفي وهو تهديد دول المنطقة وشعوبها لكي تعيد موقعها السابق وتأثيرها عليها، الجانب الثاني من اجل تحقيق هذا الهدف هو التدخل في شؤون الدول الأخرى وبخاصة تلك الدول التي يتواجد فيها الشيعة وهي تقدم الدعم المادي والمعنوي للتجمعات والاحزاب الشيعية الموالية لها والتي نشأت بعد الحرب العراقية الإيرانية لا بل ترس مقاتلين وناشطين للانظمام لهذه الأحزاب.

هذه الاحزاب والتجمعات المؤمنة بولاية الفقيه حسب المنهج الإيراني ترى في إيران الاسلامية ليس الحليف السياسي الطائفي فحسب بل القبلة والاصل وهم جزء لا يتجزأ منها، ولهذا نجدهم يدافعون عن سياستها الاستبدادية تجاه مواطنيها من الشعوب الإيرانية وضد اي صوت ينتقدها وينتقد سياستها الشوفينية والعدائية من خارج ايران اكثر من دفاعهم عن بلدانهم وهذا ما جعل هذه الاحزاب لا تحضى بدعم وتأييد أكثرية الشيعة الذين يخالفون هذا التوجه وهذا الارتباط ويعتبرونه يناقض وطنيتهم وشعورهم الوطني .. وهناك امثلة كثيرة على هذه المواقف في بلدان عديدة مجاورة أو غير مجاورة لجمهورية إيران الإسلامية.

في العراق واثناء الحرب العراقية الإيرانية نشأت بعض الاحزاب الشيعية بدعم ومساعدة ايران وهي ليست ببدعة منا ، وبخاصة وجود اعداد تعد بعشرات الآلاف من العراقيين المُهجرين والمُهاجرين والهاربين من آتون الحرب واستغلت هذه التجمعات والاحزاب الحالة المأساوية التي كانوا يعيشونها في الاوردكات والاماكن الاخرى إضافة الى الضغوطات المستمرة عليهم لكي ينضموا إلى تنظيماتها وفي مقدمتها الاوضاع المعاشية والمادية الصعبة والتفرقة في العمل والتعيين والدراسة وغيرها، واكثرية العراقيين الذين عايشوا تلك الفترات يعرفون كيف كانت الأمور تُسير وما جرى من تخطيط مبرمج لزج أكبر عدد منهم في تلك التنظيمات بالترغيب أو الترهيب والتهديادات المبطنة باعادتهم إلى العراق وتسليمهم للنظام العراقي الجائر ..

بعد احتلال العراق وسقوط النظام البعثفاشي اخذت هذه الاحزاب بالعمل ونشطت في مجالات تواجدها وبخاصة تلك المناطق التي هيأوا اجندتهم فيها وانسل إليها الايرانيون بتوجيهات من اجهزة إيرانية معروفة وقد القي القبض على البعض من هؤلاء حسب البيانات والتصريحات التي ادلى بها مسؤولين حكوميين عراقيين عن مشاركة بعض الاجهزة الإيرانية في عمليات تسهيل تهريب المخدرات ونقل السلاح وتدريب اللارهابين ومن بينهم بعض الاردنيين لا بل تشير عن مساعدات متنوعة قدمت للزرقاوي بعد ايوائه ودخوله العراق عن طريق الحدود الايرانية العراقية وبدلاً من تصحيح مواقفها أعلن وزير خارجيتها خرازي عدم حضور اجتماع دول الجوار في عمان ليكون بدلاً عنه مدير عام وزارة الخارجية وهو موقف شئنا أو لم نشئ يدل على موقفهم المضاد الواضح فيما يخص الانتخابات والاستقرار الامني.. كما ظهر ان إيران تلعب دوراً مزدوجاً بواسطة الاحزاب الموالية لها التي تحاول تطبيق تجربتها في ولاية الفقيه ويظهر ذلك الموقف من الانتخابات والدفاع عن ايران حتى في ما يخص مشاركة البعض من اجهزتها في تشجيع استمرار الاضطرابات وعدم الاستقرار في العراق وقد ثبت ذلك بدلائل مادية ووثائق وصور عرضت عليهم أثناء اللقاءات والزيارات ..

ولعل السائل يسأل ــ لماذا تساهم إيران وهذه الاحزاب على استمرار الاضطرابات وعدم استتباب الأمن بينما في الجانب تريد ان تجري الانتخابات ؟
الجواب واضح وغير عسير أولاً: لكي تفوز جماعاتها بحصة الأسد وقيام البرلمان المؤقت وتشكيل الحكومة والذي سيكون مؤهلاً لأعداد دستور دائم وبهذا ستزيد إيران من تأثيراتها ونفوذها ولا سيما في المناطق الجنوبية والبعض من الوسطية ذي الأكثرية الشيعية وذات الحدود المشتركة برياً ومائياً مع العراق.
ثانياً: الضغط على الولايات المتحدة لكي تؤمن لأيران دورها في المخطط الواسع الذي يشمل منطقة الشرق الاوسط والتخلص من الضغوطات الأمريكية والغربية فيما يخص برنامجها النووي.
ثالثاً: لتثبيت حقها في احتلال الجزر العربية وتسمية الخليج الفارسي كأمران واقعان لا يمكن المساس بهما.

في اعتقادنا وهنا نختلف مع النهج الإيراني والاحزاب الموالية لها في قضية الانتخابات وموعدها فنحن نرى ان محاولات الارهابين من فلول نظام صدام والسلفين والأصولين الذين قدموا من خارج العراق وهم يسعون من أجل التأجيل إلى خطف المبادرة لكي يثبتوا قدرتهم وقوتهم ويعتبر ذلك انتصاراً لهم يجعل عملية الاستقرار الامني صعبة للغاية وما يأتي سيكون قرارهم هو الفيصل الحاكم، وفي الجانب الآخر ننصح الاحزاب الموالية ان تضع مصالح بلدها العراق فوق اية مصلحة أخرى ، كما نرى ان القوى الوطنية والديمقراطية يجب أن تلعب دوراً كبيراً في حشد طاقاتها لتوعية الجماهير العراقية بأهمية هذه الانتخابات من أجل نزاهتها ونجاحها و لكي تفشل المخطط الواسع والمتعدد الجوانب والإتجاهات الذي يسير نحو الهيمنة على الانتخابات أو الطائفية والتبعية والحرب الأهلية والتقسيم الذي ينشده البعض في الداخل ومن خارج العراق
ولهذذا نعتقد أن أي تراجع عن الانتخابات يعني اجهاض العملية السياسية وزيادة التوترات وعدم الاستقرار وليس العكس وهو ما يخدم المخطط الإيراني ذو الاستراتيجية البعيدة المدى والقوى الارهابية بجميع أنواعها وليس الشعب العراقي والعملية السياسية..

[email protected]