نشرت وسائل الإعلام تقريراً إخبارياً بعنوان (اتهام الإرهابيين وجماعة صدام اغتيال مسؤول في الـحزب الشيوعي)حسب ما أفادت به الشرطة. والمقصود هنا هو إغتيال الشهيد هادي صالح، المسؤول في الحزب الشيوعي العراقي والقائد النقابي العمالي الذي قتل بمنتهى الوحشية، خنقاً بسلك كهربائي في منزله في بغداد الأربعاء 5 كانون الثاني الجاري من قبل مجموعة من الملثمين سطوا على بيته بعد منتصف الليل وقاموا بتعذيبه وحرقه وقتله خنقاً ثم مزقوا جسده بالرصاص وألقوا بالجثة على القمامة. فأية آيديولوجية هذه التي تحوِّل البشر إلى وحوش كاسرة وبهذا الكم الهائل من الحقد على أبناء جلدتهم وارتكاب هكذا جريمة بحق مناضل شريف كل همه خدمة شعبه وتحقيق حلمه في الديمقراطية وحياة كريمة. ففي رأي المسؤولين العراقيين، أن هذه الأعمال ليست من أعمال حزب البعث، بل يقوم بها إرهابيون وجماعة صدام!!

أود في هذه المداخلة التعليق على استخدام هذه الاصطلاحات وطريقة تسمية جماعات الجريمة المنظمة في هذه الأيام والغاية من هذه التسميات. فنحن هنا أمام ثلاثة اصطلاحات: (الإرهابيون، البعثيون، وجماعة صدام). وهذه التعددية في الاصطلاحات ليست بريئة أو دون قصد. إذ يحاول المسؤولون العراقيون في الآونة الأخيرة ومنهم الدكتور أياد علاوي رئيس الحكومة، إبعاد صفة الإرهاب عن حزب البعث العربي الاشتراكي وبالتالي تبرئة هذا الحزب مما يجري في العراق من أعمال إرهابية وحشية، كذلك إبعاد صفة الإرهاب عن فلول صدام حسين واعتبار أعمال هذه الفلول مجرد جرائم عادية وليست أعمال إرهابية. هذا هو التلاعب بالألفاظ والضحك على الذقون ومغالطة القصد منها تضليل الرأي العام المشوه أصلاً. فما هو تعريف الإرهاب؟ يحاول كثيرون تعقيد الأمر والإدعاء إن تعريف الإرهاب أمر صعب أحتار به حتى خبراء الأمم المتحدة. وعلى قدر ما يخصني كواحد من بسطاء الناس الذين اكتووا بنيران الإرهابيين وحرمت من وطني، أرى أن الإرهاب هو أي عمل غير مشروع، تقوم به جماعة من الأقلية تريد به فرض إرادتها على الأغلبية، عن طريق القتل والخطف ونشر الرعب والهلع بين أبناء الشعب الأبرياء لتحقيق أغراضها السياسية، خاصة عندما تكون الوسائل السلمية الديمقراطية متوفرة لتحقيق هذه الأغراض. وعليه فإن حزب البعث هو حزب إرهابي لأنه يقوم بقتل الأبرياء لأغراض سياسية. وجماعة صدام هم أعضاء في حزب البعث. لذلك فأي تمييز بين الإرهابيين وحزب البعث وجماعة صدام هو عمل مضلل، القصد منه تبرئة البعث من مسؤولية ما يجري وإبعاد صفة الإرهاب عن فلول صدام حسين الذين هم العمود الفقري لحزب البعث.
نعم، أكد الدكتور علاوي في مؤتمر صحفي قبل أيام أن هذه الأعمال لم يقم بها بعثيون وعزاها إلى أتباع صدام حسين، يعني هناك فرق بين البعثيين وفلول صدام. كما وصرح قبل فترة وزير الدفاع أن (برنامج اجتثاث البعث جريمة). كذلك صرحت وزيرة البيئة إن إبعاد أي تنظيم سياسي (وتقصد البعث) عن الانتخابات عمل غير ديمقراطي. والمعروف عن هذه الوزيرة أنها جعلت من وزارتها وكراً لفلول النظام الساقط حتى صارت بؤرة للفساد. أعتقد أن القصد من كل هذه الحملة هو تبرئة البعث الفاشي من الأعمال الإرهابية التي تقتل أبناء الشعب العراقي وتدمر مؤسساته الاقتصادية وخاصة منشآته النفطية، تمهيداً لتأهيله وبالتالي مشاركته في السلطة في البداية، ليقفز مرة أخرى إلى الحكم واحتكاره كما حصل في المرات السابقة وبذلك يتم ذبح حلمنا بعراق ديمقراطي.

والسؤال هو: كيف لنا أن نفرق بين الإرهاب وحزب البعث وجماعة صدام حسين؟ ومن هو صدام حسين؟ أليس هو الأمين العام للقيادتين القطرية والقومية لهذا الحزب المشؤوم؟ ألا يوجد في حلب الآن عدد من قياديين لهذا الحزب يقودون ما يسمى بالمقاومة في العراق؟ ولماذا المحاولة لتبرئة البعث من الجرائم؟ ألم يتلق هؤلاء الدعم من السلطات البعثية السورية؟ ألم يقم البعثيون والعروبيون في العالم العربي بتأييد ما يجري في العراق من إرهاب ويسمون مقاومة ضد الاحتلال؟ إن مجرد ذكر اسم البعث يثير في نفوس العراقيين الرعب والهلع كما ويوقظ في ذاكرتهم أبشع المناظر والذكريات المأساوية، منذ تأسيس فرعه في العراق ولحد هذه اللحظة.
إن حزب البعث هو الحزب الوحيد الذي شجع المجرمين على الانتماء إلى صفوفه. لقد عملت كوادر حزب البعث على ضم المجرمين من الشقاوات في السجون عندما كانوا معتقلين أيام حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، واستخدموهم فيما بعد للاعتداء على أعضاء الأحزاب السياسية الأخرى من مناوئيهم وخاصة اليساريين في عهد ثورة 14 تموز، كما يشهد بذلك الأستاذ حسن العلوي الذي كان بعثياً آنذاك. حيث قام البعثيون في فترة تموز بترويع الناس عن طريق الاعتداء عليهم وعلى عائلاتهم، كما وتسللوا إلى دوائر الدولة وخاصة الأمن والشرطة واغتالوا في الموصل وحدها ما يقارب 800 مواطن، وأثاروا القلاقل في البلاد وافتعلوا الأزمات وفرضوا الإضرابات على طلبة الجامعات وعمال النقل إلى أن نجحوا في انقلابهم الدموي في 8 شباط 1963 وأغرقوا البلاد بالدماء. وعدد من هذه الشقاوات تسنموا مناصب عالية مثل الشقي سمير الشخيلي الذي صار وزيراً للتعليم العالي.. فتصور أي حزب هذا!! فتاريخ هؤلاء البعثيين معروف خلال حكمهم الدموي الأول بعد ذلك الإنقلاب، إذ قتلوا ما يقارب 20 ألفاً من خيرة أبناء الشعب الذي هبوا للدفاع عن ثورة 14 تموز وقيادتها الوطنية، وضاقت السجون ومراكز الشرطة بالمعتقلين فأحالوا النوادي وساحات الألعاب الرياضية إلى معتقلات ومئات الدور في بغداد إلى مراكز تعذيب وهم الذين أصدروا بيانهم رقم 13 المشؤوم بقتل المعارضين لهم في الشوارع دون محاكمة والذي يشهد بوحشيتهم وتعاملهم مع أبناء الشعب.

بالتأكيد لم يكن صدام حسين في قيادة الحزب آنذاك، بل كان دوره لا يتجاوز دور أي شقي إرهابي شارك في ارتكاب تلك الأعمال الإجرامية كغيره من وحوش البعث. فصدام حسين هو الثمرة الحقيقية لآيديولوجية البعث المجرم. هذا الحزب هو مجرم منذ ولادته وفي جميع مراحل تاريخه الأسود والذي ينكر ذلك أو يدافع عنه إما هو جاهل ساذج أو يحضِّر البلاد لمجازر جديدة على يد هذا الحزب الفاشي. لقد استعار هذا الحزب أسوأ ما أنتجته الفاشية والمنظمات الإرهابية في العالم من أفكار معادية للإنسان لتطبيقها في العراق. فقد استعار أفكاره من الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية وطبقها بأساليب ستالينية متطورة وبمنتهى القسوة والوحشية.

إن الدكتور أياد علاوي يرتكب خطأً جسيماً ومميتاً في محاولته كسب ود البعثيين وتبرئتهم من الإرهاب، فإنه بذلك سيقود البلاد إلى كارثة أخرى لا تبقي ولا تذر تتجاوز في بشاعتها آلاف المرات ما عمله البعثيون في 8 شباط 1963، وعام 1991. وليتذكر الدكتور علاوي محاولات الشهيد عبدالكريم قاسم عندما رفع شعاره المعروف (عفا الله عما سلف والرحمة فوق العدالة والعفو عند المقدرة..الخ) وعفا حتى عن المجرمين البعثيين الذين حاولوا اغتياله. لقد حاول الرجل التأثير في القوميين والبعثيين لكسب ودهم ومنحهم فرصة لخدمة الشعب والوطن، وأعطاهم المسؤوليات في بغداد. ولكن في نهاية المطاف انقلبوا عليه وحوشاً كاسرة في صباح 8 شباط 1963 لأسود، فكان ما كان ودفع الزعيم ورفاقه حياتهم نتيجة لتساهله مع البعثيين، كما ودفع الشعب الثمن باهظاً من خيرة وممتلكاته وظل شلال الدم يجري إلى اليوم وإلى مستقبل غير منظور.

أيها السادة، إن البعث هو نفسه جماعة صدام وهو نفسه الذي يقود الإرهاب في العراق، سواءً كان في الحكم أو خارج الحكم. فعندما كان في الحكم ملأ العراق بالمقابر الجماعية والمحارق البشرية وزنزانات التعذيب. واليوم وبعد سقوطه يقوم فلول هذا الحزب بارتكاب أبشع الأعمال الإرهابية ضد الشعب العراقي وبالأخص قواه الوطنية والقادة السياسيين ورجال الشرطة والأمن الوطني ليشل الدولة بالكامل عن طريق إرعاب الشعب. يرتكب البعث هذه الأعمال الإرهابية منتحلاً أسماءً إسلامية لمنظماته الإرهابية مثل جيش محمد وأنصار السنة وجيش المجاهدين..الخ. إن هذه السياسة جزء لا يتجزأ سياسة البعث الشيطانية الخبيثة وفلسفته الفاشية إن كانت له فلسفة!.

لذا فما يجري الآن في العراق من إرهاب ضد الشعب وتدمير للمؤسسات الاقتصادية هو من صلب سياسة حزب البعث وتنفيذاً لمخطط وضعه صدام حسين قبل سقوط نظامه الجائر. وعليه، فالإرهابيون وحزب البعث وجماعة صدام هي مرادفات لمعنى واحد ألا وهو الإرهاب ولا يمكن التمييز بينها. ومحاولة المسؤولين في الحكومة الحالية التفريق بين الإرهاب والبعث وجماعة صدام هي محاولة ناتجة إما عن سذاجة أو خبث، القصد منه تهيئة الأجواء لتسليم أمور البلاد والعباد إلى البعثيين مرة أخرى. إن سياسة الحكومة هذه تثير الشكوك والقلق حول مصداقية المسؤولين في ضرب الإرهاب كما وتثير مشاعر الإحباط من الوضع، واليأس والتشاؤم بالمستقبل. إن الشهيد هادي صالح ليس أول ضحايا الإجرام الفاشي البعثي وبالتأكيد ليس أخرهم طالما بقيت حكومتنا العتيدة تعامل الإرهابيين بهذه الرخاوة واللا أبالية.