ستشرق شمس العراق رغم محاولات قوي الظلام تصعيد عملياتها الارهابية التي تستهدف المدنيين وعناصر الشرطة والامن لوأد العملية الديمقراطية التي تبدأ اولي خطواتها نهاية الشهر الجاري بانتخابات عامة تشكل نقطة تحول كبري في تاريخ العراق.

عراق بلا انتخابات عراق بلا امل، وقد قبل الشعب التحدي وهو مصمم علي هزيمة الارهاب مهما عاث فسادا ودمارا، ولن ترهبه التهديدات بتفجير الانتخابات ولن تثنيه الهجمات الوحشية، والشعب العراقي، "شعب نادر بين الأمم" كما يقول د. شاكر النابلسي (للمرة الاولي في التاريخ الانساني نري شعبا عظيما كالشعب العراقي يصّر هذا الاصرار العنيد علي الديمقراطية وعلي الحرية وعلي شرعنة هذه الديمقراطية ونري بالمقابل هذا الارهاب الذي فاق الخيال السينمائي للوقوف في وجه هذه الديمقراطية والحرية) (جريدة السياسة 26/12/2004). نعم سيذهب جميع أبناء العراق المخلصين الي صناديق الانتخابات غير آبهين بقوي التخلف التي تنشد عراق صدام حسين.

لقد نادت مجموعة من القوي الاصولية المتخلفة بمقاطعة الانتخابات لأن الديمقراطية (كفر) وحكم الشعب لنفسه (شرك)، وهددت من ينتخب او يرشح نفسه بالقتل لأنه (مرتد) حسب زعمهم، وهؤلاء من العبث مناقشتهم، ولكن هناك قوي اخري متشددة تقاطع الانتخابات لعدم مشروعيتها في ظل الاحتلال، ولهؤلاء نقول: لماذا لا تكون الانتخابات بما تفرزه من حكومة منتخبة ودستور ومجلس نيابي طريقا لإنهاء الاحتلال طبقا لقرار مجلس الامن؟ ألم يذهب اليابانيون والالمان الي صناديق الانتخابات في ظل الاحتلال؟ ألم تجر الانتخابات في جنوب افريقيا - ناميبيا - عام 89 في ظل سلطات التمييز العنصري؟ ألم تجر (تيمور) و(أنغولا) و(كوسوفو) انتخاباتها في اجواء الاضطرابات؟ ألا يستعد الفلسطينيون للانتخابات في ظل الاحتلال؟ بل ان انتخابات المجلس التأسيسي عام 1924 الذي وضع الدستور العراقي تمت في ظل الاحتلال!! (جابر حبيب جابر- الشرق الاوسط 5/12) هناك الآن ضغوط متزايدة لتأجيل الانتخابات بذريعة تدهور الاوضاع الامنية في المناطق السنية، والحزب الاسلامي العراقي بعد ان شارك قرر الانسحاب - رضوخا لسطوة الارهاب - وقد رحب اسلاميو الاردن وفرحوا كثيرا مؤكدين ان ذلك يطعن في شرعية الانتخابات ولهؤلاء نقول ان عدم مشاركة جزء من الهيئة الناخبة لا يطعن في الشرعية فالانتخابات صحيحة بمن حضر. ولو كانوا اقل من النصف ثم إن الانتخابات العراقية بالقائمة النسبية غير المشروطة وغير المرتبطة بالدوائر الانتخابية ولذلك يمكن ان نجد في القائمة الواحدة شخصيات تنتمي الي دوائر انتخابية بالرغم من عدم اجراء انتخابات فيها مثل الرمادي او الفلوجة وغيرهما من مدن الدم والنار والتي يمكن تأجيل الانتخابات فيها. ولا يمكن مصادرة رأي الاغلبية التي ارتضت الانتخابات في موعدها وهناك الآن (7500) مرشح يمثلون (111) كيانا سياسيا اي اغلبية ولا يجوز لأقلية مهما كانت مبرراتها فرض رأيها علي الأكثرية وسلبيات التأجيل اكبر من ايجابياته فهناك مصداقية الحكومة العراقية التي ستكون علي المحك وهناك احترام الالتزام الدولي فضلا عن انه لا ضمانة بتحسن الحالة الامنية فترة التأجيل وقد تزداد سوءا، كما انه لا نية للمقاطعين، بالتراجع ثم ان اجراء الانتخابات في موعدها ضرورة لمنع استمرار دوامة العنف وقد يفسر التأجيل بأنه انتصار للارهاب مما سيزيده سطوة بينما المطلوب مواجهته وهزيمته، بالاضافة الي ان التأجيل يحدث فراغا دستوريا لانتهاء ولاية الحكومة الحالية بنهاية 31 يناير.

وحيث لم تنجح ذريعة الاوضاع الامنية في التأجيل ولا توجد ضمانة بمشاركة المقاطعين او المطالبين بالتأجيل، ظهرت في الآونة الاخيرة ذريعة اخري هي صيحات تحذير وخوف من فقدان الهوية العربية في الطرق بسبب التأثير الايراني علي طائفة من الشيعة!! العروبة في خطر!! وهناك مؤامرة هلالية ايرانية تزحف علي العراق!! هكذا حذر الكاتب أياد ابوشقرا (الشرق الاوسط 26/12) مذكرا: ألم اقل لكم لا تزيلوا صدام بالقوة!! عجبا.. هل بلغ الاسفاف ان نشكك في الهوية العراقية؟ الشيعة العراقيون هم اكثر الناس حرصا علي عروبة بلدهم فلم اثارة مثل هذه الدعوات البغيضة؟ وعروبة العراق راسخة رسوخ الجبال بالتاريخ والثقافة فلم تلك الصيحات المذعورة؟ هاتوا شعبا او بلدا فقد هويته نتيجة تغير اوضاع سياسية؟ هؤلاء الذين يتباكون الآن علي عروبة العراق اين كانوا والشعب العراقي يذبح ويشرد في اركان الارض بحثا عن مأوي وهربا من بطش النظام الظالم؟ من الذي يقدر علي الغاء الهوية او طمسها؟ اتركوا العراقيين وشأنهم فهم احرص علي هويتهم.

لقد كان الأجدر بهؤلاء المحذرين والخائفين من سيطرة الشيعة علي البرلمان والحكومة اقناع المقاطعين من السنة العرب بالمشاركة في الانتخابات بدلا من تسخير الاعلام العربي والفضائيات العربية علي تشجيعهم علي المقاطعة وتمجيد عمليات القتل والخطف والتدمير باعتبارها مقاومة وطنية، ولقد سعت الولايات المتحدة كثيرا طالبة من الدول الخليجية والعربية اقناع المقاطعين بالمشاركة ولكن دون جدوي. لا حل الآن الا بتوجيه الجهود في مؤتمر عمان لممارسة قدر من الضغط علي المقاطعين للمشاركة الفاعلة اذا كانوا مهتمين حقا بمستقبل العراق، التأجيل غير وارد الآن لأنه ببساطة يعني تقويض الجدول الزمني المتفق عليه دوليا عبر قرار 546 الاكمال العملية السياسية وبالتالي تأخير خروج القوات الدولية - وحيد عبدالمجيد -الاتحاد 30/12- قد يكون من بين الحلول المساعدة، تخصيص مقاعد معينة للسنة العرب في الجمعية وتخصيص مواقع لهم في الحكومة الانتقالية، يجب التأكيد علي انه لا خوف علي العروبة في العراق مهما كان نفوذ ايران وتأثيرها في الساحة هي او غيرها، وكما يقول د. وحيد عبدالمجيد ان هذه انتخابات لها مهمة محددة وهي انتخاب جمعية مؤقتة لاعداد دستور فاذا ضمت الجمعية نوابا من مختلف العراق فهذا يكفي للاطمئنان الي سلامة عملية اعداد الدستور حتي ولو لم تسمح الظروف الامنية في اجراء انتخابات في بعض المناطق ولان هذا الدستور في استفتاء عام وستكون هناك انتخابات ديمقراطية كاملة بنهاية عام 2005 وستكون الفرصة متاحة للجميع للمشاركة. ومهما يكن فعدم مشاركة قلة من السنة العرب لا تؤثر علي الهوية وادعاء الخوف علي العروبة مرفوض.

دعوا العراقيين يختارون وهم ادري بمصالحهم وهم احرص علي هويتهم ومن يريد المشاركة في صنع مستقبل العراق فليفعل ومن يريد المقاطعة فهذا شأنه وهو يتحمل مسؤولية موقفه.

مفكر قطري، وعميد كلية الشريعة في جامعة قطر سابقاً.