على الرغم من إيماننا بأن المشكلة هي في الاحتلال لا في الديموقراطية وأن الانتخابات لم تأت بمفاجآت إلا أن الشعب الفلسطيني أثبت بحق أنه تواق للحرية والديموقراطية بله قد أثبت أنه أجدر وأنه أكثر حضارة وعشقا للحرية والديموقراطية أكثر من معظم البلدان التي تتشدق بالديموقراطية. فرغم الاحتلال وجبروته مضى أالناخبون إلى صناديق الاقتراع رغم المعاناة والعراقيل والصعوبات التي وضعتها قوات الاحتلال في طريق الناخبين والمرشحين على السواء أثناء الحملات الانتخابية وأثناء الاقتراع في مراكز الانتخابات. ورغم استمرار الاجتياحات والاغتيالات إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسة (فوكس نيوز، سي إن إن، إم إس إن بي سي، نيويوك تايمز) رسمت الصورة الوردية من أن "إسرائيل الديموقراطية" قامت بالتسهيلات اللازمة للفلسطينيين للانتخابات. وكأن كل ما يعني الإعلام الأمريكي هو حكمة وديموقراطية الكيان الصهيوني, لقد شهد العالم كله على الصعوبات والعراقيل والحواجز التي أخرت وصول صناديق الاقتراع إلى المراكز الانتخابية. وشهد جيمي كارتر الرئيس الأسبق نفسه على الصعوبات التي وضعتها قوات الاحتلال الصهيوني في طريق أهلنا في القدس وغيرها كثير.

فتهانينا الحارة وألف تحية لكل فلسطيني وفلسطينية في الوطن لإنجاز هذه الخطوة الديموقراطية التي يجب أن يتبعها خطوات. يحق للشعب الفلسطيني أن يباهي ويفتخر بهذا النفس الديموقراطي العظيم وبهذه المسؤولية التي يتحلى بها كل فرد ونخص بالذكر المرأة الفلسطينية العظيمة التي كان لها الحضور الأوفر في هذه الانتخابات. إنه شعب الجبارين كالعنقاء يخرج من تحت الرماد. لم يكن المهم في هذه الانتخابات لمن سيكون الفوز بقدر ما كان مجرد الذهاب إلى مراكز الانتخاب وإدلاء الصوت الإنجاز الأكبر في هذه العملية. وعلى حد قول أحد الناخبين في لقاء معه في إحدى الفضائيات العربية في مدينة نابلس. إنه ليس من المهم من سيكون الرئيس القادم بقدر ما خلقت هذه الانتخابات الوعي بالديموقراطية والإحساس بها عند جميع أفراد العائلة الفلسطينية صغارا وكبارا. أما الآن وقد انفض سامر الانتخابات يحق لنا أن نسأل ما هي الدروس المستفادة على ضوء الإشكالات والنواقص التي تخللت هذه العملية الانتخابية؟

ما من أحد كان يتوقع أن تكون الانتخابات خالية من المشاكل والمصاعب والنواقص. فليس هناك عملية انتخابية كاملة مائة بالمائة وخاصة إذا كانت تجرى تحت نير احتلال ليس له مثيل في التاريخ إلا الاحتلال النازي. ولكن ذلك لا يمنعنا من وضع اليد على بعض النواقص والمشاكل لنتجنبها في المستقبل وخاصة ونحن مقبلون على انتخابات تشريعية أكثر أهمية من الانتخابات التي مرت حيث سينتخب الشعب مجلسا تشريعيا يمثله حق التمثيل في محاسبة ومراقبة أداء حكومة السلطة القادمة. وكذلك ستشارك كل المنظمات والمؤسسات والأحزاب وكل مكونات الشعب الفلسطيني في هذه الانتخابات. لهذا وذاك نسوق بعض الملاحظات التالية لعل أصحاب القرار يتمعنون فيها ويتم تصحيح مسيرة الانتخابات لتلافي المشاكل والنواقص التي ظهرت في الانتخابات السابقة.

1.ضرورة تطوير قانون الانتخابات الحالي الذي أثار بعض البلبلة واللغط حول سوء استخدام السجل المدني. وهنا تأتي ضرورة إشراك جميع الأطراف الفاعلة على الساحة الفلسطينية في مراجعة وتعديل قانون الانتخابات وتتم الموافقة عليه من الجميع حتى نتجنب الإشكالات التي طفت على السطح خلال الانتخابات السابقة.
2.ضرورة إشراك جميع القوى الوطنية والإسلامية والقوى الفاعلة في اللجنة المركزية للانتخابات لكي تزيد من حياديتها ومصداقيتها وفاعليتها عند جميع الأطراف ولا يرقى إليها الشك أثناء الحملات الانتخابية وأثناء الانتخابات نفسها.
3.ضرورة وضع ضوابط وروابط في إجراء الحملات الانتخابية. لقد شهدت الساحة الفلسطينية أعنف وأقسى أنواع الدعايات الإعلامية ضد بعض المرشحين. لقد دبجت مقالات التشهير والتجريح والشتم والقدح والردح أيضا في حق بعض المرشحين. إننا شهدنا نوعا من الصحافة والكتبة غريبا وأقل ما يقال أنهم تافهون ينمون عن ذوات حاقدة مسلوبة الإرادة الوطنية وذوات مسيرة إما بهوى شخصي أو هوى مادي. فليوضع ما يشبه ميثاق شرف بين المرشحين ولا بأس أن يدعى (ميثاق الانتخابات).
4.الحد من إهدار الأموال التي تصرف في الحملات الانتخابية ولا يكتفى بما يقوله القانون الانتخابي. بل يجب أن تكون هناك مراقبة شديدة على مصادر التمويل وعلى طرق صرفها وألاّ تستخدم في شراء أصوات الناخبين. يجب أن يصار إلى مطالبة المرشح للانتخابات بتقديم تقرير عن تمويل حملته وليكن عن طريق محاسب قانوني معتمد من لجنة الانتخابات المركزية.
5.لأهمية الانتخابات التشريعية القادمة وهي على الأبواب، على السلطة الإصرار على اشتراك كامل وفعلي لمواطني مدينة القدس. وإذا لم يشارك مواطنو القدس مشاركة حقيقية وفاعلة في الترشيح والانتخاب للمجلس التشريعي يعني ذلك التخلي عن القدس عاصمة لدولة المستقبل.
6.الإصرار على مشاركة الأسرى الأشاوس تيجان رؤوسنا وعزنا كيف لا وهم زبدة المجتمع وهم الأولى في إبراز صوتهم واختيار من يمثلهم في المجالس التشريعية والبلدية.
7.إشراك فلسطينيي الشتات بصيغة أو بأخرى في الانتخابات القادمة. وليس من العدل في شيء أن يهمش أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الشتات ويحرمون من أقدس حقوقهم الإنسانية. وليس من الصواب أن يقال لهم أن الانتخابات هي للسلطة فقط سواء رئاسية أو تشريعية وليست للدولة مع تناسي أن هذه السلطة ستقود مفاوضات وستبرم اتفاقات نيابة عن جميع الفلسطينيين سواء في الداخل أو في الخارج وتقرر مصير الجميع.
8.نسبة الناخبين التي بلغت 44% لا تعطي تفويضا كاملا للرئيس المنتخب بأن يبت في الثوابت ويتفاوض عليها دون الرجوع إلى كل الأطراف في الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات.

ونختم بتهنئة الشعب الفلسطيني مرة أخرى على تحليه بالمسؤولية وعلى تضحياته من أجل الحرية والديموقراطية. ونهنئ أيضا الرئيس المنتخب وندعو له بالتوفيق في مشواره الطويل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. سيكون المشوار طويلا وطويلا كما أراده وكان شارون وبوش في عونه. وندعو لابتسامته الممطوطة أن تدوم وأن يدعمها بالإنجازات والوعود التي قطعها على نفسه. لقد حمّل نفسه برنامجا كبيرا أقل بند فيه يحتاج إلى سنوات وسنوات بالطريقة والوسيلة والنهج كما طرحه ويطرحه في رؤيته السياسية. أي أن نصبح رسل سلام مع قوم قتلوا الرسل. وآمل ألاّ يأتي الوقت الذي يضطر عندها الرئيس الجديد إلى أن يلحس كلامه وبرنامجه الطموح أو أن يصبح حبيسا في المقاطعة وألا يصبح عقبة أمام السلام. والآن يا سيادة الرئيس: بدأ المشوار و "راحت السكرة وجاءت الفكرة."