هل انتهى عصر اليسار الثقافي؟ وهل تفككت مفهوماته وشروطه واصبح مفهوما خارج نظام الجهات؟ وهل عاد اليساريون الى احضان قبائلهم القديمة ليمارسوا طقوس الولاء والدفاع عن عقيدة العصاب او عقيدة الدولة وربما عقيدة السلامة العامة التي تبعدهم عن اجندة السيافين وزوار الفجر ومنظري الحداثة الجدد الساعين لتفكيك المراكز القديمة وتؤمن لهم اطمئنانات ولو مغشوشة؟؟

ان هذه الاسئلة تقودنا الى حقيقة عارية وواضحة تقول ان اليسار العراقي والعربي قد فشلا في ان يصنعا لهما برنامجا ومشروعا واضحا بعد مرحلة الايديولوجيات الشمولية ونماذجها في اليساريات التقليدية وبعيدا عن المؤثرات السحرية للكاريزما السوفيتية التي كانت هي العراب والبرغماتي للكثيرين الذين وضعوا ذرائعهم واحلامهم تحت خيمته الحمراء..

ان وقائع الثقافة الكونية وحروبها الباردة والساخنة وتحولاتها المدهشة وانقطاعاتها الغرائبية في المعرفة والعلوم والثقافات وثورتها المعلوماتية قد اسقطت حسابات اليسار واليمين معا وجعلت الجميع امام مفهومات مغايرة للتقدم والتنمية والعولمة والخصصة،،، ورغم ان هذا التقدم ومشتقاته كان يخلو من اللمسات الانسانية ويقدم نفسه على اساس قاس من الواقعية , الا انه كان اشبه بالفرائض التي جاءت بها مجموعة من الاشكالات والتغييرات وربما الهزائم وكان اليسار العربي احد صناع هذه الاسباب..

ان هذا اليسار يملك تاريخا طويلا من الرومانسية في الايديولوجيا والخطاب الجمالي والفكري واستطاع ان يمنح الفقراء في الجغرافيا الوطنية والعربية مزيجا هائلا من الحلم والتلذذ والقوة ’’ وحين هبطت حروب الراسمال وحروب الطوائف ودخلت امريكا بكل عدتها وعديدها الى هذه الجغرافيا وستخدمت كل الاعيب وتقنيات التقدم والحداثة والحروب الصغيرة وانتاج بضائع خاصة لوعي وحساسية الفقراء بعد ان تنازلت الكاريزما السوفيتية عن الكثير من امتيازاتها،، ادرك اليسا الثقافي انه اصبح وحيدا وان صناعته لادلجة الاطمئنان لم تعد كافية لانقاذ الفقراء من احزانهم المتسعة , ولم يعد لمثقفي العالم الثالث والرابع خطابات قادرة على ادامة الحوار المعقد والمفتوح على تحولات وانقطاعات لم تعد مالوفة !! فضلا عن الدول الفقيرة التي حملت الكاريزما اليسارية كشعارات وايديولوجيات تحولت بعد حين الى دول للقبائل وسوح لحروب العسكرتاريا او تصدير الفقر والازمات وانتهت مواسمها الثورية وهرب حكامها الثوريون والرومانسيون...

ان هذا ليس ادانة لايديولوجيات اليسار الثقافي التي كانت جزءا مهما في انجازات الفكر الانساني،،، ولكنه ادانة للسياق الذي والمهيمن الذي لم يغادر مكونه في الفكر والتطبيق.. اذ ظل البعض يصدق شعارات ضمر الراسمالية ويحلم مع ابطال ( الفولاذ سقيناه ) ويعيش مع قصائد ناظم حكمت سعادة غامرة وامنيات قريبة النفاذ،، ولم يدرك ان الدول الماكرة التي صنعت ( رأس مال ) اكثر شراسة من حرب ( ترومان ) واكثر خبثا من طروحات ( كيسنجر ) ,,, ان راس مال متعولم وسحري جعل اكثر اشتغالاته عل ثقافة العقل والمال، فاقترح نهاية ثقافية للعالم، واقترح الى صدام غير متوازن بين الحضارات، ودعا مقابل ذلك الى تدميركل الاسواق والمؤسسات التي لاتصدق بنهايته السعيدة !!! فكيف بيسارنا الثقافي والطيب ازاء حروب اصحاب الجهات المعلومة،، اذ يجب عليه البحث عن جهة خامسة تؤمن له سلامة العقل والجسد،، خاصة وان تاريخنا اليساري هو تاريخ اضحيات لم يسلم فيه الجسد الوطني من الجوع والفقر والسياط والمحابس، علما ان البعض من اليساريين قد صنع نوعا من المازوشية التي تلذذ اليساري بالسكنى الى هذه الصفات، لان اليساري المناضل يجب ان يكون جائعا وفقيرا وبوهيميا وصاحب تاريخ مع السياط والسجون،، رغم ان الدول التي نسكنها مازالت تنظر الى هذا اليساري بانه الملح والزنديق والكافر والماجن وغير الصالح للزعامة..

[email protected]