إطلعت على رد الأخ الدكتور شاكر النابلسي، ولم أكد أفهم إن كان قد أطلع فعلاً على ما كتبته عن مؤسسة الفكر العربي، ولكن خلاصة الانطباع الذي خرجت به يوضح بجلاء ويؤكد ما ظللت أتحدث عنه في كل ما أكتب وأحاضر به، سواء بالجامعات أو بالمحاضرات العامة.

أين موقع النابلسي
فالدكتور لا تستطيع أن تُعين الموقع أو المنبر الذي يتحدث منه :
هل هو يدافع عن مؤسسة الفكر العربي باعتباره من المشاركين كما قال حرفياً "من خلال موقعنا في هذه المؤسسة كواحد من المشاركين في بعض نشاطاتها، وليس في إدارتها"؟.
أم أنه ضمن طاقمها الإداري، حين يتهمنا قائلاً بأنني صببت جام غضبي " غير المبرر على إدارة مؤسسة الفكر العربي " ثم يؤكد بأنني سأكون " ضيف أحد " مؤتمراتها مستقبلاً.
أم أنه ضمن نخبة المفكرين والمثقفين العرب الذين شاركوا " في المؤتمرات الثلاثة التي عقدتها هذه المؤسسة " و " أنهم طليعة حركة الفكر العربي والثقافة العربية من كافة الأطياف الثقافية والعربية " كما ذكر نصاً في رده الذي نشرته صحيفة " الوطن " في عددها الصـادر يوم الجمعة 3 ذوالجحة (1425هـ)؟.
بأي صفة هو يتحدث من هذه الصفات الثلاث؟!.
على كلٍ ليست هذه هي القضية بالنسبة لي.
ولكن لي ملاحظة جانبية صغيرة، ولكن دلالتها ومضامينها ومحمولاتها الكبيرة والخطيرة تؤكد ما ظللت أتحدث وأكتب عنه دائماً ويشكل الآفة الكبرى في العقل والتفكير العربي حين نقوم بشخصنة القضايا الفكرية بهذا المستوى.
لقد قمت بعملية حصر لذكر اسمي " ابن سبعان " في مقاله فوجدت انه ذكره (18مرة) غير الإشارة إليه وإليَّ بالصيغة المضمرة. الأمر الذي يؤكد تركيزه على الشخص أكثر من تركيزه على الموضوع أو القضية.
وهذا موضوع سنعود إليه لاحقاً.
ولنعد إلى الموضوع الأساسي، وإلى القضية الرئيسية.

هذه هي القضية
القضية تكمن أساساً في أنني ناقشت مسألة مؤسسة الفكر العربي. ولم يكن همي ينصب ويتركز حول الإدارة المعنية بهذه المؤسسة ولا بمن يستفيدون من خدماتها.
وإنما تركز بصري على شيئين. ولكن لم يقم الأخ الدكتور بمناقشتهما :
•الأول : أنني تحدثت عن الفكرة في حد نفسها، وأشدت بمبادرة الأمير خالد الفيصل، ثم أشدت به كشاعر ومثقف عربي، وأن الفكرة نفسها مبادرة شجاعة وجريئة وعملية، وأنها يمكن أن تسهم في نهضتنا الحضارية بعد أن قام البعض منا بـ " توسيخ " وجهنا الإسلامي الحضاري بهذه الأعمال الإرهابية.
ولكن.
وهنا مربط الفرس.
ما هي معايير تحديد من هو المفكر العربي، هذا ما ناقشته.. هل ثمة معايير محددة؟.
هذا هو السؤال الذي طرحته..
ومن هو الذي يحدد هذه المعايير؟.
هل هي إدارة المؤسسة؟.
أعرف، ويعرف الجميع أن إدارة المؤسسات الفكرية والأكاديمية ليس من ضمن صلاحيتها تحديد وتعريف من هو المفكر.
فالمفكر والمثقف تُحدد قدراته بعطاءه , وليس هذا من العمل الإداري في شئ.
فهل يحتاج هذا إلى دروس خصوصية؟.

ما بين الواقع والمثال
•ثانياً : حين قارنت بين آداء ونتائج مؤسسة الفكر العربي فلأنني أريدها أن تبدأ من حيث انتهت التجارب السابقة لها، ولم أحصر المقارنة في حدود " مركز دارسات الوحدة العربية " التي ذكرتها، لأنني استشهدت بتجارب تاريخية أخرى مثل دار المأمون ومكتبة الإسكندرية في العصر الروماني فلماذا اكتفى بذكر مركز دراسات الوحدة العربية كمثال.
أكثر من ذلك ذكرت دور نشر عربية رائدة قدمت الكثير لخدمة حركة التنوير مثل دار الطليعة والحداثة وغيرها، فلماذا تم تركيزه على مركز دراسات الوحدة العربية؟.

المشكلة تكمن في أننا نحاول دفن رؤوسنا في التراب كي نتعامي عن رؤية الواقع.
نعم أنا " أشكك في وظيفة هذه المؤسسة كحاضنة للفكر والمفكرين العرب " وأشكك في مقدرتها كمؤسسة ثقافية مدنية تستند في عملها المؤسسي على معايير الكفاءة والموضوعية " مثلما جاء في مقاله.
ولكن هل استطاع هو أن يؤكد عكس ذلك؟.
في مقالي الذي رد عليه في " إيلاف " وفي صحيفة " الوطن " تساءلت من الذي يحدد من هو المفكر العربي الجدير بدعوة مؤسسة حاضنة للفكر والمفكرين العرب؟.
وسألت ما هي المعايير التي بموجبها يتم هذا الاختيار؟.
كان الأجدر بالأخ الدكتور النابلسي أن يرد هذه التساؤلات بموضوعية. أياً كان موقعه في هذه المؤسسة، سواءً كجزء وعضو في طاقمها الإداري أو مشارك في فعاليتها ولجانها، أو كمفكر منحاز للفكرة.
لا أن يتجه إلى منطق التجريح الشخصي، ولربما يعلم أن ليس هذا هو المنهج والأسلوب الصحيح والسليم لمعالجة مثل هذه القضايا الكبرى.
ورغم إيماني بأن الفكرة إنسانية ومبادرة حضارية عامة، رغم أن المبادرة جاءت من شخص سعودي، مما يملؤني فخراً كمواطن ينتمي إلى نفس الوطن، الذي ينتمي إليه صاحب المبادرة الأمير خالد الفيصل.
إلا أنني كأكاديمي ومفكر مطالب بأن أثير الأسئلة حول جدوى هذه الجهود والنوايا الطيبة لأننا لا يمكن أن نكتفي بما تنتويه أنفسنا.
وفي رده ذاك الذي نشره مرتين يوم الأربعاء بموقع إيلاف ويوم الجمعة في الوطن، رغم مخالفة ذلك لقواعد الأعراف الصحفية، لم يحاول الإجابة على هذه التساؤلات الموضوعية، وإنما انحصر رده على التجريح الشخصي.

أين الطريق إذاً؟
لقد تحدث عن مجهودات المؤسسة للترجمة، ولكنه تحدث بلغة " سوف " دون إيضاح ما تم فعلاً، ونحن لا يمكن أن نحاكم النوايا وإنما نحاكم الوقائع والأفعال والنتائج على أرض الواقع، أما الحديث عن " سوف " فلا قيمة له. أم هل يظن الكاتب بان ثلاث سنوات من عمر المؤسسة لا قيمة له؟!.
ألا تكفي هذه السنوات الثلاث بأشهرها الـ (36) لفعل شئ واضح وملموس على أرض الواقع، أم أنها تحتاج لمُضاعفاتها لتؤتي ثمرها؟.
هذه هي القضية.

أما ثالثة الأثافي فتتمثل في قوله بان عدم دعوتي إلى مؤتمرات المؤسسة كان سبب نقمتي على إدارتها. ولا أعلم سبباً لهذا التجريح رغم إشادتي بالفكرة والمبادرة، وإشادتي بصاحب الفكرة الأمير خالد الفيصل وهي ليست بمستغربة عليه كأمير مسؤول ومثقف وشاعر وفنان تشكيلي.
فلماذا أنقم على الفكرة؟.
هل لمجرد أنني لم أُدعى إلى الحضور لمؤتمراتها؟.
هل يعلم الكاتب بأنني متلهف لحضور كل المؤتمرات التي أُدعى إليها؟.
أم يظنني بهذا الفراغ؟
إن أجندة عملي مزدحمة بالأعمال الأكاديمية والمحاضرات العامة في السعودية وفي غيرها من الدول، ولست متعطلاً للبحث عن المشاركة في منتديات هنا وهناك، وبالتالي فإنني في غنى عن المشاركة في مؤتمرات مؤسسة الفكر العربي، رغم دعمي وانحيازي لها.
ولكن دعمي لها لا يكون ولا يتحقق بأن أكون من المصفقين والمطبلين لها، رغم فخري واعتزازي بأن يكون صاحب مبادرتها سعودي، يشرفني ويملؤني فخراً بأن أكون واحداً من أحفاد من ساهموا في توحيد هذه المملكة بقيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله.

ثم ما هو موقع الدكتور النابلسي لكي يعدني بأن أُدعى لأحضر مؤتمرات المؤسسة القادمات، وهل هذا يليق به وبي؟!.
هل هو الأمين العام؟.. أم إنه مديرها؟
هل هو مؤسسها؟
بأي صفة يتحدث؟.
هذه هي آفة الفكر العربي وقد أشرت إليها في كل ما أكتب.. إنها داء الشخصنة.. أعني شخصنة القضايا العامة وعدم مؤسستها.

أكاديمي وكاتب ســـعودي

E.MAIL : Dr_ binsabaan @hotmail.com