... "الاتجاه المعاكس.. الجزيرة ـــ الأخبار العامة.. الشرقية "

الأعلام منظومة من الأفكار والطرق والاساليب والادوات والاجهزة والاتصالات التي أوجدها وصنعها الانسان لخدمته وخدمة أغراضه واهدافه كفرد او مجموعات وقد يكون الاعلام بجانبه السلبي وسيلة مملوءة بالاوهام التي تدفع الآخرين الى الأيمان بصدقه إذا ما اعتمد اعلى تزييف الواقع واعتباره "وهم " لا يمكن تصديقه وخلق واقع " وهمي " باساليب وطرق شيطانية تُعتمد من أجل هذا الغرض، ومجمل النشاط الاعلامي يعتمد على تصوير الواقع من جانبين، جانب موضوعي معرفي يرتبط بوعي الانسان لكي يصل إلى الحقيقة، وجانب غير موضوعي يشوه وعي الانسان وفق ايديولوجية لتشويه الحقيقة وتمرير ما يريده وما تتطلبه المرحلة التي يراد منها ان تحقق اهدافها المخطط مسبقاً لها، فالاعلام بشقيه يمارس عمله الاعلامي " النظري والعملي " وفق مفاهيم ايديولوجية تعبر عن مصالح الفئات والطبقات الاجتماعية. وقد يستغرب البعض ان ذلك ينطبق على الاعلام في الدول العربية " الاعلام الحكومي او اعلام القطاع الخاص" فهما يعبران عن مجموعة من الاهداف والتصورات ويعملان وفق مناهج تعبوية لتحقيق الاغراض المصلحية لكل واحد منهما..
وقد يقتنع المتابع الحيادي بالمعنى النسبي للقنوات الفضائية العربية المختلفة بوجهة نظرنا هذه وبخاصة إذا دقق في البرامج السياسية قبل غيرها والتي تحاول تمرير ما تريده بطرق قد يراها او يسمعها الانسان وكأنها حيادية، بلغتها او تحريكها للشخصيات والاحداث الجارية لا بل لا تكتفي بالواقع الراهن فحسب وانما تجدها تذهب للتاريخ لتأخذ الوقائع والاحداث التاريخية المصورة او المكتوبة لتضفي عليها مسحة من تعليقات تحتوي على تشويه للواقع حينذاك ، وتحاول خلق وعي مشوه حول البعض من هذه الأحداث مثلما فعل كتبة التاريخ في السابق حيث جعلوا " الامبراطور أو الملك أو الخليفة وكأنهم وحدهم صنعوا التاريخ بدلاً من عشرات الآلاف من الباحثين والعلماء والجنود وغيرهم من خلال أعمالهم الخارقة "
هذا الحديث جرني الى رؤية موقعين فضائيين احدهما عربي والآخر عراقي وكلاهما يلعبان لعبة مشتركة ذات هدف محدد على الرغم من اختلاف الاساليب المتبعة عندهما، " قناة الجزيرة القطرية ببرنامج الاتجاه المعاكس، وقناة الشرقية العراقية وأخبارها العامة" بالطبع هناك برامج كثيرة تعرض في هذين القناتين يهدفان الى الهدف نفسه لكننا نكتفي على قدر المستطاع بهذين المثلين، ثم هناك العديد من القنوات الفضائية التي تساهم بهذا القدر وذاك في التشوية والتحريض مثل قناة " المنار والعالم " الايرانيتين قلباً وقالباً ولا يحتاجان الى اثباتات كثيرة.
قد لا نغالي عندما نقول أن مجمل الاخبار العالمية والعراقية التي تبث من قبل الشرقية تكاد تكون لفلول النظام البائد والبعثفاشي وللارهابيين حصة الأسد، فمن أول خبر يبدأ الضخ في اخبار القتل والاختطاف والتفجير وتفخيخ السيارات وتفجير انابيب النفط والبنى التحتية وعدد الضحايا الى آخر خبر فيها، وتتراوح نسبة هذه الأخبار ما بين 90 أو 95 % وكأن العراق بجميع اراضيه يقف على فوهة بركان ونادراً ما نسمع في اخبارها عن الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل استقرار البلاد وموقفها من الارهاب وازلام النظام البعثفاشي وكذلك التضحيات الجسيمة من قبل رجال الشرطة والحرس الوطني وجميع المخلصين الذين يرون في العملية السياسية ونجاحها العنصر الاكثر ضرورة لمستقبل البلاد ولا سمعنا ادانة واضحة لعمليات الاغتيال التي تمارس ضد الشخوص الوطنية والديمقرطية بل رأينا بالعكس وبشكل بائس اللقاءات مع عضو القيادة القطرية السابق تايه عبد الكريم وآخرين هؤلاء الذين لعبوا دوراً بارزاً في مأساة العراق والعراقيين، بهذا التوجه تريد هذه القناة الفضائية تضخيم الاوضاع لخلق وعي انهزامي مستسلم يؤمن باستحالة الاستقرار وعودة الامن وحتى التشكيك بقدرته على خوض الصراع واجراء الانتخابات ونجاحها وكأن الهدف المبطن بالوطنية هو ابقاء قوات الجيوش الاجنبية اطول فترة ممكنة، لكن هذا التوجه يصطدم باستغراب الكثيرين حيث ان السيد سعد البزاز الذي يمتلك هذه القناة كان من أوئل القادمين مع الاحتلال الامريكي وعاد منذ البداية ومعه جريدته " الزمان " وبقدرة قادر تحولت قناته الشرقية وكأنها الوطنية الوحيدة التي تذيع أخبار الهجمات الارهابية وكأنها مقاومة وطنية .. وربما تناسى السيد البزاز ان الاحتلال هو الذي مهد له ولجريدته وقناته الشرقية الدخول للعراق، ولكي لا نتهم بأننا ايدنا ونؤيد الاحتلال نطالب بالرجوع الى مواقفنا الكتابية وغير الكتابية الصريحة قبل الحرب وبعد احتلال العراق التي أكدنا فيها الموقف الواضح من النظام الشمولي وكذلك رفضنا للحرب وللاحتلال ولكن " تجري الرياح بما لا تشتهي السفن "..
في قناة الجزيرة يعجبني الدكتور فيصل القاسم مقدم برنامج الاتجاه المعاكس" وهو لا أتجاه معاكس ولا بطيخ لكنه والحق يقال رجلٌ ذكي يعرف من أين تؤكل لحمة الكتف" إلا أن الأمر الغريب وهو ما يؤسف له ان بعض الشخصيات الوطنية العراقية انطلت وتنطلي عليها لعبة الاتجاه المعاكس وغيره من الربامج اللاحيادية فتستجيب للدعوة لتجد نفسها بين كماشتين، كماشة الدكتور فيصل الذي يتفنن في المقاطعة والتبرير والتدخل الفوري كي لا يسمح بالوقت ثم الحاح على اسئلة عريضة تجعل الطرف الذي نصب له الكمين ينسى ما يريد ان يقوله او يشرحه، في الجانب الثاني هناك كماشة الحرية التي تمنح للمقابل المدعوم من قِبل الدكتور وبرنامجه ومنذ الآن سنسميه " الاتجاه المحسوم " ..
في المقدمة يبدوالدكتور فيصل حريصاً وحيادياً لكن الدور الميكافيلي يظهر بفنتازية سرعان ما يُكتشف من خلال سير البرنامج ومن تدخلاته الفجائية ومناقشاته العصبية أحياناً وقد استفاد من تجاربه السابقة في ايجاد طريقة جديدة ليعلن من خلالها حيادية "الاتجاه المحسوم " وحياديته وهي الاستفتاء داخل دولة قَطر المكتظة بالهاربين من ازلام النظام وبأشخاص مهيئين لهذا الغرض، ولهذا نرى دائماً نسبة الذين يعادون الاستقرار ويؤيدون استمرار العنف غير المبرر ضد الشعب العراقي أعلى بكثير من نسبة الذين يريدون للعراق وشعبه الامان والاستقرار والبناء.. وهذه مسرحية معروفة.. وقد نطرح سؤال هام وواقعي ــ من الذي يقرر الوضع في العراق؟ هل الشعب العراقي في داخل الوطن أم القلة القليلة بالنسبة للشعب خارج الوطن مع احترامنا للحريصين منهم ؟ ثم أن هذا الشعب وبسبب السياسة الاعلامية السابقة المضللة والمغرضة للنظام البائد وحجب الحقائق عنه بمختلف السبل وممارسة الاضطهاد والارهاب والملاحقات المخابراتية والبوليسية جعلته لا يستطيع ملاحقة التطورات العلمية والتكنيك الاعلامي المتطور وبقى طوال حقب عديدة لا يمتلك اي اداة اعلامية متطورة يستطيع من خلالها معرفة الاوضاع والتطورات ليس في خارج وطنه فحسب وانما حتى داخل وطنه ، فلقد كان محروما من ابسط الادوات المعرفية مثل الستلايت والموبايل والكمبيوتر والانترنيت والقنوات الفضائية والصحف العربية والعالمية.. فكيف يستطيع التصويت بالانترنيت والأكثرية لا يملكون حتى جهاز تلفون عادي .. اما الأسئلة التي يطرحها للتصويت ففيها أكثر من علامة استفهام وعندما نريد ان ندقق في اهداف التصويت فسوف نجدها شعارات تجر حتى الذين يضاددونه في الرأي وفي سياسة " الاتجاه المحسوم " .. ولنأخذ هذا السؤال للتصويت عليه في برنامجه الأخير " هل تؤيد اجراء الانتخابات في ظل الاحتلال ؟ " الدكتور فيصل يدرك ويعرف جيداً ماهية قرار مجلس الأمن حول الاحتلال ثم قراره في انهاء هذه المرحلة ووجود حكومة مؤقتة ورئيس جمهورية مؤقت لكنه لا يطرح السؤال " هل تؤيد اجراء الانتخابات في ظل الحكومة المؤقتة ورئيس جمهورية مؤقت ؟ " ان الفرق بين السؤالين او الاعلانين واضح جداً ثم ان توجيه السؤال في القناة الفضائية والطلب من مشاهدين غير عراقيين وعراقيين اكثرهم في الخارج يختلف عن سؤال يوجه مباشرة للعراقيين في داخل الوطن لكي نعرف جيداً رأي الاكثرية وليس الأقلية، فمهمة الاعلام هنا اصبحت غير نزيهة لأنها منذ البداية قررت الهدف المخطط للندوة المبثوثة من قبل " الاتجاه المحسوم ". هناك قضية مهمة أخرى قد تغيب عن اذهان البعض وهي المعرفة بحيثيات الاوضاع في العراق لأن الاكثرية في الاقطار العربية وغيرها ليس لها دراية كافية بطريقة ونهج الحكم الشمولي السابق في العراق ومن هذا المنطلق هم لا يعرفون رأي اكثرية الشعب العراقي بالنظام السابق وما يرونه من اعمال عنف مسلح يتصورنه هو العام والشامل ويراد منه اخراج القوات متعددة الجنسيات ولم يخطر ببالهم ان هذه الاعمال هي التي ساعدت ليس على بقاء هذه القوات فحسب وانما زيادتها وبدون تحديد زمني لها ولهذا يصوت من ينطلي عليهم الهدف بالضد إضافة لوجود اعداداً من عناصر النظام البائد الذين هربوا الى الدول المجاورة ومنها دولة قَطر وبحوزتهم ملايين الدولارات حيث خوت خزينة الدولة من اصغر نقد كافي على قول المرحوم الدكتور مصطفى جواد .
في واقع الأمر لابد من الاعتراف باهمية الاعلام وقدرته على التغلغل الى الكثير من زوايا الحياة بمختلف شعابها وتأثراته الايجابية والسلبية في هذا العالم الذي يعج بالتناقضات والصراعات على الرغم من التطورات الواسعة في مجال العلم والتكنيك والثورة المعلوماتية والالكترونيات وغزو الفضاء، وتبقى مهمة الاعلام في هذا العالم المتغير في تكويناته السياسية والاجتماعية والثقافية محصورة بخطوط منهاجية تحدها من جهاتها الاربعة، ومهما كان الاعلام يتصنع الحيادية وعدم الانحياز لكنه في الأخير كاي مخلوق من قبل الانسان له مصالح ينحاز بها نحو مصالح صانعيه وموجهيه لكن مع كل ذلك فإن البعض من وسائل الاعلام تنتهج نوعاً من المصداقية النسبية في التحليل ونقل الاخبار وهي تختلف تماماً مع تلك التي تنتهج اساليباً تهدف الى تشويه الحقائق بهدف تمرير سياسة تعبوية لخداع الناس فتقلب الابيض الى أسود وتضخم الاصغر ليبدو اضخم وتقلل من الاهمية كي تجعلها ثانوية والثانوية الى أولية وتتاجر بشعارات لخداع وعي الآخرين مثلما ينتهج في النشرة الاخبارية لقناة الشرقية وكلنا أمل ان ينتبه السيد سعد البزاز الى هذه الظاهرة ان كان لا يدركها اما ذا كان العكس " فالله في خلقه شؤون " وكذلك "الاتجاه المحسوم " للدكتور فيصل في قناة الجزيرة الذي يدركها هو جيداً
واصحاب الجزيرة كذلك .